المُجْتَمَعُ العَلَويّ
ذو الحجة
«هو عيدُ اللهِ الأكبرُ، وما بَعثَ اللهُ نبيّاً إلّا وتعيَّدَ في هذا اليومِ وعرَفَ حرمتَه. واسمُه في السماءِ يومُ العهدِ المعهودِ، وفي الأرضِ يومُ الميثاقِ المأخوذِ والجمعِ المشهودِ»
عدد الزوار: 211
ورد في الرواياتِ وصفُ هذا العيدِ باسمِ عيدِ اللهِ الأكبر، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السّلام)، في حديثٍ يَذكُرُ فيه عيدَ الغدير: «هو عيدُ اللهِ الأكبرُ، وما بَعثَ اللهُ نبيّاً إلّا وتعيَّدَ في هذا اليومِ وعرَفَ حرمتَه. واسمُه في السماءِ يومُ العهدِ المعهودِ، وفي الأرضِ يومُ الميثاقِ المأخوذِ والجمعِ المشهودِ»[1].
وممّا ذكره العلماءُ في تفسيرِ هذه التسميةِ هو أنه العيدُ الذي اكتَمل فيه الدينُ وتمّت فيه النعمة، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾[2].
ولا شكَّ في أنَّ هذا الاكتمالَ والإتمامَ يعني أنَّ الدين في بُعدَيهِ الاعتقاديِّ والسلوكيِّ قد أصبحت عناصرُهُ محدَّدةً، ويبقى تنفيذُ تلك العناصرِ في الخارجِ وبين الناس، وهذا ما كان في عَهدِهِ وليُّ اللهِ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ (عليه السّلام).
ومن هنا، فالمجتمَعُ العلويُّ هو المجتمعُ الذي يشكِّلُ أنموذَجاً تطبيقيّاً للدينِ التامِّ والكامل، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه المولى): «يجبُ علينا أن نعلمَ جميعاً أنّ مِنَ الضروريِّ أن نتّخذَ منْ سيماءِ أميرِ المؤمنينَ، وملامحِ المجتمعِ الذي سعى إلى إقامتِهِ، نموذجاً يُحتذى في الصورة التي يُفترَضُ أن نمنحَها لحكومتِنا الإسلاميةِ ومجتمعِنا الإسلاميّ، فهذا هو نموذجُ الأسوةِ الذي لا ينبغي الانحرافُ عنه في مسيرتِنا، وهو لا يعني بالطبعِ أنّ تاريخَنا الطويلَ كان حافلاً بأمثالِ أميرِ المؤمنينَ أو بمن هم دونَهُ درجة، كلّا، فممّا لا ريبَ فيه أنّ كُلَّ عظمائنا وعلمائنا البارزينَ وشخصيّاتِنا الكبيرةِ على طُول التاريخ، لا يَعْدِلونَ ذرّةً مِن ترابٍ تحتَ أقدامِ أميرِ المؤمنين، بل إنهم لا يدانون خادمَهُ (قنبر) درجةً أو منزلة.
إننا لا نريدُ بذلكَ أن نعقدَ مقارَنةً بين تلكَ الشخصيةِ الرفيعةِ وغيرِها، أو أن نقيسَ بها أحداً، فهذا لا يصحّ، بل إنّنا لا نبغي من وراءِ ذلك سوى أن نتّخذَ مِن أميرِ المؤمنينَ قدوةً لنا في كلّ ما نقومُ به من أعمال.
إنّ النماذجَ الخطّيّةَ أو التعليميّةَ أو الفنيّةَ، عندما تُعطى للتلاميذِ مِن أجلِ تقليدِها أو استنساخِها، فهذا لا يعني بالضرورةِ أنهم سيبلُغونَ ما بلغتهُ مِنَ الذروة، كلّا بالطبع، ولكنّها تُوضَعُ أمامَهم لكي ينحُوا منحاها، ويبذُلوا جهودَهم للتمثُّلِ بها، وجعلِها أنموذجاً يُحتذى.
إنّ على مجتمعِنا الإسلاميِّ اليومَ ألّا يدّخرَ وُسْعاً في سبيلِ تحقيقِ ما حاولَ أميرُ المؤمنينَ تحقيقَهُ خلالَ تلك الفترةِ الوجيزةِ عندما سنحت له الفرصةُ وأمسَكَ بمقاليدِ الحُكم.
فانظروا إلى ذلك الأنموذجِ، وتدبّروا معالمَه وملامحَه، وما سعى أميرُ المؤمنينَ إلى تحقيقِهِ، وما علينا سوى التمسُّكِ بتلك المميّزاتِ والمعالم. لقد كان أميرُ المؤمنينَ يتوخّى العدالةَ والمُثُلَ الأخلاقيةَ والتوحيدَ، والعملَ لوجهِ اللهِ، والمساواةَ بينَ أفرادِ المجتمع، والنظرَ إليهم جميعاً بعَينِ العطفِ والشفقةِ».
إنّ أميرَ المؤمنينَ يقولُ لأحدِ عمّالِه: إنَّ الناسَ «إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْق»[3]، فيا لها مِن نظرةٍ واسعةٍ وعميقة!
إنّ الإنسانَ الذي يريدُ أن يربّيهِ أميرُ المؤمنينَ هو الذي لا يُفرِّقُ بين الواحدِ والآخرَ مِن حيثُ الرأفةُ والمحبّةُ والعطفُ.
وختاماً، نهنّئُ الإمامَ صاحبَ العصرِ والزمانِ (عج)، ووليَّ أمرِ المسلمينَ، والمجاهدينَ جميعاً، بذكرى عيدِ الغديرِ السعيد.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج8، ص89.
[2] سورة المائدة، الآية 3.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص427.