يتم التحميل...

الرِّضا بالنَّفس

شوال

عن أميرِ المؤمنينَ عليٍّ (عليه السلام): «رِضاكَ عَن نَفسِكَ، مِن فَسادِ عَقلِكَ»

عدد الزوار: 203



عن أميرِ المؤمنينَ عليٍّ (عليه السلام): «رِضاكَ عَن نَفسِكَ، مِن فَسادِ عَقلِكَ»[1].

من الآفاتِ والأمراضِ الأخلاقيّةِ التي قد يُبتلى بها العاملون، هو تقديرُهم لأنفُسِهِم زائداً عن الحدِّ الطبيعيِّ، وهو ما عَبَّرَتْ عنه الرواياتُ بالرضا عن النَّفْس، والذي هو درجةٌ مِن درجاتِ العُجُبِ المذمومِ.

وخطورةُ هذا الابتلاءِ أنه يَكشِفُ عن خَلَلٍ في عقلِ هذا الإنسانِ؛ لأنَّ التفكيرَ السليمَ هو الذي يُعطي النفْس حقَّها، ولا يبالِغُ في ذلك؛ ولأنَّ النفْسَ تَخدَعُ العقلَ بذلك، فتجعلُهُ يَصِلُ إلى حَدِّ الاكتفاءِ، وهو يعيشُ الحِرمانَ، ففي الروايةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «الرَّاضِي عَنْ نَفْسِهِ مَغْبُونٌ، وَالْوَاثِقُ بِهَا مَفْتُونٌ»[2]. وتتجلّى هذه الفتنةُ بأنّه لن يأخذَ بالنصيحةِ، وينظرُ بعَينِ النقصِ لكلِّ رأيٍ لغَيرِهِ، فلا يكونُ مقبولاً لديه.

كما يترتّبُ على الرضا عن النفْسِ هذا مفاسدُ كثيرةٌ وَرَدَتْ في الرواياتِ، ومنها:
1. أنَّ الذي يُعجَبُ بنفْسِهِ إلى حدِّ الرضا عنها،
سوف لا يَرى في نفسِهِ التقصيرَ في حقِّ غيرِه، وبذلك سوف يتخلَّفُ عن أداءِ تلك الحقوق، وبذلك يَسخَطُ عليه أصحابُ تلك الحقوقِ، كما أنه سوف يَرى أنَّ كُلَّ تصرُّفاتِهِ حَقٌّ، مع أنّه في مَعْرِضِ الإساءةِ للغير. وإلى هذا يشيرُ ما وَرَدَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِيَّاكَ أَنْ تَرْضَى عَنْ نَفْسِكَ، فَيَكْثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْكَ»[3].

2. أنَّ الذي يَقَعُ في هذا العُجُبِ بالنفْسِ سوف تَظهَرُ عيوبُهُ؛ لأنّه عندما يَرى الكمالَ في نفْسِهِ، يَغفُلُ عن نواقِصِها، فتَظهرُ للناس، فقد ورد عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «بِالرِّضَا عَنِ النَّفْسِ، تَظْهَرُ السَّوْءَاتُ وَالْعُيُوبُ»[4].

3. الوصولُ إلى حَدِّ الهلاك؛ وذلك لأنَّ التصاقَ هذه الحالةِ في النفْسِ، توقِعُ الإنسانَ في الأخطاءِ المتتاليةِ، حتى يَصِلَ إلى مرحلةٍ لا تُبقي له حسنةً؛ لأنَّ النفْسَ -بهذا الرضا الذي تراه- سوف تَجعلُ من المفاسدِ محاسنَ في نظرِهِ، فيكرِّرُ الوقوعَ فيها، وهو ما ورد التعبيرُ عنه في الرواياتِ بالتسويل؛ أي أنّها تزيِّنُ له تلك المساوئ، فقد ورد عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «هَلَكَ مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ، وَوَثِقَ بِمَا تُسَوِّلُهُ لَهُ»[5].
بل لعلَّ أعظمَ الهلاكِ عندما يَصِلُ به الرضا عن النفْسِ إلى الجُرأةِ على اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فيقعُ في المعاصي، وبذلك وَرَدَ التحذيرُ في المرويِّ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «رِضَا الْعَبْدِ عَنْ نَفْسِهِ، مَقْرُونٌ بِسَخَطِ رَبِّه‏»[6].

4. أنَّ الراضيَ عن نفْسِهِ سوف يرى نفْسَهُ على الصوابِ دَوماً، فيَنسِبُ إلى نفسِهِ العِصمةَ مِن الخطأ، ويتوقَّفُ عن طَلَبِ الكمالِ أو طَلَبِ المَشُورَةِ مِن الغَير، وبذلك يعيشُ حِرماناً آخَرَ.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص269.
[2] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص104.
[3] المصدر نفسه، ص166.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص186.
[5] المصدر نفسه، ص512.
[6] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص389.

2021-06-10