حقُّ المؤمن
شوال
عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَاءِ حَقِّ الْمُؤْمِنِ»
عدد الزوار: 231
عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَاءِ حَقِّ الْمُؤْمِنِ»[1].
لَمّا كانت عنايةُ الإمامِ الصادقِ (عليه السلامُ) بتربيةِ الجماعةِ المواليةِ الصالحةِ التي كانت ضمنَ مخطَّطِ مسارِ الأئمّةِ (عليهمُ السلام)، كانت هذه التربيةُ شاملةً للجوانبِ كافّةً، مِن علاقةِ هذه الجماعةِ باللهِ -عزَّ وجلَّ-، وعلاقتِها بإمامِ زمانِها، إلى علاقاتِها بعضِها مع بعض، ولذا كانتِ التوصياتُ الكثيرةُ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) بحِفظِ حقوقِ المؤمنين. وفي هذا الحديث، يوضِّحُ الإمامُ أنَّ لأداءِ حقِّ المؤمنِ ارتباطاً بِبُعْدٍ إلهيٍّ، وهي أنّها مِن أفضلِ ما عُبد بهِ اللهُ -عزَّ وجلَّ-، فهي وسيلةُ تقرُّبٍ إلى اللهِ، تفوقُ سائرَ الأعمالِ الصالحةِ.
وفي روايةٍ أخرى عنهُ (عليه السلام)، يحدِّدُ الإمامُ العلاقةَ بين تعظيمِ دِينِ اللهِ وبينِ أداءِ حقوقِ إخوانِه، فقد وَرد فيها: «مَنْ عَظَّمَ دِينَ اللَّهِ، عَظَّمَ حَقَّ إِخْوَانِهِ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِدِينِهِ، اسْتَخَفَّ بِإِخْوَانِهِ»[2]؛ وذلكَ لأنَّ الصِّلَةَ الجامعةَ بينَهُ وبينَهُم إنّما هي الدِّينُ الواحدُ الذي ينتسبون إليه؛ ولذا وَرَدَ في روايةٍ عنه -بَعدَ بيان سَبْعِ حقوقٍ واجباتٍ على المؤمنِ للمؤمنِ- أنّه قال: «فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، وَصَلْتَ وَلَايَتَكَ بِوَلَايَتِهِ، وَوَلَايَتَهُ بِوَلَايَتِك»[3].
وفي العديدِ منَ الرواياتِ الواردةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام)، إرشادٌ تفصيليٌّ لهذه الحقوقِ الواجبةِ الأداءِ، ففي روايةٍ عنهُ (عليه السلام): «لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ سَبْعَةُ حُقُوقٍ وَاجِبَةٍ لَهُ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَاللَّهُ سَائِلُهُ عَمَّا صَنَعَ فِيهَا: الْإِجْلَالِ لَهُ فِي عَيْنِهِ، وَالْوُدُّ لَهُ فِي صَدْرِهِ، وَالْمُوَاسَاةُ لَهُ فِي مَالِهِ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَأَنْ يُحَرِّمَ غِيبَتَهُ، وَأَنْ يَعُودَهُ فِي مَرَضِهِ، وَيُشَيِّعَ جَنَازَتَهُ، وَلَا يَقُولَ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَّا خَيْراً»[4].
والحَدُّ الأدنى لهذه الحقوقِ هو ما يَرتبطُ بالبُعْدِ المادّيِّ والحاجاتِ الحياتيّةِ، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «..وَمِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، أَنْ لَا يَشْبَعَ وَيَجُوعُ أَخُوهُ، وَلَا يَرْوَى وَيَعْطَشُ أَخُوهُ، وَلَا يَلْبَسُ وَيَعْرَى أَخُوهُ»[5].
ومِن هنا، كان التكافلُ الاجتماعيُّ فَرْضاً لازماً على المستوى الفرديِّ والعامِّ لأتباعِ أهلِ البيتِ (عليهِمُ السلام).
وقد وَردَ الحَثُّ الكثيرُ على الاستجابةِ لطلبِ المؤمنِ بما أَمكَنَ، وَعَدَمِ تجاهُلِهِ، ففي روايةٍ أنَّ الإمامَ الصادقَ (عليه السلامُ) كان في الطوافِ في المسجدِ الحرامِ، وكان معهُ بعضُ أصحابِهِ، ويُدعى «أبان بِنْ تغلب»، وأثناءَ الطوافِ، أشارَ إليهِ أحدُ المؤمنينَ يريدُ منه أمراً، ورأى الإمامُ الصادقُ (عليه السلامُ) ذلك، فَأَمَرَ أبانَ أنْ يَقطعَ طوافَهُ ويَذهبَ ليرى حاجتَهُ، وذلك استجابةً له، وَلَمَّا رَجَعَ إلى الإمامِ الصادقِ (عليه السلام)، طَلَبَ منه أن يُبِيِّنَ له حَقَّ المؤمنِ، فقالَ له الإمامُ (عليه السلام): «يَا أَبَانُ، تُقَاسِمُهُ شَطْرَ مَالِكَ»، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ، فَرَأَى مَا دَخَلَنِي، فَقَالَ: «يَا أَبَانُ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ ذَكَرَ الْمُؤْثِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؟»، قُلْتُ: بَلَى، جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَقَالَ: «أَمَّا إِذَا أَنْتَ قَاسَمْتَهُ فَلَمْ تُؤْثِرْهُ بَعْدُ، إِنَّمَا أَنْتَ وَهُوَ سَوَاءٌ. إِنَّمَا تُؤْثِرُهُ إِذَا أَنْتَ أَعْطَيْتَهُ مِنَ النِّصْفِ الْآخَرِ»[6].
ختاماً، نرفعُ آياتِ العزاءِ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجل الله فرجه الشريف)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، بذكرى شهادةِ الإمامِ جعفرِ بْنِ محمّدٍ الصادقِ (صلواتُ اللهِ عليه).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص170.
[2] الشيخ الطبرسيّ، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص186.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص169.
[4] الشيخ الصدوق، الخصال، ج2، ص351.
[5] الكوفيّ الأهوازيّ، المؤمن، ص42.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص172.