يتم التحميل...

القُرآنُ جَلاءُ القُلوب

شعبان

عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَسَبَبُهُ الأَمِينُ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ، وَمَا لِلْقَلْبِ جِلَاءٌ غَيْرُهُ»

عدد الزوار: 321



عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَسَبَبُهُ الأَمِينُ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ، وَمَا لِلْقَلْبِ جِلَاءٌ غَيْرُهُ»[1].

للإنسانِ محطَّةٌ جَعَلَها اللهُ -عزَّ وجلَّ- شهراً تامّاً من كلِّ عام، فَتح فيه أبوابَ السماءِ لعبادِه، ليغتنموا فرصةَ القربِ منه، ولعلَّ أهمَّ عنوانٍ لهذا الشهرِ الكريمِ هو جلاءُ القلوبِ مِن رَينِ التعلُّقاتِ الدنيويّة، ومِفتاحُ ذلك هو التلاوةُ مع تدبُّرٍ لآياتِ كتابِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-. ويبيّنُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه الله) مصداقَ التدبُّر، فيقول: «مثلاً، يقولُ القرآن: ﴿وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾[2]. حسناً، ما معنى العاقبةِ ونهايةِ الأمر؟ نهايةُ الأمرِ للمتّقين، نهايةُ الأمرِ في الدنيا لمصلحةِ المتّقين، ونهايةُ الأمرِ في الآخرةِ لمصلحة المتّقين. والكفاحُ إذا أُريدَ الانتصارُ فيه، فستكونُ العاقبةُ للمتّقين. وفي ساحةِ الحربِ أيضاً، إنْ أردتُمُ الانتصارَ على العدوّ، فيجبُ أن تكونوا متّقين. لاحِظوا! إذا دقّقتمْ وجدتمْ أنَّ العاقبةَ للمتّقين. لنتعمّقَ في هذا المعنى قليلاً، وندقّقَ فيه، ولا نمرَّ على العبارةِ مروراً سريعاً. أو يقولُ مثلاً: ﴿وَلَنَبلُوَنَّكم بِشَيءٍ مِنَ ‌الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأموالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرين﴾[3]. ما هو هذا الخوف؟ وما هو الجوع؟ يجبُ على الإنسانِ أنْ يتأمّلَ في هذه الكلماتِ والمفاهيم، وهذا هو التدبُّرُ في القرآن، وهكذا يكون».

وقد تعدّدتْ صفاتُ القرآنِ الكريمِ في علاقةِ الإنسانِ بهِ في كلماتِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام)، ومنها:

1. ناصِحٌ وهادٍ: فالتالي لآياتِ كتابِ اللهِ بتدبُّرٍ، هو مستمِعٌ صادقٌ لهذه الآيات، يتلقّى منه النصيحةَ والهدايةَ والحديثَ بلا غِشِّ ولا ضلالةٍ ولا كذب. يقولُ (عليه السلام): «وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ، وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ»[4].

2. عطاءٌ مستمرٌّ: فتلاوةُ المتدبِّرِ لن تكونَ سدًى أبداً، فالقرآنُ فيّاضٌ دائمٌ على عبادِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-. يقولُ (عليه السلام): «وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، زِيَادَةٍ فِي هُدًى، أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى»[5].

3. غنًى لا فَقْرَ معهُ أبداً: فالنّفْسُ عندما تتعمّقُ في معاني آياتِ الكتابِ الكريم، ترتفعُ في هداها. يقولُ (عليه السلام): «وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ، وَلَا لأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى»[6].

4. شفاءٌ مِن كلِّ داءٍ: فالأمراضُ المعنويةُ أشدُّ فتكاً بالنفسِ الإنسانيةِ، حتى تجعلَ صاحبها من (ميت الأحياء)، ودواؤهُ تلاوةُ القرآنِ بتدبُّرٍ. يقولُ (عليه السلام): «فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لأْوَائِكُمْ، فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالْغَيُّ وَالضَّلَالُ»[7].

5. كشّافُ الظلُماتِ: يقولُ (عليه السلام): «وإِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ، وبَاطِنُهُ عَمِيقٌ. لَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، ولَا تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ، ولَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِهِ»[8].

6. شافعٌ في يومِ القيامةِ: يقولُ (عليه السلام): «وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ، وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَلَا إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ، غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ، فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ»[9].

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح)، ص254.
[2] سورة الأعراف، الآية 128. سورة هود، الآية 49. سورة القصص، الآية 83.
[3] سورة البقرة، الآية 155.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح)، ص252.
[5] المصدر نفسه.
[6] المصدر نفسه.
[7] المصدر نفسه.
[8] المصدر نفسه، ص61.
[9] المصدر نفسه، ص252.

2021-04-07