وأعِدّوا
شعبان
«اللّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يحَوُلُ بَيْنَنا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ رِضْوانَكَ، وَمِنَ اليَّقِينِ ما يَهُونُ عَلَيْنا بِهِ مُصِيباتُ الدُّنْيا. اللّهُمَّ أَمْتِعْنا بِأَسْماعِنا وَأَبْصارِنا وَقُوَّتِنا ما أَحْيَيْتَنا، وَاجْعَلْهُ الوارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثأْرَنا عَلى مَنْ ظَلَمَنا، وَانْصُرْنا عَلى مَنْ عادانا»
عدد الزوار: 337
روي أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) كان يدعو بهذا الدعاءِ في ليلةِ النِّصفِ من شعبان: «اللّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يحَوُلُ بَيْنَنا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ رِضْوانَكَ، وَمِنَ اليَّقِينِ ما يَهُونُ عَلَيْنا بِهِ مُصِيباتُ الدُّنْيا. اللّهُمَّ أَمْتِعْنا بِأَسْماعِنا وَأَبْصارِنا وَقُوَّتِنا ما أَحْيَيْتَنا، وَاجْعَلْهُ الوارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثأْرَنا عَلى مَنْ ظَلَمَنا، وَانْصُرْنا عَلى مَنْ عادانا»[1].
إنّ مِن أعظمِ الوظائفِ في عصرِ الغَيبة، وهو العنوانُ العامُّ لتكليفِ المنتظِرين، هو التمهيدُ لهذا الظهورِ عبرَ الإعدادِ له. وهذا الإعدادُ منه ما يكونُ معنويّاً ومنه ما يكونُ مادّيّاً. وفي هذه الفقرةِ من الدعاءِ دلالةٌ على كلا النوعَين:
1. الإعدادُ المعنويّ: وذلك من خلالِ تربيةِ النفوسِ على طاعةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- بأمورٍ ثلاثة، وردتْ في الدعاء، وتتمثّلُ بالآتي:
أ. الخشية: وهي الخوفُ الرادعُ عن معصيةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فعن النبيِّ (صلى الله عليه وآله): «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْمَلُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ: بَيْنَ أَجَلٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ فِيه، وبَيْنَ أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا اللَّهُ قَاضٍ فِيه. فَلْيَأْخُذِ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفْسِه لِنَفْسِه، ومِنْ دُنْيَاه لآِخِرَتِه، وفِي الشَّبِيبَةِ قَبْلَ الْكِبَرِ، وفِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَمَاتِ. فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِه، مَا بَعْدَ الدُّنْيَا مِنْ مُسْتَعْتَبٍ، ومَا بَعْدَهَا مِنْ دَارٍ إِلَّا الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ»[2].
ب. الطاعة: وهي أعظمُ أبوابِ القُرْبِ من اللهِ -عزَّ وجلَّ- والفوزِ برضوانِه، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾[3]، وفي حديثِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام) يَصِفُ فيه الشيعة، يقول: «أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ؛ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ. يَا جَابِرُ، وَاللَّهِ! مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَة»[4].
ج. اليقين: وهو بابُ مواجَهةِ المصائبِ بنجاح. والمرادُ مِن هذا اليقينِ أنْ يَعلَمَ الإنسانُ أنه لن يصيبَهُ إلّا ما كَتَبَ اللهُ له، وقد وَرَدَ أنَّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كَانَ إِذَا أَصْبَحَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَاناً تُبَاشِرُ بِه قَلْبِي، ويَقِيناً حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّه لَا يُصِيبُنِي إِلَّا مَا كَتَبْتَ لِي، ورَضِّنِي بِمَا قَسَمْتَ لِي»[5].
2. الإعدادُ المادّيّ: وذلك مِن خلالِ امتلاكِ القُوّةِ والقدرةِ للمجتمعِ الممهِّدِ لهذا الظهور. ويحذِّرُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظله) مِنَ التقصيرِ في هذا المجال، يقول: «إنّهم حينما يفشلون في استلابِ هذه العقيدةِ (المهدويّةِ) من النفوس، يحاولونَ تشويهَها في الأذهان. ولكنْ كيفَ يتمُّ تشويهُ هذا المعتقَد؟ يتمُّ ذلكَ عن طريقِ القولِ إنَّ المهديَّ سيَظهر، وهو الذي يُصلِحُ جميعَ الأمور، وليس علينا شيء، هذا تشويهٌ لهذه العقيدة، وتحويلُها مِن محرِّكٍ دافعٍ إلى إطارِ لا فاعليّةَ فيه، ومِن دواءٍ مُقَوٍّ إلى داءٍ مخدِّرٍ ومنوِّم. نعم، يَظهَرُ المهديُّ أرواحُنا فداه، ويُصلِحُ الأمور، لكنْ ما هو واجبُكُمُ اليوم؟ واجبُكُمُ اليومَ هو أن تمهِّدوا له الأمور».
ختاماً، نبارِكْ لوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى الولادةِ العطرةِ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرجَهُ).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة (ط - الحديثة)، ج3، ص321.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص70.
[3] سورة النساء، الآية 13.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص74.
[5] المصدر نفسه، ص524.