كيف هو حساب المستضعفين يوم القيامة؟
إضاءات إسلامية
كيف هو حساب المستضعفين يوم القيامة؟
عدد الزوار: 126
آيات قرآنية:
1 ـ ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورً﴾([1]).
تشير الآية إلى استثناء المستضعفين، الذين يمكن أن يشملهم العفو الإلهي من العقاب.. وهم الذين جهلوا الحق، ولم يعادوا أهله، وعجزوا عن أي حيلة لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
2 ـ ﴿وَآَخَـرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْـرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُـوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾([2]).
الآية تشمل المستضعفين الذين هم بين المحسنين والمسيئين، ممن لم يعرفوا الإمام المفترض الطاعة، ولم يكونوا معاندين ولم يظهروا العداوة، وأولئك موكول أمرهم إلى الله سبحانه، فهو العليم بأحوالهم.
روايات معتـبرة ســـنداً:
1 ـ روى الشيخ الكليني عن عدة من أصحابه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وسَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، وعَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِ قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ «عليه السلام»: ...فَمَا حَالُ الْمُوَحِّدِينَ الْمُقِرِّينَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ «صلى الله عليه وآله» مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُذْنِبِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَلَيْسَ لَهُمْ إِمَامٌ ولَا يَعْرِفُونَ وَلَايَتَكُمْ؟
فَقَالَ «عليه السلام»: أَمَّا هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ فِي حُفْرَتِهِمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ ولَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ عَدَاوَةٌ، فَإِنَّهُ يُخَدُّ لَهُ خَدٌّ إِلَى الْجَنَّةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ فِي الْمَغْرِبِ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهَا الرَّوْحُ فِي حُفْرَتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَلْقَى اللهَ، فَيُحَاسِبُهُ بِحَسَنَاتِهِ وسَيِّئَاتِهِ، فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وإِمَّا إِلَى النَّارِ، فَهَؤُلَاءِ مَوْقُوفُونَ لِأَمْرِ اللهِ، قَالَ: وكَذَلِكَ يَفْعَلُ اللهُ بِالْمُسْتَضْعَفِينَ والْبُلْهِ وَالْأَطْفَالِ، وَأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ ([3]).
2 ـ روى الشيخ الكليني، عَنْ عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:
الْمُسْتَضْعَفُونَ الَّذِينَ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً، وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا، قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً إِلَى الْإِيمَانِ، ولَا يَكْفُرُونَ: الصِّبْيَانُ، وأَشْبَاهُ عُقُولِ الصِّبْيَانِ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاء([4]).
3 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» قَالَ: مَنْ عَرَفَ اخْتِلَافَ النَّاسِ فَلَيْسَ بِمُسْتَضْعَفٍ([5]).
4 ـ روى الشيخ الكليني عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام»: إِنِّي رُبَّمَا ذَكَرْتُ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، فَأَقُولُ: نَحْنُ وَهُمْ فِي مَنَازِلِ الْجَنَّةِ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ «عليه السلام»: لَا يَفْعَلُ اللهُ ذَلِكَ بِكُمْ أَبَداً([6]).
5 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا «عليهما السلام» قَالَ:
الصَّلَاةُ عَلَى الْمُسْتَضْعَفِ، والَّذِي لَا يَعْرِفُ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ «صلى الله عليه وآله»، والدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ، تَقُولُ: رَبَّنَا اغْفِرْ ﴿لِلَّذِينَ تابُوا واتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ﴾ إِلَى آخِرِ الآيَتَيْنِ([7]).
6 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ:
دَخَلْتُ أَنَا وحُمْرَانُ، أَوْ أَنَا وبُكَيْرٌ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ: قُلْتُ لَه: إِنَّا نَمُدُّ الْمِطْمَارَ([8]).
قَالَ: ومَا الْمِطْمَارُ؟
قُلْتُ: التُّرُّ، فَمَنْ وَافَقَنَا مِنْ عَلَوِيٍّ أَوْ غَيْرِه تَوَلَّيْنَاه، ومَنْ خَالَفَنَا مِنْ عَلَوِيٍّ أَوْ غَيْرِه بَرِئْنَا مِنْه.
فَقَالَ لِي: يَا زُرَارَةُ، قَوْلُ الله أَصْدَقُ مِنْ قَوْلِكَ، فَأَيْنَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيل﴾؟
أَيْنَ الْمُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله؟([9]).
أَيْنَ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً؟
أَيْنَ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ؟
أَيْنَ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ؟([10]).
7 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ قَالَ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ الله «عليه السلام»: النَّاسُ عَلَى سِتِّ فِرَقٍ، يَؤُولُونَ كُلُّهُمْ إِلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ: الإِيمَانِ، والْكُفْرِ، والضَّلَالِ.
وهُمْ أَهْلُ الْوَعْدَيْنِ: الَّذِينَ وَعَدَهُمُ الله الْجَنَّةَ والنَّارَ. الْمُؤْمِنُونَ والْكَافِرُونَ.
والْمُسْتَضْعَفُونَ والْمُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله، إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ.
والْمُعْتَرِفُونَ بِذُنُوبِهِمْ، خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً، وأَهْلُ الأَعْرَافِ([11]).
8 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن عثمان بن عيسى، عن موسى بن بكر، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر «عليه السلام» قال:
سألته عن المستضعفين، فقال: البلهاء في خدرها، والخادم تقول لها: صلي، فتصلي لا تدري إلا ما قلت لها، والجليب([12]) الذي لا يدري إلا ما قلت له، والكبير الفاني، والصبي الصغير. هؤلاء المستضعفون.
وأما رجل شديد العنق، جدل خصم، يتولى الشرى والبيع، لا تستطيع أن تغبنه في شيء، تقول: هذا مستضعف؟ لا ولا كرامة!( [13]).
9 ـ روى الشيخ الصدوق بالأسانيد الثلاثة[14] (معتبرة الإسناد) عن الرضا «عليه السلام» عن آبائه قال:
قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: حرّمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي، وعلى من قاتلهم، وعلى المعين عليهم، وعلى من سبّهم، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم([15]).
10 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن سعد ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي والوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال، عن أبي عبد الله «عليه السلام» في قوله عز وجل: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلً﴾.
فقال: لا يستطيعون حيلة إلى النصب فينصبون، ولا يهتدون سبيل أهل الحق فيدخلون فيه، وهؤلاء يدخلون الجنة بأعمال حسنة، وباجتناب المحارم التي نهى الله عز وجل عنها، ولا ينالون منازل الأبرار([16]).
هذه عقيدتنا في المستضعف وغير العارف بالولاية:
المستضعف الذي لم تبلغه الحجّة أولم يفهمها ولم ينكرها عناداً، يمكن أن يشمله العفو الإلهي ويدخل الجنّة، دون أن يكون في درجات ومنازل أهل الإيمان والولاية.
ومن أقرّ بالشهادتين ولم يعرف الإمام المفترض الطاعة، ولم يكن له مبغضاً، ولا معادياً أو معانداً، يحاسب يوم القيامة بحسناته وسيئاته، وهو من الموقوفين لأمر الله، وترجى له رحمته تعالى، وتعرض عليه الولاية ترحماً.
وأمّا من عرف الإختلاف بين النّاس، في الأمور الإعتقادية والدينية ومنها الولاية لأهل بيت النّبي «صلّى الله عليه وآله»، وجب عليه البحث عن الحق، والركون إلى الحجّة والدليل ولا يكون مستضعفاً.
وليس كل من لم يعرف الولاية ناصبياً، وإنما الذي استشعر وأظهر العداوة والبغضاء لأهل البيت «عليهم السلام» المفترضي الطاعة، وهو يستحق النّار.
وترجى رحمة الله لمن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان، وكذا العاجز الذي ليس له قدرة مادية أو بدنية على ترك دار الكفر، ولا يهتدي سبيلا .
عقائد شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في الأدلة المعتبرة، سماحة الشيخ نبيل قاووق – بتصرّف يسير
([1]) الآيتان 98 و 99 من سورة النساء.
([2]) الآية 106 من سورة التوبة.
([3]) الكافي، ج3 ص246. وتفسير البرهان، السيد البحراني، ج3 ص724.
([4]) الكافي، ج4 ص404. وتفسير البرهان، السيد البحراني، ج2 ص156.
([5]) الكافي، ج2 ص406.
([6]) الكافي، ج2 ص406. وتفسير البرهان، السيد البحراني، ج2 ص157.
([7]) الكافي، ج3 ص187، باب الصلاة على المستضعف وعلى من لا يعرف.
([8]) خيط للبناء يقدر به.
([9]) المرجون لأمر الله: المؤخر حكمهم إلى يوم القيامة.
([10]) الكافي، ج2 ص382 و 283، ومرآة العقول، ج11 ص107.
([11]) الكافي، ج2 ص382، ومرآة العقول، ج11 ص105.
([12]) الجليب: الخادم يجلب ويساق من بلد الى آخر.
([13]) معاني الأخبار للصدوق، ص203، بحار الأنوار، ج69 ص161.
([14]) الأسانيد الثلاثة للشيخ الصدوق عن الرضا «عليه السلام»:
1 ـ أبو الحسن محمد بن علي عن أبي بكر بن محمد بن عبد الله النيسابوري عن أبي القاسم عبد الله بن أحمد عن أبيه ..
2 ـ أبو منصور بن إبراهيم عن أبي اسحاق إبراهيم بن هارون عن جعفر بن محمد عن أحمد بن عبد الله الهروي ..
3 ـ أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني عن علي بن محمد بن مهروية عن داوود بن سليمان الفراء ..
([15]) عيون أخبار الرضا، ج2 ص37، وبحار الأنوار، ج7 ص260.
([16]) معاني الأخبار للصدوق، ص201، وبحار الأنوار، ج69 ص160، والبرهان في تفسير القرآن، للبحراني، ج2 ص157