تحيات النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الباقر (عليه السلام)
إضاءات إسلامية
تحيات النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الباقر (عليه السلام)
عدد الزوار: 117
يجمع المؤرخون والرواة على أن النبي (صلى الله عليه وآله) حمّل الصحابي العظيم جابر بن عبد الله الانصاري تحياته، الى سبطه الامام الباقر (عليه السلام)، وكان جابر ينتظر ولادته بفارغ الصبر ليؤدي إليه رسالة جده، فلما ولد الامام وصار صبيا يافعا التقى به جابر فأدى إليه تحيات النبي (صلى الله عليه وآله) وقد روى المؤرخون ذلك بصور متعددة وهذه بعضها:
1 - ما رواه آبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن جابر ابن عبد الله الانصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت، وكان يقعد في مجلس رسول (صلى الله عليه وآله) وهو معتجر([1]) بعمامة سوداء، وكان ينادي: يا باقر العلم، يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول: والله ما أهجر، ولكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي، وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا، فذاك الذي دعاني الى ما أقول: قال: فبينما جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذاك الطريق كتاب فيه محمد بن علي فلما نظر إليه قال: يا غلام اقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: شمائل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي نفسي بيده، يا غلام ما اسمك؟ قال: اسمي محمد بن علي بن الحسين، فجعل يقبل رأسه، ويقول: بأبي أنت وأمي أبوك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام... قال: فرجع محمد بن علي الى أبيه وهو ذعر فأخبره الخبر، فقال له: يا بني قد فعلها جابر قال: نعم، قال: إلزم بيتك يا بني»([2]).
أما محتويات هذه الرواية فهي:
أ - أن شمائل الامام الباقر (عليه السلام) وملامحه كانت تضارع شمائل النبي (صلى الله عليه وآله).
ب - أن النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي سمى سبطه بمحمد، واضفى عليه لقب الباقر، وأنه يبقر العلم بقراً.
ج - أن الامام زين العابدين (عليه السلام) قد خاف على ولده مما أخبر به جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في شأنه، ويعود السبب في ذلك الى أن الحكومة الأموية قد فرضت الرقابة الشديدة على الإمام زين العابدين فكانت تحصي عليه أنفاسه، وتتعرف على من يخلفه ويقوم مقامه من بعده لتنكل به فخشى (عليه السلام) على ولده من أن يناله الأمويون بسوء أو مكروه.
2 - ما رواه ابن عساكر أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) ومعه ولده الباقر دخل على جابر بن عبد الله الانصاري، فقال له جابر: من معك يا ابن رسول الله؟ قال: معي ابني محمد فأخذه جابر وضمه إليه وبكى ثم قال: اقترب اجلي، يا محمد، رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام، فسئل وما ذاك؟ فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: للحسين بن علي يولد لابنى هذا ابن يقال له علي بن الحسين، وهو سيد العابدين إذا كان يوم القيامة ينادي مناد ليقم سيد العابدين فيقوم علي بن الحسين، ويولد لعلي بن الحسين ابن يقال له محمد إذا رأيته يا جابر فاقرأه منى السلام، يا جابر اعلم أن المهدي من ولده، واعلم يا جابر أن بقاءك بعده قليل..»([3]).
3 - ما رواه تاج الدين بن محمد نقيب حلب بسنده عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: دخلت على جابر بن عبد الله فسلمت عليه. فقال لي من أنت؟ وذلك بعد ما كف بصره، فقلت له: محمد بن علي بن الحسين، فقال: بأبي أنت وأمي أدن مني، فدنوت منه، فقبل يدي ثم اهوى الى رجلي فاجتذبتها منه، ثم قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام، فقلت وعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) السلام ورحمة الله وبركاته، وكيف ذلك يا جابر؟ قال: كنت معه ذات يوم فقال: لي يا جابر لعلك تبقى حتى تلقى رجلا من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب له الله النور والحكمة فاقرأه مني السلام...»([4]).
4 ـ ما ذكره صلاح الدين الصفدي قال: « كان جابر يمشي بالمدينة ويقول يا باقر متى القاك؟ فمر يوما في بعض سكك المدينة فناولته جارية صبيا في حجرها فقال لها: من هذا؟ فقالت: محمد بن علي بن الحسين فضمه الى صدره، وقبل رأسه ويديه، وقال: يا بني جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام ثم قال: يا باقر نعيت إلى نفسي، فمات في تلك الليلة»([5]).
5 ـ ما ذكره بعض الاسماعيلية أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لجابر إنك ستلحق ولد ولدي هذا وأشار الى الحسين فاذا أدركته فاقرأه عنى السلام، وقل: له يا باقر العلم ابقره. ففعل ذلك..»([6]).
6 - ما رواه الحافظ نور الدين الهيثمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أتاني جابر بن عبد الله وأنا في الكتاب فقال: اكشف عن بطنك فكشفت عن بطني فقبله ثم قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني أن اقرأ عليك السلام»([7]).
هذه بعض الروايات وهي قد اتفقت على أن النبي (صلى الله عليه وآله) حمل جابر ابن عبد الله الانصاري تحياته الى الامام الباقر (عليه السلام) وقد استشف (صلى الله عليه وآله) من وراء الغيب ما يقوم به سبطه من نشر العلم واذاعته بين الناس وانه من جملة اوصيائه الذين يفجرون الحكمة والنور في الارض.
حياة الإمام الباقر (عليه السلام)، سماحة الشيخ باقر شريف القرشي
([1]) معتجر: وهو وضع العمامة على الرأس.
([2]) أصول الكافي « 1 / 469 ـ 470 » رجال الكشي (ص 27 ـ 28).
([3]) تاريخ ابن عساكر 51 / 41 من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين
([4])غاية الاختصار (ص 64).
([5]) الوافي بالوفيات 4 / 102.
([6]) مسائل مجموعة من الحقائق العالية والدقائق والاسرار السامية (ص 99) لمؤلف مجهول.
([7]) مجمع الزوائد 1 / 22.