قال تعالى: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾([1]).
إشارات:
- هذه الآية تسلية وعزاء للمسلمين، وبيان لحقيقة مهمّة وهي: أنّکم إذا أصابکم الضرّ ومسّکم السوء في سبيل إعلاء کلمة الحقّ وتحقيق الأهداف الإلهية، فإنّ عدوّکم، في المقابل، لحقه الکثير من القتل والجراحات. إنّکم، إذا کنتم تتجرّعون اليوم مرارة الهزيمة في أحد، فإنّ أعداءکم أيضاً قد تجرّعوها من قبلکم يوم بدر فلم يهنوا لما أصابهم، لذلک، عليکم بالصبر والجَلَد في الملمّات.
- درج القرآن الکريم علی استعمال کلمات "شهداء" و"شهيد" و"شاهد" للتعبير عن معنی الحضور والمشاهدة عکس الغياب کما في قوله تعالی «عَالِمُ الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ»، غير أنّ شأن نزول الآية وتناولها لقصة أُحُد وموضوع الجراحات في الجبهة تجعل المفسّر يذهب إلی تفسير کلمة "شهداء" بالذين يقتلون في سبيل الله، وهو محقّ في ذلک طبعاً.
- ينبغي للمسلم أن يتحلّی بروح معنوية عالية وراسخة وذلک في ضوء النقاط التالية الواردة في الآية:
أ) «أَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ«.
ب) «فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ«.
ج) «وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا«.
د) «ولِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا«.
هـ) «ويَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ«.
و) «واللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ«.
- وقد قال الإمام الصادق عليه السلام في هذه الآية: "ما زال مذ خلق الله آدم دولة لله ودولة لإبليس، فأين دولة الله أما هو إلّا قائم واحد"([2]).
التعاليم:
١ـ لا ينبغي للمسلمين أن يهينوا ويکونوا أقلّ صبراً من الکفّار، «فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ«.
٢ـ لا دوام لحوادث الدهر حلوها ومرّها، «وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ«.
٣ـ في الحرب ومنعرجات الحياة، تتميّز صفوف أهل الإيمان عن أدعياء الإيمان، «ولِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا«.
٤ـ لقد اتّخذ الله منکم شهداء ليشهدوا بأنّ تجاهل أوامر القائد تؤدّي إلی الهزيمة، «ويَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ«.
٥ـ الانتصار المؤقت للکفار ليس دليلاً علی محبّة الله لهم، «واللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ«.
٦ـ وقائع التاريخ تتحقّق بإرادة الله ومشيئته، «نُدَاوِلُهَا«.
تفسير النور، سماحة الشيخ محسن قراءتي
([1]) سورة آل عمران: 140.
([2]) تفسير العيّاشي.