الوجوه المحتملة لنشأة اللغة عند الإنسان
إضاءات إسلامية
الوجوه المحتملة لنشأة اللغة عند الإنسان
عدد الزوار: 110
من أعظم ما أنعم الله تعالى على الإنسان نعمة البيان والنطق فقال عز وجل في مقام الامتنان عليه: ﴿الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ﴾([1])، فلولا اللغة والبيان لم يتحقق للإنسان اجتماع ولاختل أساس التشريع، وبالتالي لم يقم له نظام الدنيا والآخرة؛ فلا يمكن تحديد هذه النعمة بحد، ويكفي في ذلك قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ﴾([2])، حيث جعل تعالى اختلاف الألسنة من الآيات.
والكلام في اللغة يكون من جهات متعددة ففيها التاريخية، والأدبية والعلمية، والاجتماعية وغير ذلك، وقد وضع العلماء لكل واحدة من تلك الجهات كتبا كثيرة.
والذي يهمنا في المقام هو ما يستفاد من قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّه﴾ في نشأة اللغة عند الإنسان بعد معلومية انتهائها إلى الله عز وجل، فإنه المفيض عليهم هذه النعمة ـ كما في سائر نعمه عزوجل ـ بإلهام منه تعالى مباشرة، أو بالتعليم.
والوجوه المحتملة كثيرة وقال بكل منها جمع وهي:
الأول: أنّها كانت من مجرد أصوات ذات دلالات وضعية فقط فتعدت عن تلك المرتبة بالتكرار حتّى وصلت إلى مرتبة الدلالة الاستعمالية فصارت ألفاظا خاصة كاشفة عن معان مخصوصة.
الثاني: أنّها كانت من ألفاظ ذات دلالات وضعية منشؤها الفطرة الإنسانية، كالألفاظ التي يستعملها الصبي غير المميز، أو تستعمل له فتعدت بكثرة الاستعمال عن تلك المرتبة إلى المرتبة الكاملة، كما هو مقتضى السير التكاملي في كل شيء. ولا يخفى بُعد هذين الوجهين عن الآية الكريمة، مضافا إلى ما فيهما من التعسف.
الثالث: أنّها مركبة من الوجهين في بدو الأمر؛ فحصل التكامل بما يحصل التكامل في سائر الأشياء. ويرد عليه ما أورد على الوجهين السابقين.
الرابع: أنّها حصلت أصولها بتعليم الله تعالى، والبقية بنحو ما مر.
الخامس: أنّها حصلت جميعها بتعليم الله عز وجل لآدم فانتشرت في ذريته بحسب مقتضيات الأزمنة والأمكنة.
والوجه الأخير وإن كان يلائم المستفاد من الآية الكريمة، وبعض الأخبار التي تقدم ذكرها في البحث الروائي. فإن الجمع المحلى باللام المفيد للعموم في «الأسماء» وتأكيده بلفظ «كل» الواقعين في الآية الكريمة يشملان جميع الأسماء الواقعة في سلسلة الزمان إلى انقراض العالم، وفي جميع اللغات واللهجات، وقد أحاط بها آدم (عليه السلام) إحاطة فعلية.
وهو وإن لم يكن من قدرة الله تعالى ببعيد، ولكنه مشكل جداً وبعيد من الأذهان، ولو كان الأمر كذلك لكانت معجزة آدم (عليه السلام) أجلى وأرفع من معجزات جميع الأنبياء.
فالحق أن يقال: إنّ المراد من الجمع والتأكيد الإضافي منهما أي ما كان في عصر خلق آدم (عليه السلام)، وما كان مورد احتياجه في مدة حياته ثم بعد ذلك استحدثت لغات ولهجات وألفاظ بالجعل والوضع تخصيصا أو تخصصا، وهذا هو الذي يمكن استفادته من مجموع الروايات بعد رد بعضها إلى بعض، وهو قريب من الأذهان، وبه يمكن الجمع بين بعض الوجوه المتقدمة.
مواهب الرحمن في تفسير القرآن، آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري – بتصرّف يسير
([1]) سورة الرحمن، الآية: 2
([2]) سورة الروم، الآية: 22