الإمام العسكري (عليه السلام) والخليفة المعتز
الهوية والسيرة
الإمام العسكري (عليه السلام) والخليفة المعتز
عدد الزوار: 366
ما فعله المعتز بالإمام الحسن العسكري (عليه السلام):
كانت سيرة المعتز مع الإمام العسكري (عليه السلام) كسيرة أسلافه من ملوك بني العباس مع أهل البيت (عليهم السلام)، ومما يلحظ على تلك السيرة أن المعتز قد وضع الإمام العسكري (عليه السلام) تحت الرقابة الشديدة، ولم يعد بإمكانه الاتصال بأصحابه إلا في ظروف خاصة، وتعرض الإمام (عليه السلام) للاعتقال في زمانه وضيق عليه في السجن، وكان (عليه السلام) لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، فيصوم النهار ويقوم الليل.
وأُودِع (عليه السلام) في سجن صالح بن وصيف([1])، وكان العباسيون يوصونه بالتضييق عليه، ويدسّون العيون في داخل السجن مع أصحابه.
عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى، قال: «دخل العباسيون على صالح بن وصيف عندما حُبِس أبو محمد (عليه السلام)، فقالوا له: ضيق عليه ولا توسّع، فقال لهم صالح: ما أصنع به وقد وكلت به رجلين شرّ من قدرت عليه، فقد صاروا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم، ثم أمر باحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله، ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين»([2]).
وعن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: «كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الأحمر أنا والحسن بن محمد العقيقي، ومحمد بن إبراهيم. العمري وفلان وفلان، إذ ورد علينا أبو محمد الحسن (عليه السلام) وأخوه جعفر، فخففنا له، وكان المتولي لحبسه صالح بن وصيف، وكان معنا في الحبس رجل جمحي يقول إنّه علوي، قال: فالتفت أبو محمد (عليه السلام) وقال: لولا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرّج عنكم، وأومأ إلى الجمحي أن يخرج فخرج.
فقال أبو محمد (عليه السلام): هذا الرجل ليس منكم فاحذروه، فإنّ في ثيابه قصّة قد كتبها إلى السلطان يخبره بما تقولون فيه، فقام بعضهم ففتش ثيابه، فوجد فيها القصة، يذكرنا فيها بكلّ عظيمة، ويعلمه أنا نريد أن ننقب الحبس ونهرب...»([3]).
وحاول المعتز الفتك بالإمام (عليه السلام) على يد سعيد بن صالح الحاجب الذي قتل المستعين بعد أن حمله إلى سامراء فتناهت أنباء تلك المحاولة إلى أسماع الشيعة، فكتب بعضهم إلى الإمام (عليه السلام) يتساءل عن ذلك، فطمأنه بالمصير الذي ينتظر المعتز قبل أن ينفذ عزمه.
عن محمد بن بلبل قال: «تقدم المعتز إلى سعيد الحاجب أن أخرج أبا محمد إلى الكوفة، ثمّ اضرب عنقه في الطريق، فجاء توقيعه (عليه السلام) إلينا: الذي سمعتموه تكفونه، فخلع المعتز بعد ثلاث وقُتِل»([4]).
وعن المعلى بن محمد، قال: أخبرني محمد بن عبد الله، قال: «لما اُمر سعيد الحاجب بحمل أبي محمد (عليه السلام) إلى الكوفة، كتب أبو الهيثم بن سيابة إليه: جعلت فداك، بلغنا خبر أقلقنا وبلغ منا كلّ مبلغ؟ فكتب (عليه السلام): بعد ثلاث يأتيكم الفرج. فقتل الزبير ـ أي المعتز ـ يوم الثالث»([5]).
وكان الإمام (عليه السلام) قد توجه إلى الله تعالى بالدعاء عليه، فقد روي عن محمد ابن علي الصيمري أنه قال: «دخلت على أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله وبين يديه رقعة أبي محمد (عليه السلام) فيها: إنّي نازلت الله في هذا الطاغي ـ يعني الزبير ـ وهو آخذه بعد ثلاث. فلما كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل»([6]).
خلع المعتز وقتله:
كان خلع المعتز في رجب سنة 255 ه، وكان سبب خلعه أن الجند وعلى رأسهم القادة الترك اجتمعوا فطلبوا منه أرزاقهم، فلم يكن عنده ما يعطيهم، فسأل من اُمه أن تقرضه مالاً يدفعهم عنه به، فلم تعطه وأظهرت أنه لا شيء عندها، فاجتمع الأتراك على خلعه وقتله، فدخل إليه بعض الأمراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه، وجرّوا برجله وأخرجوه وعليه قميص مخرّق ملطخ بالدم، فأوقفوه في وسط دار الخلافة في حرّ شديد حتى جعل يراوح بين رجليه من شدّة الحرّ، وجعل بعضهم يلطمه وهو يبكي ويقول له الضارب: اخلعها والناس مجتمعون. ثمّ ادخلوه حجرة مضيقاً عليه فيها، وما زالوا عليه بأنواع العذاب حتى خلع نفسه من الخلافة وولي بعده المهتدي بالله، ثمّ سلموه إلى من يسومه سوء العذاب بأنواع المثلات، ومنع من الطعام والشراب ثلاثة أيام حتى جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق، ثم أدخلوه سرباً وجصصوا عليه، فأصبح ميتاً، وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر([7]).
ما قاله الإمام العسكري بعد هلاك المعتز:
حينما قتل المعتز خرج توقيع من الإمام العسكري (عليه السلام) يؤكد عزم المعتز على قتل الإمام (عليه السلام) قبل أن يُولَد له، وفي ذلك دلالة واضحة على اعتقاد بني العباس بأن المولود هو صاحب الزمان (عليه السلام) الذي يقصم الجبّارين ويقيم دولة الحق.
عن أحمد بن محمد بن عبد الله، قال: «خرج عن أبي محمد (عليه السلام) حين قتل الزبيري: هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله فيه؟ وولد له ولد سمّاه محمداً...»([8]).
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) سيرة وتاريخ، الشيخ علي موسى الكعبي
([1]) كان رئيس الامراء الترك في زمان المعتز والمهتدي، وقتل في خلافة المعتدي سنة 256 ه، راجع الكامل في التاريخ 6: 214.
([2]) الكافي 1: 512 / 23 ـ باب مولد أبي محمد الحسن العسكري 7 من كتاب الحجة، الإرشاد 2: 334.
([3]) الثاقب في المناقب: 577 / 526، الخرائج والجرائح 2: 682 / 1 و 2، نور الأبصار: 183، المناقب لابن شهر آشوب 4: 470، إعلام الورى 2: 141.
([4]) المناقب لابن شهرآشوب 4: 464.
([5]) الغيبة للطوسي: 208 / 177، الخرائح والجرائح 1: 451 / 36، مهج الدعوات: 274، دلائل الإمامة: 427 / 391، الثاقب في المناقب: 576 / 523.
([6]) كشف الغمة 3: 295، بحار الأنوار 50: 297 / 72.
([7]) الكامل في التاريخ 6: 200، الفخري في الآداب السلطانية: 243، البداية والنهاية 11: 16، سير أعلام النبلاء 12: 533.
([8]) أصول الكافي 1: 329 / 5 ـ باب الاشارة والنص إلى صاحب الدار 7، إكمال الدين: 430 / 3 ـ باب 42.