الصادق (عليه السلام) وتربية المنارات العلمية – 1
إضاءات إسلامية
الصادق (عليه السلام) وتربية المنارات العلمية – 1
عدد الزوار: 96
من الأمور الثابتة تاريخياً حول مرحلة إمامة الإمام الصادق (عليه السلام) أنه كان النبع الذي استقى منه الطلبة على اختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم علوم محمد وآل محمد، حتى اشتهر الإمام عليه السلام بذلك في مختلف المصادر التاريخية، وكان أن توفّر مناخ سياسي موائم لذلك في عصره مما خلق فرصة لتربية نخب من المنارات العلمية التي قامت بالتصدي لنشر حديث أهل البيت (عليهم السلام)، ويمكن ذكر بعض الأمور التي أثمرت هذه النتيجة (أي تربية مجموعة من الطلاب الذين صاروا منارات علمية):
أ- الاستفادة من الأشخاص أصحاب الاستعداد:
عمل الإمام (عليه السلام) على تربية بعض الطلاب للإجابة على بعض الأسئلة والمشاركة في المناظرات العلمية بعد تقييمه ما يملكه الأفراد من استعدادات وقدرات. وقد علم بعض طلابه وجهزهم للمشاركة في المناظرات العقائدية والكلامية أمثال حمران بن أعين وهشام بن سالم ومحمد بن النعمان وقيس وهشام بن الحكم.
عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فورد عليه رجل من أهل الشام فقال له: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض، وقد جئت لمناظرة أصحابك؟
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): كلامك هذا من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من عندك؟
فقال: من كلام رسول الله بعضه، ومن عندي بعضه.
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): فأنت إذن شريك رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: لا.
قال: فسمعت الوحي عن الله؟ قال: لا، قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله؟ قال: لا، فالتفت أبو عبد الله (عليه السلام) إليّ فقال: يا يونس بن يعقوب، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم.
ثم قال يا يونس لو كنت تحسن الكلام لكلمته.
قال يونس: فيا لها من حسرة، ثم قلت: جعلت فداك، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لأصحاب الكلام ...
ثم قال: اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله. قال: فخرجت فوجدت حمران بن أعين ومحمد بن النعمان الأحول وهشام بن سالم وقيس الماصر - فأدخلتهم عليه، فلما استقر بنا المجلس - وكنا في خيمة لأبي عبد الله (عليه السلام) على طرف جبل في طرف الحرم، وذلك قبل الحج بأيام، أخرج أبو عبد الله رأسه من الخيمة، فإذا هو ببعير يخب. فقال: هشام ورب الكعبة. قال فظننا أن هشاماً رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة لأبي عبد الله، فإذا هشام بن الحكم قد ورد، وهو أول ما اختطت لحيته، وليس فينا إلا من هو أكبر سناً منه.
قال: فوسع له أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه ويده. ثم قال لحمران: كلم الرجل، يعني الشامي، فكلمه حمران فظهر عليه.
ثم قال: يا طاقي كلمه فكلمه فظهر عليه.. ثم قال للشامي: كلم هذا الغلام، يعني هشام بن الحكم فقال: نعم...[1].
ب - تقدير الجهود العلمية:
عمل طلبة الإمام الصادق (عليه السلام) باجتهاد ومثابرة للحفاظ على آثار أهل البيت (عليهم السلام) وقد نقلوا عن الإمام (عليه السلام) أحاديثاً عديدة في أبواب ومجالات متعددة ومتنوعة. ومن أبرز الذين نقلوا الرواية عن الإمام (عليه السلام): زرارة بن أعين وأبو بصير ومحمد بن مسلم وبرير بن معاوية، وقد ثمنَّ الإمام هذه الجهود وقدرها. يقول الإمام (عليه السلام) حول زرارة: «رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة لاندرست آثار النبوة وأحاديث أبي»[2]. وقد ورد الكثير من العبارات في حق الأصحاب[3].
ج - إرجاع الناس إلى طلبته:
لعل من أبرز الأمور التي تشير إلى العلاقة الحسنة بين الإمام (عليه السلام) وطلبته إرجاع الناس إليهم. وكان الكثير من الناس يأتون من أماكن بعيدة وبما أن البعض لم يتمكن من الحضور إلى الإمام كان يلتقي ببعض الطلبة ليسأل مسائله.
1 - قوله لفيض بن المختار: فإذا أردت حديثاً فعليك بهذا وأشار إلى زرارة[4].
2 - عن ابن أبي عمير، عن شعيب العقرقوفي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل، قال (عليه السلام) عليك بالأسدي يعني أبا بصير[5].
3 - عن أمية بن علي عن مسلم ابن أبي حية ، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) في خدمته، فلما أردت أن أفارقه ودعته وقلت: أحب أن تزودني، قال: أئت إبان بن تغلب، فإنه قد سمع مني حديثاً كثيراً، فما روى لك عني فاروه عني[6].
4 - وجاء رجل شامي إلى الإمام الصادق (عليه السلام) يريد المناظرة. فقال الإمام (عليه السلام): يا حمران وذلك الرجل، فقال الرجل: إنما أريدك أنت لا حمران فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن غلبت حمران فقد غلبتني فأقبل الشامي يسأل حمران حتى ضجر ومل وعرض وحمران يجيبه[7].
مبلغان - بتصرّف
[1] ارشاد المفيد، ص261.
[2] الاختصاص، المفيد، ص61.
[3] تنقيح المقال، ج1، ص165.
[4] منتهى الآمال، ج2، ص171.
[5] المصدر نفسه، ص175.
[6] رجال النجاشي، ص10.
[7] منتهى الآمال، ج2، ص170؛ تنقيح المقال، ج1، ص371.