لَا تَسْأَلُوا إِلَّا اللَّهَ سُبْحَانَهُ
ربيع الأول
قالَ الإمامُ العسكريُّ (عليه السلام): «وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِلْحَاحَ فِي الْمَطَالِبِ يَسْلُبُ الْبَهَاءَ وَيُورِثُ التَّعَبَ وَالْعَنَاء».
عدد الزوار: 192
قالَ الإمامُ العسكريُّ (عليه السلام): «وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِلْحَاحَ فِي الْمَطَالِبِ يَسْلُبُ الْبَهَاءَ وَيُورِثُ التَّعَبَ وَالْعَنَاء».
مِن الآدابِ والتعاليمِ الإسلاميّةِ الحَثُّ على الاحترازِ عن سؤالِ الناسِ وطلبِ الحاجاتِ منهم، فمع تأكيدِ الإسلامِ على عَظَمَةِ ورِفعةِ قضاءِ حوائجِ الناس، كان التأكيدُ أيضاً على سعْيِ المؤمنِ ليكونَ طلبُهُ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- فقط، إيماناً بِكَونِ الأمورِ كلِّها بِيَدِهِ، وَبِأنَّ العطاءَ منه كرامةٌ، والمنعَ منه يكونُ لمصلحةِ العباد، ففي الروايةِ عن الإمامِ عليَّ (عليه السلام): «لَا تَسْأَلُوا إِلَّا اللَّهَ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ أَعْطَاكُمْ أَكْرَمَكُمْ، وَإِنْ مَنَعَكُمْ خَارَ لَكُم».
كما وَرَدَ فضلُ تَرْكِ الطَّلَبِ مِن غيرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، ففي الروايةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَسْأَلَتِهِ، وَإِلَى النَّاسِ بِتَرْكِهَا».
وقد أثنى اللهُ -عزَّ وجلَّ- على صاحبِ الحاجةِ الذي لا يُبدي للناسِ تلكَ الحاجةَ، قالَ تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.
وبما أنَّ الأيّامَ في حالِ تَبَدُّلٍ وتغيُّرٍ، فعلى الإنسانِ أن يعيشَ الأملَ دائماً، وأنَّ الغَدَ لعلَّهُ يحمِلُ الفرجَ الذي لم يكنِ اليومَ. ولذا، كان الحَثُّ على الصبر، ففي حديثٍ مرويٍّ عن الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام): «ادْفَعِ الْمَسْأَلَةَ مَا وَجَدْتَ التَّحَمُّلَ يُمْكِنُكَ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ رِزْقاً جَدِيداً».
وما ينبغي على الإنسانِ الابتعادُ عنه أكثرَ، الإلحاحُ في المسألة. وقد وَرَدَ في الروايةِ السابقةِ الذِّكْرِ بيانُ ما يترتّبُ عليه ممّا لا يُرغَبُ به للمؤمن:
1- فقدانُ المهابة: فالناسُ بطبعِها تُعلي مِن شأنِ مَن تراهُ في غنًى عنها، وترى مَن يطلُبُ منها الحاجةَ أنه دُونَها منزلةً، وبذلك يفقِدُ عِزَّتَهُ لديها، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «الْمَسْأَلَةُ طَوْقُ الْمَذَلَّةِ، تَسْلُبُ الْعَزِيزَ عِزَّهُ، وَالْحَسِيبَ حَسَبَهُ».
2- التَّعَبُ والعناء: إنَّ المقارَنةَ بينَ أن يعيشَ الإنسانُ الصبرَ على الحاجةِ وبينَ أن يطلُبَها من الناس، تجعلُهُ يختارُ الأُولى؛ فإنَّ تَعَبَها أقلُّ، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «الْمَنِيَّةُ وَلَا الدَّنِيَّةُ، وَالتَّقَلُّلُ وَلَا التَّوَسُّلُ».
بل وَرَدَ في روايةٍ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «ثَلَاثَةٌ تُورِثُ الْحِرْمَانَ»، وَعَدَّ منها «الْإِلْحَاحُ فِي الْمَسْأَلَة».
ولا فرقَ في الطَّلَبِ بينَ أن يكونَ الأمرُ مِنَ الأمورِ الصغيرةِ أو الكبيرة، ولذا وَرَدَ في الروايةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «ضَمِنَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) لِقَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ الجَنَّةَ عَلَى أَنْ لَا يَسْأَلُوا أَحَداً شَيْئاً.. فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَسْقُطُ سَوْطُهُ وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ، فَيَنْزِلُ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً».
وما يعزِّزُ هذه الصفةَ في النفْسِ أن تَقوى خَصْلَةُ الحياءِ عندَ الإنسان، فصاحبُ الحياءِ يتحرَّزُ عنِ الطَّلَبِ من الناس، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «عَلَى قَدْرِ الْحَيَاءِ تَكُونُ الْعِفَّةُ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين