مَن أكرَمَهُ الله
صفر
«يَا هِشَامُ، مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِثَلَاثٍ فَقَدْ لَطُفَ لَهُ: عَقْلٌ يَكْفِيهِ مَئُونَةَ هَوَاهُ، وَعِلْمٌ يَكْفِيهِ مَئُونَةَ جَهْلِهِ، وَغِنًى يَكْفِيهِ مَخَافَةَ الْفَقْرِ».
عدد الزوار: 224
عن الإمامِ الكاظمِ (عليه السلام): «يَا هِشَامُ، مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِثَلَاثٍ فَقَدْ لَطُفَ لَهُ: عَقْلٌ يَكْفِيهِ مَئُونَةَ هَوَاهُ، وَعِلْمٌ يَكْفِيهِ مَئُونَةَ جَهْلِهِ، وَغِنًى يَكْفِيهِ مَخَافَةَ الْفَقْرِ».
إنّ طريقَ الإنسانِ لِنَيلِ الكمالاتِ أنْ يبحثَ عن الصفاتِ التي يورِثُ التحلّي بها تجلّياً لتلكَ الحالاتِ الكماليةِ في النفْس، وفي كلامِ الإمامِ الكاظمِ (عليه السلام) دَلالةٌ على صفاتٍ ثلاث: هي العقلُ والعِلْمُ والغنى، وهي كمالاتٌ إنسانيةٌ تدفعُ عن الإنسانِ الهوى والجهلَ والفقر.
1- عقلٌ يَدفع هوًى: فهذا لسانُ أهلِ النارِ يتحدّثُ عن أَسَفِهِم على فُقدانِ العقلِ الرادعِ لهم عن اتّباعِ الهوى الموجِبِ دخولَ النار، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ .
وقد ورد الحثُّ على مصادَقةِ العقل؛ بمعنى أن يتّخذَ الإنسانُ من العقلِ صديقاً ناصحاً له، ويحذّرَ مِن الهوى الذي هو عدوٌّ لهذه النفْس، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «الْعَقْلُ صَدِيقٌ مَقْطُوعٌ، الْهَوَى عَدُوٌّ مَتْبُوعٌ».
وعن النبيِّ (صلى الله عليه وآله) -فيما رُوي عنهُ- في شرحِ خصالِ العاقلِ: «صِفَةُ الْعَاقِلِ أَنْ يَحْلُمَ عَمَّنْ جَهِلَ عَلَيْهِ، وَيَتَجَاوَزَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيَتَوَاضَعَ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ، وَيُسَابِقَ مَنْ فَوْقَهُ فِي طَلَبِ الْبِرِّ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ تَدَبَّرَ، فَإِنْ كَانَ خَيْراً تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، وَإِنْ كَانَ شَرّاً سَكَتَ فَسَلِمَ، وَإِذَا عَرَضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ اسْتَعْصَمَ بِاللَّهِ، وَأَمْسَكَ يَدَهُ وَلِسَانَهُ، وَإِذَا رَأَى فَضِيلَةً انْتَهَزَ بِهَا، لَا يُفَارِقُهُ الْحَيَاءُ، وَلَا يَبْدُو مِنْهُ الْحِرْصُ؛ فَتِلْكَ عَشْرُ خِصَالٍ يُعْرَفُ بِهَا الْعَاقِلُ».
2- عِلْمٌ يَدفَعُ جهلاً: فكما يجري الصراعُ بين العقلِ والهوى، كذلك يجري الصراعُ بين العلمِ والجهل، رُوي عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مَنْ قَاتَلَ جَهْلَهُ بِعِلْمِهِ، فَازَ بِالْحَظِّ الْأَسْعَدِ»، يقول الشهيدُ الثاني في فضلِ العِلم: «وَجَعَلَ -سبحانهُ- العِلْمَ أعلى شَرَفٍ وَأَوَّلَ مِنَّةٍ امْتَنَّ بها على ابنِ آدمَ بَعدَ خَلْقِهِ وإبرازِهِ مِن ظُلمةِ العدمِ إلى ضياءِ الوجود، فقال –سبحانهُ- في أوّلِ سورةٍ أنزَلَها على نبيِّهِ محمَّدٍ (صلى الله عليه وآله): ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (1) ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ (2) ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ (3) ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ (4) ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (5) ، فتأمَّلْ كيف افتَتح كتابَه الكريمَ المجيدَ.... بنِعمةِ الإيجاد، ثم أردَفَها بنعمةِ العِلم، فلو كان ثَمَّةَ مِنَّةٌ، أو وُجِدَ نِعمةٌ بَعدَ نِعمةِ الإيجادِ هي أعلى مِنَ العلم، لَما خَصَّهُ اللهُ تعالى بذلك».
3- غنًى يَدفَعُ فَقراً: الفقرُ فخرٌ إن كان للخالقِ -عزَّ وجلَّ-، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ ، والغنى الذي يَدفَعُ الإنسانُ به الفقرَ هو الغنى عن الناسِ وعن الحاجةِ إليهم، فإنه بذلكَ حتى لو لم يَصِلْ إليه مالُ هذه الدنيا ومَتاعُها، يعيشُ الغنى في نَفْسِه، وهو ما وَرَدَ عنِ الإمامِ الجوادِ (عليه السلام) في تفسيرِ الغنى والفقر: «الْغَنَاءُ قِلَّةُ تَمَنِّيكَ، وَالرِّضَا بِمَا يَكْفِيكَ، وَالْفَقْرُ شَرَهُ النَّفْسِ وَشِدَّةُ الْقُنُوطِ»، وفي الحديثِ القدسيِّ المرويّ، أوحى اللهُ تعالى إلى داودَ (عليه السلام): «وَضَعْتُ الْغِنَى فِي الْقَنَاعَةِ، وَهُمْ يَطْلُبُونَهُ فِي كَثْرَةِ الْمَالِ، فَلَا يَجِدُونَه».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين