حقيقة الإنسان ليست مذكراً ولا مؤنثاً
المرأة في القرآن والسنة
في كل بحث يجب عدم الالتزام بأن الجواب هو بنحو الإيجاب حتماً، لأن من الممكن أن تكون ثمرة بحث ما سلبية فقط، فمثلاً أحياناً يدخل الإنسان في بحث حقوق المرأة على أمل أن تكون النتيجة هي تساوي هذين الصنفين أو تفاضلهما...
عدد الزوار: 111
في كل بحث يجب عدم الالتزام بأن الجواب هو بنحو الإيجاب حتماً، لأن من الممكن أن تكون ثمرة بحث ما سلبية فقط، فمثلاً أحياناً يدخل الإنسان في بحث حقوق المرأة على أمل أن تكون النتيجة هي تساوي هذين الصنفين أو تفاضلهما، ولكن يتضح في ما بعد أن ثمرة ذلك سلبية، يجب عدم التوقع أبداً أن ثمرة الاستنباط تكون أحد أمرين إما التساوي أو التفاضل، بل قد تكون نتيجة البحث هي أن المرأة والرجل غير متساويين ولا متمايزين، لأنه ليس هناك موضوع للتساوي أو الاختلاف، بعبارة أخرى قد يبحث الإنسان أحياناً في هل أن ألف وباء متساويان مثلاً أم متمايزان، هنا يعلن في النتيجة أحد الأمرين ويقول: إن ألف وباء وهما أمران وكلاهما مساوٍ للآخر، أو أنهما متمايزان مثلاً.
في هذا المحور الخاص، القضية هي منفصلة حقيقية ـ لا تخرج عن حالين ـ ولكن الإنسان يبحث أحياناً للحصول على التساوي أو الاختلاف ولكن حين يدقق يرى أن لا ألف في الموضوع ولا باء، عند ذلك يجب أن يقول: أن الموضوع ليس لبحث التساوي أو الاختلاف، لأن التساوي والاختلاف هما عدم وملكة ـ وليسا سلباً وإيجاباً حتى يكون رفع كليهما مستلزماً لرفع النقيضين ـ أي أن موضوعاً خاصاً عندما يوجد في الخارج، ثم ننسبه إلى موضوع آخر لا يخرج من حالين، إما هو مساوٍ له أو غير مساوٍ ولكن إذا لم يكن هناك تعدد وكثرة لا يكون أيضاً تساوٍ أو اختلاف، لأنه يلزم في إثبات أحد الأمرين المذكورين أن يكون شيئان موجودين حتى يكونا إما متساويين أو مختلفين.
إن القرآن الكريم حين يطرح مسألة المرأة والرجل يقول: انه لا ينظر لهذين الاثنين من جهة الذكورة والأنوثة، بل من جهة الإنسانية، وروح الإنسان هي تشكل حقيقته لا بدنه. إنسانية الإنسان تحققها روحه لا جسمه، لا مجموع الجسم والروح.
أصالة الروح وفرعية البدن
لو كان للجسم دور في إنسانية الإنسان ـ بصفة تمام الذات أو جزء الذات ـ لكان هناك كلام عن المذكر والمؤنث، وكان يجب البحث هل أن هذين الصنفين متساويان أم متفاوتان؟ ولكن إذا كانت حقيقة كل شخص تشكلها روحه ـ وجسمه ليس أكثر من أداة، وهذه الأداة هي أحياناً مذكر وأحياناً مؤنث ـ والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً، فان البحث عن تساوي المرأة والرجل أو تفاوت هذين الصنفين في المسائل المتعلقة بحقيقة الإنسان ينتهي، أي يكون سالبة بانتفاء الموضوع، وليس بانتفاء المحمول، ولأن التساوي والتفاوت هما عدم وملكة، وليسا سلباً وإيجاباً، لم يرد حينئذٍ كلام عن التساوي ولا كلام عن التفاوت.
أن القرآن الكريم اعتبر أن حقيقة كل إنسان روحه، والبدن أداتها، وهذا لا يتنافى مع أن يكون للإنسان بدن في نشأة الدنيا والبرزخ والقيامة، وكما أن لديه بدناً في الدنيا، والبدن هو فرع ـ وليس أصلاً ولا جزءاً من الأصل ـ كذلك أيضاً في البرزخ والقيامة. حيث أن الله تعالى ينسب البدن الذي هو فرع إلى الطبيعة والتراب والطين ويسند الروح التي هي أصل، إليه ويقول: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾1.
إن روح الإنسان منزهة عن الذكورة والأنوثة.
عندما كان منكرو المعاد يقولون: ان الإنسان يفنى بالموت وليست هناك حياة بعد الموت: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾2.
قال تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾3.
ملك الموت مأمور بالتوفي، ولو فقد من الإنسان شيء في الموت فانه لا يكون استيفاء وتوفياً، فجميع حقيقة الإنسان هي روحه التي تقبض وان تحلل البدن. البدن طبعاً يرافق الإنسان في جميع المراحل اللاحقة، ويكون في كل مرحلة مناسباً لتلك المرحلة.
إذا أردنا أن نرى هل أن هذين الصنفين المرأة والرجل متساويان أم متمايزان، أم ان ليس هناك صنفان أساساً، فان طريق تحقيقة هو أن نرى ما هو أساس القيمة والفضيلة؟ ومن هو الذي يصبح ثميناً وفاضلاً؟ هناك فصل يتولى بيان المسائل القيمية، وفصل آخر يتولى بيان أصحاب القيم والفضيلة.
عدم تأثير الذكورة والأنوثة في القيم وأصحاب القيم
الفصل الذي يحدد القيمة وضدها تمثله الآيات التي تعتبر العلم قيمة، والجهل ضد القيمة، الإيمان قيمة، والكفر ضد القيمة، الذلة والعزة، السعادة والشقاوة، الفضيلة والرذيلة، الحق والباطل، الصدق والكذب، التقوى والفجور، الإطاعة والعصيان، الانقياد والتمرد، الغيبة وعدم الغيبة، الأمانة والخيانة، تعتبرها عنوان مسائل قيمية أو ضد القيم، وهذه الأوصاف ليست مذكرة ولا مؤنثة، والفصل الذي يتولى بيان موصوف هذه القيم، يقول أن موصوف هذه الأوصاف ليس بدناً أبداً، أي أن البدن ليس مسلماً أو كافراً، عالماً أو جاهلاً، تقياً أو فاجراً، صادقاً أو كاذباً، محقاً أو مبطلاً، فاضلاً أو رذيلاً.
إن العقل النظري الذي وصفه الفكر والعلم، ليس مذكراً ولا مؤنثاً، والقلب الذي عمله الكشف والشهود، ليس مذكراً ولا مؤنثاً، والروح التي وصفها الفجور والتقوى، ليست مؤنثة ولا مذكرة، كما ان الفجور والتقوى ليسا مذكرين ولا مؤنثين.
إذا كانت المسائل التي تعود إلى العلم ـ سواء العلم الحصولي أو العلم الحضوري ـ ليس فيها ذكورة وأنوثة فإن العالم الذي يتصف بالعلم الحصولي أو الشهودي ليس مذكراً ولا مؤنثاً، إذ لم يكن هناك في المسائل العلمية كلام على الذكورة والأنوثة لا من حيث الصفة ولا من حيث الموصوف، لا يمكن بحث أن المرأة والرجل متساويان في المسائل العلمية أو متمايزان؟
وكذلك في المسائل الأخلاقية التي تعود إلى ( العقل العملي ) مثل الإرادة، الإخلاص الإيمان، التصديق، التهذيب الصبر، التوكل... والمسائل التي من هذا القبيل، ليست مذكرة، ولا مؤنثة والعقل العملي الموصوف بهذه المسائل الاخلاقية هو أيضاً لا مذكر ولا مؤنث، أي ان الصبر إذا لم يكن فيه ذكورة أو أنوثة، فالصابر ليس مذكراً ولا مؤنثاً. يجب عدم التفكير. بأننا نقول صابر صابرة. عالم وعالمة التأنيث اللفظي يجب عدم إدخاله في المسائل التحليلية، لأن العالم أو المؤمن، أي صاحب قيمة هي الروح، والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً، وإذا طرح شخص الذكورة والأنوثة في هذه الابحاث ابتلي بالمغالطة ـ من باب أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ـ سواء كان بصورة تأييد وإبرام أو بنحو تخريب ونقض.
الروح صاحبة قيم
إذا كان الكلام في محور القيمة عن المسائل البدنية، وكان موصوف هذه المحمولات والأحكام البدن أيضاً، فحينئذ يمكن البحث عن اختلاف أو مساواة المرأة والرجل.
في القرآن الكريم طرحت محمولات القضايا ـ سواء القيمة أو ضد القيمة ـ وكذلك الموضوعات، وفي بيان موضوع هذه المحمولات، يتكلم أحياناً عن الروح، وأحياناً عن النفس، الفؤاد أو القلب، وأحياناً يتكلم أيضاً عن الصدر و... وكل هذه تعبر عن تلك اللطيفة الإلهية التي هي موجود مجرد، غاية الأمر ان القرآن الكريم يذكر روح الإنسان بما يناسب الشأن، لأن الروح ليست بسيطة محضة بل لها شؤون متنوعة، فأحياناً يذكر الروح بالقلب أو الفؤاد بسبب التناسب مع وصف خاص، وأحياناً بالنفس وأحياناً بالصدر أيضاً و.. هذه موصوف محمولات قيمية.
الخلاصة أن الفصل الذي يبين أصحاب القيم والفصل الذي يبين معيار القيم يقول: ان الموصوف والصفة منزهتان من الذكورة والأنوثة، فالصفة منزهة والموصوف مبرأ، فلا يطرح الكلام قطعاً عن التساوي أو التفاوت. وعندما يقول الإسلام ان المرأة والرجل لا يختلفان، أي هي سالبة بانتفاء الموضوع، وعندما لا نعثر في المسائل العلمية وهي معيار من معايير القيمة وكذلك في المسائل العملية التي هي من معايير القيمة، أي كلام عن المذكر والمؤنث، نتيقن أن موصوفها ليس مذكراً أو مؤنثاً ـ هذا هو من باب التبعية ـ كما أنه إذا لم نعثر في الموصوف الذي هو روح على أي مؤشر عن المذكر والمؤنث، فإن وصفه أيضاً منزه من الذكورة والأنوثة ـ هذا أيضاً عن طريق التلازم ـ كما ان التحليل النفسي لكل من الصفة والموصوف يوصلنا أيضاً إلى هذه النتيجة، أي عندما اثبتنا أن الموصوف والصفة منزهتان عن الذكورة والأنوثة تحصل نتيجتان: إحداهما بالمطابقة والأخرى بالالتزام خلق الروح، بعد إتمام البدن:
قال تعالى:﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾4.
عندما يتكلم الله في شأن الروح يقول: إنه بعد أن تمت نشأة الطبيعة وانتهت التحولات المادية، خلقت خلقاً آخر ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾، أي خلقته شيئاً آخر ليس من قبيل الماضي مثل اللحم والجلد والعظم، بل هو شيء آخر منفصل عن نشأة الطبيعة، ذلك الخلق الآخر يكون بعد اكتمال الجنين في صورة مذكر أم مؤنث، ولكن من بعد ذلك لا يدور الكلام على الذكورة والأنوثة، عند خلق المضغة عظاماً، عند كسو العظام لحماً ﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾، وعند التصوير: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء﴾5.
كان الكلام عن الذكورة والأنوثة.
عدم مادية الرجوع إلى الله
فما هو معيار القيمة منزه عن الذكورة والأنوثة. وعند الكلام عن الرجوع إلى الله، يذكر بالنفس المطمئنة. الرجوع إلى الله ليس منسوباً إلى البدن،بل يتعلق بالروح، لأنه لو كان البدن يرجع وكان الرجوع جسمياً ومادياً لأصبح المرجع ـ معاذ الله ـ أمراً مادياً، لأنه إذا اقترب البدن، فهو قرب مادي، والقرب المادي هو للشيء المادي، أما الذات التي: "أنت الداني في علوه والعالي في دنوه"6.
فإنه منزه عن القرب والبعد المادي، انه قريب لكل شخص يدعوه في كل الظروف: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾7.
انه منزه عن القرب والبعد المادي، فإذا اقترب شخص منه في الصلاة لان: "الصلاة قربان كل تقي"8.
أو يتقرب إلى الله في العبادات الأخرى، فله قرب معنوي، وهذا القرب المعنوي ليس مذكراً ولا مؤنثاً فما هو مقرب إلى الله، ليس مذكراً ولا مؤنثاً.
عندما نقرأ في القرآن الكريم إن النفس ترجع إلى الله. يتضح أنها مجردة، أو حين يأتي القلب إلى الله: ﴿إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾9.
﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾10.
ان الذي له ذهاب إلى الله، أو الشيء الذي له رجوع إلى الله، ليس له ذهاب مادي، وليس له مجيء مادي، فالذي يذهب ويقترب منزه عن المادة أيضاً.
اختلاف المدرسة الإلهية والمدرسة الإلحادية
الفرق بين المدرسة الإلهية والمدرسة الإلحادية هو أن أولئك يقولون: أن المرأة والرجل لا يختلفان، أي أن حقيقة الإنسان هي البدن، وهذا البدن صنع بنحوين، وهذان النحوان متساويان.
والمدرسة الإلهية تقول: إن كل حقيقة الإنسان هي روحه رغم أن البدن لازم وضروري، وبما أن الروح ليست مذكراً ومؤنثاً فاختلافهما سالبة بانتفاء الموضوع وليس بانتفاء المحمول.
رذائل، ليست مذكرة ولا مؤنثة
كما أن الأمراض التي هي مسائل خلاف القيم تنسب إلى القلب، تلك الأمراض المضادة للقيم، ليست مذكرة ولا مؤنثة. مثلاً قال تعالى: لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سورة الأحزاب: ﴿.. فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾11.
يستفاد من هذه الآية الكريمة أن الرجل الذي يطمع لسماع صوت المرأة غير المحرم، هو مريض، هذا المرض ليس مذكراً ولا مؤنثاً، وذلك القلب المبتلى بهذا المرض لا هو مذكر ولا مؤنث. كما قال تعالى في مسألة كتمان الشهادة في محكمة العدل في النظام الإسلامي: ﴿.. وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ..... ﴾12.
إذا كتم شخص الشهادة اللازمة في محكمة العدل ولم يؤدها فان قلبه عاصٍ، العصيان والذنب مضاد للقيم، والقلب المبتلى بالذنب، كل منهما ليس مذكراً ولا مؤنثاً، كما ان الرؤى والمعارف والمسائل الإسلامية والقلبية التي تعلم ليست مذكرة ولا مؤنثة، قال تعالى بشأن القلب الذي يرى:﴿.. وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾13.
وقال بشأن القلب الأعمى بالنسبة إلى المعارف: ﴿... فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾14.
ذلك الجاهل هو القلب، ذلك العالم هو القلب أيضاً، الشيء الذي هو مادي ليس وعاء للفكر والشيء الذي هو مجرد لا تقبل وصفاً مادياً، بناء على هذا لا هو مذكر ولا مؤنث.
الملائكة مظهر للروح
إن القرآن الكريم حين يخطِّىء كلام الوثنيين في مسألة أنوثة الملائكة، ليس بهدف أن يثبت ذكورتهم، بل من أجل أن يقول: إنهم منزهون عن الذكورة والأنوثة. وإذا عرفهم بصفة عباد مكرمون:﴿.. بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾15.
فانه يذكر هذه الأوصاف نفسها أيضاً للأولياء، أي أن موصوف هذه الصفة ليس مؤنثاً ولا مذكراً، ذلك لأن موصوفه ليس الإنسان ولا هو ملك. حقيقة الروح تلك إذا حصلت بهذه الصورة تصبح إنساناً، وإذا ظهرت بتلك الصورة تصبح ملكاً، فهي كائن مجرد غاية الأمر أن هذه الكائنات المجردة تختلف درجاتها وشؤونها الوجودية، بعضها في حد ملائكة، وبعض الملائكة أفضل وأكمل، مثل الناس الكاملين و...
الروح، تلميذ القرآن
عندما جعل الله سبحانه، القرآن الكريم منهاجاً دراسياً، وعرف نفسه معلماً، فالمعلم هو الله، والمنهاج الدراسي هو القرآن ( الرحمن * علّم القرآن ) والتلميذ الذي يتعلم القرآن هو الروح وليس البدن، الإنسان يترك هذا البدن في عالم الرؤيا وتحل له كثير من المسائل. هناك لا مذكر ولا مؤنث، طبعاً في عالم الرؤيا لأنه عالم برزخي يرافقه بدن برزخي، ولكن الذي يفهم هي الروح التي لا هي مذكر ولا مؤنث.
نتيجة البحث
إن السلامة المعنوية فضيلة والمرض المعنوي رذيلة، وموصوفهما هو القلب والروح، وهما ليسا بمذكر أو مؤنث.
ثم، كما أن بعض الموصوفات مذكرة وبعض الموصوفات مؤنثة، أي أن أبدانهما هكذا، فالذين لهم بدن مذكر يختلفون عن بعضهم، والذين لهم بدن مؤنث يختلفون كذلك أيضاً. أحياناً يختلف هذان الصنفان بلحاظ البدن وليس بلحاظ الروح. هذه هي خصائص مقطعية لا أنها تكون موصوفاً أو صفة في أصل البحث.
هذا هو طرح البحث ومصادر البحث محور البحث وموضوع البحث، وذلك أيضاً استدلال القرآن. بناء على هذا فالآيات التي تقول: المذكر أو المؤنث ـ أي سواء كان البدن من هذا الصنف أو من ذلك الصنف ـ ليس له مدخلية، هي إعلان لعدم تدخل البدن وليس إعلاناً لعدم الاختلاف، كما لو قيل للإنسان المصلي: يجب أن ترتدي لباساً للصلاة، ويجب أن يكون ذلك اللباس طاهراً وحلالاً (سواء أبيض أو أسود) أي ان الأبيض والأسود ليس دخيلاً، ولكنهما موجودان ومتساويان، ما هو دخيل هو الجامع بينهما. (أي أن الأبيض والأسود ليس له دور) بل أصل الستر هو المعتبر. فمسألة الذكورة والأنوثة لا توجد أساساً في محور الروح حتى نبحث هل لها تدخل أم لا.
الحياة الطيبة
جاء في القرآن الكريم: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾16.
أي أن هناك شيئين فقط لهما دور في الوصول إلى الحياة الطيبة، أحدهما: حسن فعلي يسمى (العمل الصالح) والآخر: حسن فاعلي يسمى (ايمان الروح)، سواء كان البدن مؤنثاً أو مذكراً. فعبارة (وهو مؤمن) تتعلق بالحسن الفاعلي، أي أن الروح يجب أن تكون مؤمنة و(عمل صالحاً) تتعلق بالحسن الفعلي، أي أن العمل يجب أن يكون صحيحاً. العمل الصحيح يصدر من العامل الصحيح، وعندما يضم هذان الحسنان إلى بعضهما يثمران حياة طيبة.
خلاصة الكلام
1 ـ بناء القرآن الكريم، أي الإسلام هو ان يتكلم حول المرأة والرجل بصورة قضية (سالبة بانتفاء الموضوع) وليس بعنوان (موجبة محصلة) ولا بعنوان (سالبة بانتفاء المحمول).
2 ـ الله تعالى أسند في القرآن الكريم التعليم والتربية إلى الروح، والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً.
3 ـ القرآن الكريم يعلمنا المسائل بثلاثة طرق: أي: طريق العلم الحسي، العلم العقلي، والعلم القلبي والشهودي، ويذكر نماذج من النساء والرجال الذين قطعوا هذه الطرق.
*جمال المرأة وجلالها، الشيخ جوادي آملي، دار الهادي، بيروت ـ لبنان، ط1 1415هـ ـ1994م، ص59ـ70.
1- الإسراء:85.
2- السجدة:10.
3- السجدة:11.
4- المؤمنون:14.
5- آل عمران:6.
6- الصحيفة السجادية، دعاء يوم عرفة.
7- البقرة:186.
8- بحار الأنوار، ج 10، ص 99.
9- الصافات:84.
10- الشعراء:89.
11- الأحزاب،:32.
12- البقرة:283.
13- التغابن:11.
14- الحج:46.
15- الأنبياء:26 ـ 27.
16- النحل:97.