تمتاز مرحلة الحكومة بخصوصية، عندما يمسك شخصٌ بالسلطة، وهي أن النظام يبتلى بالمجاملات والمداهنة والتسويات؛ وهنا تتضح قضية عدم المداهنة في حكومة أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك الدوس على المنافع الشخصية الكاذبة. أو ما يكون في نظره عليه السلام تدبيرا غير صحيح وغير سليم وغير متوافق مع الأصول الإسلامية؛ وهذا هو الدرس الذي يجدر بنا اليوم أن نتعلمه...
فمنذ اليوم الأول لحكومة أمير المؤمنين عليه السلام برزت المطالب والتوقعات؛ فالكثير من الوجوه المعروفة في الإسلام انحرفت عن أمير المؤمنين عليه السلام بسبب عدم تحقق ما كانوا ينتظرونه ويتوقعونه.
فأمثال طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وآخرين من الوجوه المعروفة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ومن الصحابة المحترمين إلا أنهم كانوا ضعفاء. أحيانًا تصبح أهواء النفس وطلباتها، في أكثر حالات الإنسان مصيرية، حائلًا بين القلب المبصر وبين العمل الذي ينبغي القيام به انطلاقًا من هذه البصيرة، ولا تسمح باتخاذ القرار المناسب والصحيح؛ لذلك كان أن تفرّقت جماعة عن أمير المؤمنين وابتعدت عنه.
لا شك لدي أبدًا أنه لا يوجد، حتى شخص واحد في عالم الإسلام اليوم، لا يلوم صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الذين ابتعدوا عن أمير المؤمنين، بسبب هذا الانحراف.
بالطبع فإن الذين لا يرون هذا الابتعاد عيبًا يقولون إن هؤلاء تابوا أو أنهم اشتبهوا؛ إلا أنه في الواقع والحقيقة لا أحد يرى هذا الأمر صحيحًا وسليمًا، لكن هذا العمل قد فعله كثيرون. لماذا؟ ]السبب[ أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يخضع للمطالب والتوقعات[1]. (1/4/1363).
لا حكم إلا لله؛ خداع ضعفاء البصيرة
إلا أن أمير المؤمنين عليه السلام كان على علم ودراية بما يقوم به. فقد كان خلال تلك الفترة، "الأربع سنوات وتسعة أشهر" من عمر حكومته القصير، قد تحرك بذلك اليقين الواعي نفسه وبذلك الصبر واليقين نفسه. وقد قال في معركة صفين أنه لا يحمل هذا العَلَم إلا أهل الصبر والبصيرة والمقاومة. أي أنه باليقين والصبر، كأداتين وجناحين، قد أدى واجبه في تلك المرحلة، وحَلَّقَ في أفق هذه السماء. ولم تتمكن أي من الأمواج التي كانت تهب على أمير المؤمنين وتضغط عليه أن تحرفه عن سبيله الذي حدّده. فكانت من جهة، مجموعة من طلاب السلطة تضغط عليه، ومن جهة أخرى كانت جماعة متحجرة جاهلة مغالية. وكما يقال في الثقافة الرائجة "أمواج من اليمين وأمواج من الشمال"؛ لم يستسلم أمير المؤمنين عليه السلام أمام أي من هذه الأمواج.
ذات يوم، أراد الخوارج أن يعطوا أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي أمضى حياته الشريفة في سبيل حكومة الله درسَ " لا حكم إلا لله "؛ لم يسلّم الإمام أمام هذا الشعار أيضًا. واجه وقاوم وسلك ذلك الطريق الذي كان فيه صلاح المسلمين الموجب لبقاء الإسلام، وقد سلكه باقتدار وصلابة وشجاعة ودون تأثر بالفضاء المصطنع، إلى أن وصل إلى أعظم أجر إلهي؛ الشهادة. (17/3/1364).
الاستقامة والبصيرة، مقتطف من كلمات سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول البصيرة والاستقامة
[1] المحسوبيات والمصالح الشخصية حسب التعبير الشائع اليوم.a