عيد الغدير في كلمات العترة الطاهرة
إضاءات إسلامية
عيد الغدير في كلمات العترة الطاهرة
عدد الزوار: 100
إنّ هذه التهنئة المشفوعة بأمر من مصدر النبوة، والمصافقة بالبيعة المذكورة مع ابتهاج النبي بها بقوله: "الحمد لله الذي فضّلنا على جميع العالمين"، على ما عرفته من نزول الآية الكريمة في هذا اليوم المشهود، الناصّة بإكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربِّ فيما وقع فيه.
وقد عرف ذلك طارق بن شهاب الكتابي الذي حضر مجلس عمر بن الخطاب، فقال: لو نزلت فينا هذه الآية [1] لاتخذنا يوم نزولها عيداً [2]، ولم ينكرها عليه أحدٌ من الحضور، وصدر من عمر ما يشبه التقرير لكلامه، وذلك بعد نزول آية التبليغ، وفيها ما يشبه التهديد إن تأخّر عن تبليغ ذلك النصّ الجلي، حذار بوادر الدهماء من الأُمة.
كلُّ هذه لا محالة قد أكسب هذا اليوم منعةً وبذخاً ورفعةً وشموخاً، سرّ موقعها صاحب الرسالة الخاتمة وأئمة الهدى ومن اقتصّ أثرهم من المؤمنين، وهذا هو الذي نعنيه من التعيّد به.
وقد نوّه به رسول الله فيما رواه فرات بن إبراهيم الكوفي في القرن الثالث، عن محمد بن ظهير، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن الإمام الصادق، عن أبيه، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمّتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ على أمّتي فيه النعمة، ورضي لهم الاسلام ديناً" [3].
كما يُعرب عنه قوله صلىاللهعليهوآله في حديث أخرجه الحافظ الخركوشي كما مرّ ص 274: "هنِّئوني هنِّئوني" [4].
واقتفى اثر النبيّ الأعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام نفسه، فاتّخذه عيداً، وخطب فيه سنة اتفق فيها الجمعة والغدير، ومن خطبته قوله:
إنّ الله عزوجل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين، ولا يقوم أحدهما إلّا بصاحبه، ليكمل عندكم جميل صنعه، ويقفكم على طريق رشده، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته، ويسلككم منهاج قصده، ويوفّر عليكم هنيء رفده، فجعل الجمعة مجمعاً ندب إليه لتطهير ما كان قبله، وغسل ما اوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله، وذكرى للمؤمنين، وتبيان خشية المتّقين، ووهب من ثواب الأعمال فيه أضعاف ما وهب لأهل طاعته في الأيّام قبله، وجعله لا يتمّ إلّا بالائتمار لما أمر به، والانتهاء عمّا نهى عنه، والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب إليه، فلا يُقبل توحيده إلّا بالاعتراف لنبيّه صلى الله عليه وآله بنبوّته، ولا يقبل ديناً إلّا بولاية من أمر بولايته، ولا تنتظم أسباب طاعته إلّا بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته، فأنزل على نبيّه صلى الله عليه وآله في يوم الدوح ما بيّن به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق، وضمن له عصمته منهم.
إلى أن قال:
عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، وبالبرّ بإخوانكم، والشكر لله عزوجل على ما منحكم، وأجمعوا يجمع الله شملكم، وتبارّوا يصل الله ألفتكم، وتهادوا نعمة الله كما منّكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله أو بعده إلّا في مثله، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه، وهيّئوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من وجودكم، وبما تناله القدرة من استطاعتكم، وأظهروا البِشر فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم. .. الخطبة [5].
وعرفه أئمّة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فسمّوه عيداً، وأمروا بذلك عامّة المسلمين، ونشروا فضل اليوم ومثوبة مَن عمل البرّ فيه:
ففي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي في سورة المائدة، عن جعفر بن محمّد الأزدي، عن محمّد بن الحسين الصائغ، عن الحسن بن علي الصيرفي، عن محمّد البزّاز، عن فرات بن أحنف، عن أبي عبد الله عليه السلام.
قال: قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد أفضل من الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟
قال: فقال لي: نعم أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو [6] اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيّه محمّد: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾.
قال قلت: وأيّ يوم هو؟
قال: فقال لي: إنّ أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصيّة والإمامة من بعده [7] ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيداً، وإنّه اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّاً للناس علماً، وأنزل فيه ما أنزل، وكمل فيه الدين، وتمّت فيه النعمة على المؤمنين.
قال: قلت: وأيّ يوم هو في السنة؟
قال: فقال لي: إنّ الأيّام تتقدَّم وتتأخّر، وربما كان يوم السبت والأحد والاثنين إلى آخر الأيام السبعة [8].
قال: قلت: فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم؟
قال: هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله وحمد له وسرور لما منّ الله به عليكم من ولايتنا، فإنّي أُحبّ لكم أن تصوموه [9].
وفي الكافي لثقة الإسلام الكليني 1: 303 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله عليهالسلام.
قال: قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين؟
قال: نعم يا حسن، أعظمهما وأشرفهما.
قلت: وأيّ يوم هو؟
قال: يوم [10] نصب أمير المؤمنين عليهالسلام علماً للناس.
قلت: جعلت فداك، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟
قال: تصوم [11] يا حسن، وتكثر الصلاة على محمد وآله، وتبرأ إلى الله ممّن ظلمهم، فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء اليوم [12] الذي كان يُقام فيه الوصيُّ أن يتّخذ عيداً.
قال: قلت: فما لمن صامه؟
قال صيام ستّين شهراً [13][14].
وفي الكافي أيضاً 1: 204 عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن ابن سالم، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل للمسلمين عيدٌ غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟
قال: نعم أعظمها حرمةً.
قلت: وأيّ عيد هو جعلت فداك؟
قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله أمير المؤمنين وقال: "مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه".قلت: وأيّ يوم هو؟
قال: وما تصنع باليوم، إنّ السنة تدور، ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة.
فقلت: ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟
قال: تذكرون الله عزّ ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمّد وآل محمّد، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى أمير المؤمنين عليه السلام أن يتّخذوا [15] ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الأنبياء تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتّخذونه عيداً [16].
عيد الغدير في الإسلام، العلامة الأميني – بتصرّف يسير
[1] يعني قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم. .." الآية، راجع: 230 ـ 238 (المؤلّف (قدس سره﴾﴾
وذكر في كتابه الغدير 1: 230 إلى 238 الأحاديث الواردة في شأن نزول هذه الآية، وأنها نزلت في شان يوم الغدير.
راجع من المصادر التي نقل عنها الأحاديث: كتاب الولاية للطبري، تفسير ابن كثير 2: 14، الدرّ المنثور 2: 259، الاتقان 1: 31، تاريخ الخطيب 8: 290، كتاب الولاية للسجستاني، المناقب للخوارزمي: 80، التذكرة لابن الجوزي: 18، فرائد السمطين: الباب الثاني عشر. .. وغيرها كثير.
[2] أخرجه الأئمة الخمسة: مسلم ومالك والبخاري والترمذي والنسائي، كما في تيسير الوصول 1: 122، ورواه الطحاوي في مشكل الآثار 3: 196، والطبري في تفسيره 6: 46، وابن كثير في تفسيره 2: 13 عن أحمد والبخاري، ورواه جمع آخر (المؤلّف (قدس سره)).
[3] رواه الشيخ الصدوق في الأمالي: 109 ح 8 عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدّثنا محمد ابن ظهير. ...
[4] راجع: رقم (11) من أرقام حديث التهنئة.
[5] ذكرها شيخ الطائفة باسناده في مصباح المتهجد: 524 (المؤلّف (قدس سره)).
راجع: مصباح المتهجد: 698.
[6] في المصدر: وهو.
[7] في المصدر: للوصي من بعده.
[8] الظاهر أن في لفظ الحديث سقطاً، ولعلّه ما سيأتي في لفظ الكليني عن الإمام نفسه من تعيينه باليوم الثامن عشر من ذي الحجة (المؤلّف (قدس سره)).
[9] تفسير فرات: 117 ح 123، ط وزارة الثقافة.
[10] في المصدر: هو يوم.
[11] في المصدر: تصومه.
[12] في المصدر: باليوم.
[13] الكافي 4: 148 ح 1 باب صيام الترغيب، ط دار الكتب الإسلامية.
[14] ستوافيك هذه المثوبة من رواية الحفّاظ باسناد رجاله كلّهم ثقات (المؤلّف (قدس سره﴾﴾.
ذكر في كتابه الغدير 1: 401 إلى 411 بحثاً حول صوم يوم الغدير، ألحقناه في آخر هذه الرسالة، فراجع.
[15] في المصدر: يتخذ.
[16] الكافي 4: 149 ح 3 باب صيام الترغيب.