بما أن القوم كانوا عاجزين عن إنكار واقعة الغدير، لجؤوا إلى تأويلات وتفسيرات متعددة لنص خطبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم، وبالخصوص العبارة التي تضمنت كلمة "مولى".
فقالوا إن المقصود منها هو النصير والمحب والصديق لعلهم بذلك يتمكنون من تحريف الحديث والوصول إلى مبتغاهم. وفيما يلي نشير إلى بعض الشواهد التي تثبت أن المقصود من "المولى" هو الإمامة والقيادة:
1- إعتراف علماء السنة
نقل مجموعة من علماء أهل السنة روايات متعددة وذكروا فيها أن المراد منها ولاية الإمام علي عليه السلام:
ألف ـ عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
ب ـ عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ قال: نزلت في علي عليه السلام، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي عليه السلام فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"[1].
2 ـ إشهاد الناس
عندما بدأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حديثه حصل على اعتراف وإقرار الناس حول ثلاثة أمور: "ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأنَّ الجنة حق والنار حق؟".
ما هو هدف هذا الاقرار والاعتراف؟ في الواقع إن هذا الاقرار يراد منه إعداد أذهان الناس لقبول المقام والموقع الذي تم إثباته للإمام علي عليه السلام كما يتم قبول تلك الأصول وليدرك الناس أن الإقرار بالولاية والخلافة للإمام عليه السلام هي في رديف الأصول الثلاثة التي يقر ويعترف بها الجميع. فلو كان المقصود من المولى الصديق والنصير لما أمكن ربط الجمل مع بعضها ولفقدت قوتها البلاغية والكلامية وذلك لسببين:
الأول: أن الإمام علي عليه السلام من دون الولاية، هو شخص مسلم عاش في ذاك المجتمع حيث لا يشك أحد في ضرورة محبة وصداقة الأشخاص المؤمنين فلا حاجة ليأتي الرسول ويؤكد عليه.
الثاني: لا يمكن أن تكون هذه المسألة هامة إلى درجة وضعها في رديف الأصول الثلاثة.
3 ـ بيعة أبو بكر وعمر
ينقل كبار مفسري ومؤرخي أهل السنة أن أبو بكر وعمر كانوا من أوائل الأشخاص الذين توجهوا إلى الإمام علي عليه السلام بعد خطبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخاطبوه قائلين: "بخ بخ يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة" أو "هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة"[2].
4 ـ حول شأن نزول آية اكمال الدين
نقل عدد كبير من مفسري ومؤرخي أهل السنة أنه بعد اعلان ولاية الإمام علي عليه السلام يوم غدير خم وتوافد الناس لبيعته كولي ووصي، نزلت آية الاكمال الشريفة (المائدة: 3).
عندما نزلت الآية الشريفة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، تحدث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "الله أكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي (ثم قال) من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله"[3].
5 ـ التعميم
أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم عمامته المعروفة باسم "السحاب" ووضعها تاج افتخار على رأس الإمام علي عليه السلام ثم وضع طرفها على كتفه وقال: "العمامة تاج العرب". يقول الإمام علي عليه السلام في هذا الخصوص: "عممني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم بعمامة فَدَلّ طرفها على منكبي وقال: إنَّ الله أيدني يوم بدر وحنين بملائكة معتمين بهذه العمامة"[4].
6 ـ المعجزة والتأييد الإلهي
جاء في الاخبار أن الحارث الفهري وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اثني عشر رجلاً حيث سأل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أحمد أمرتنا بالصلاة والزكاة أفمنك كان هذا أم من ربك يا محمد؟... فأمرتنا بحب علي بن أبي طالب عليه السلام زعمت أنه منك كهارون من موسى... أهذا سبق من السماء أم كان منك يا محمد؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بلى سبق من السماء ثم كان مني...".
عند ذلك نهض الحارث ومن معه وقال: اللهم إن كان محمد صادقاً في مقالته فارم علينا بشوظ من نار. وقيل إن صاعقة نزلت به وبأصحابه من السماء. وفي هذا الشأن نزلت الآية الشريفة: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾[5] وقد ساهمت هذه المعجزة في وجود حالة من اليقين عند الجميع بأن مسألة الغدير تعود إلى مصدر الوحي وهي أمر إلهي[6].
7 ـ ظروف اعلان الحديث
لو كان المقصود من حديث الغدير الاعلان عن مراتب ودرجات محبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فليس من الضروري أن يقف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ذاك الجو الملتهب ليجمع القوافل تحت أشعة الشمس المحرقة، مع العلم أن القرآن الكريم قد صرح بأن ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[7]، وهذا يعني أن الإخوة والمحبة تربط أفراد المجتمع المسلم، وعلي عليه السلام هو أحد أفراد هذا المجتمع، فلا حاجة ليقوم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالاعلان عن أمر معروف وواضح وقد تحدث به القرآن الكريم.
أكبر أسد عليزاده - بتصرّف
[1] يعتقد العديد من علماء أهل السنة أن آية التبليغ نزلت يوم غدير خم للاعلان عن ولاية الإمام علي عليه السلام:
جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي، تفير الدرّ المنثور في التّفسير بالمأثور، (بيروت، المكتبة الشعبيّة)، ج2، ص327، ذيل الآية الشريفة، فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن، تفسير مفاتيح الغيب، ج12، ص49، ذيل الآية الشريفة، رشيد رضا الوهابي مذهباً، تفسير المنار (بيروت، دار المعرفة، الطبعة الثانية)، ج6، ص463، ذيل الآية الشريفة، القاضي محمد بن علي الشوكاني اليمانيّ، تفسير فتح القدير، ج3، ذيل الآية الشريفة، سيد محمود بن عبد الله الآلوسي البغدادي، تفسير روح المعاني، ج2، ذيل الآية الشريفة، حافظ بن عساكر الشافعي، تاريخ الدمشق، شرح حال أمير المؤمنين، ج2، ص84، ح589، شيخ أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، أسباب النزول (بيروت، دار التب العلمية، 1400هـ.ق)، ص135، غياث الدين بن همام الدين الحسيني المشتهر به خوان مير، حبيب السّير، طهران، مطبعة الحيدري، ج2، ص12، شيخ سليمان قندوزي حنفي، ينابيه المودة، بيروت، (مؤسسة الأعلمي للمطبوعات)، ج1، ص119، باب 39، حافظ أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني، شواهد التنويل، حققه وعلق عليه الشيخ محمد باقر المحمودي، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1393،ج1، ص187، أحاديث شماره 243، 244، 245، 247، 248، 192، حافظ أحمد بن عبد الرحمان أبي بكر الفارسي الشيرازي، ما نزل القرآن في علي عليه السلام، ص68، بدر الدين محمود الشهير بابن العيني الحنفي، عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري، ج8، ص584.
[2] حافظ بن عساكر الشافعي، تاريخ دمشق، شرح حال أمير المؤمنين عليه السلام، ج2، ص52 ـ 47 وص 78 ـ 76، أحاديث شماره 548، 549، 550، 551، 552، 579،580، فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين، التفسير الكبير، ج12، ص49، ذيل آية "التبليغ" (مائدة/67)، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، ج5، ص212، شيخ سليمان قندوزي حنفي، ينابيع المودة، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ج1، ص28 و29، صدر الدين الحمويني الشافعي، فرائد السمطين، ج1، ص77، باب 13، ح44، وص70، باب 12، ح38، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المسند، ج4، ص281، حافظ عبد الرحمان بن علي بن محمد أبي الخرج ابن الجوزيّ، المناقب، أبي الفريد الموفّق بن أحمد خطيب خوارزمي، المناقب، ص94، أبي الحسن علي بن محمد الخلائيّ المعروف به "ابن المغازلي الشافعي"، المناقب، ص18 و24، جلال الدين السيوطي الشافعي، الحاوي للفتاوى، ج1، ص122، محب الدين أبو جعفر أحمد بن عبد الله الأذرعيّ، بديع المعاني، ص75، أبى القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني، شواهد التنزيل، ج1، ص156، ح213، الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج8، ص290، ابن حجر العسقلاني، الصواعق المحرقة، ص26، المتقي الهندي، كنز العمال، ج6، ص397، شيخ محمد حبيب الله بن عبد الله الشنقيطيّ المدنيّ المالكي، كفاية الطالب لمناقب علي بن أبي طالب، ص28، جمال الدين محمد الزرندي، درر السمطين في مناقب السبطين، ص109، أبي المظفّر يوسف بن قزاوغلي بن عبد الله البغدادي شمس الدين الملقب به سبط ابن الجوزي الحنبلي ثم الحنفي، تذكرة الخواص، بيروت، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، 1401هـ.ق، ص37، أبي حامد محمد الغزالي، سرّ العالمين، وكشف ما في الدارين، ص21، أبي عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي، شرح المواهب اللدنيّة، ج7، ص13، محمد رشيد رضا، تفسير المنار، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الثانية، ج6، ص465، ذيل الآية الشريفة "تبليغ، مائدة:71"، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، السيرة النبوية، ج4، ص417.
[3] حافظ حسكاني، شواهد التنزيل، ج1، ص157، حديث 211، محمد الحمويني، فرائد السمطين، ج1، ص74، ذيل الآية الشريفة، البداية والنهاية، ج7، ص347 وصفحات بعد از آن، حافظ بن عساكر الشافعي، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من مدينة الدمشق، ج2، ص85، ح588، ابن المغازلي الشافعي،المناقب، ص19، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص35، الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج8، ص290، ابن الجوزي الحنفي، تذكرة الخواص، ص37، السيوطي الشافعي، تفسير در المنثور، بيروت، المكتبة الشيعية، ج2، ص251، ذيل الآية الشريفة، شيخ سليمان قندوزي، ينابيع المودة، چاپ يك جلدي، ص115، الخوارزمي الحنفي، المناقب، ص80، الآلوسي، تفسير روح المعاني، ج6، ذيل الآية الشريفة، الثعلبي، تفسير الكشف والبيان، ذيل الآية الشريفة، عبد الله الحنفي، أرجح المطالب، ص568، الخوارزمي الحنفي، المقتل الحسين، قم، منشورات مكتبة المفيد، ج1، ص47، عبد الله الشافعي، المناقب، ص106.
[4] محمد الجويني، فرائد السمطين، ج1، ص76، الباب 12، الأحاديث رقم 41، 42، 43.
وقد نقل الجويني، وآية أخرى: عن جعفر بن محمد قال: "حدثني أبي، عن جدي أن رسول الله صلى الله عمم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله عمامته السحاب فأرخاها من بين يديه ومن خلفه ثم قال: أقبل، فأقبل ثم قال له أدبر فقال: هكذا جاءتني الملائكة.
[5] سورة المعارج، الآيتان: 1 ـ2.
[6] نقل العديد من علماء السنة هذه الرواية، وفيما يلي نشير إلى بعض المصادر: أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار احياء التراث العربي، 1405، ج18، ص278، ذيل الآية الشريفة، سبط بن الجوزي، تذكرة الخواص، ص37، شواهد التنزيل، ج2، ص286، ح1030، جمال الدين محمد الزرندي الحنفي، نظم درر السمطين، طهران، مكتبة نينوى الحديثة، ص93، أبي السعود محمد بن محمد العمادي، تفسير أبي السعود، بيروت، دار احياء التراث العربي، ج8، ص29، أول تفسير سورة معارج، المناوي، فيض القدير، شرح الجامع الصغير، بيروت، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1391هـ.ق، ج6، ص218، در تفسير حديث 9000، السيرة الحلبيّة، ج3، ص337، نور الأبصار، ص78، اشبلنجي، شيخ سليمان قندوزي، ينابيع المودة، بيروت، مؤسسة الأعلمي المطبوعات، ج2، ص99، باب58.
[7] سورة الحجرات، الآية: 10.