نظم الأمر مرساة التوازن والصلاح في الحياة
إضاءات إسلامية
نظم الأمر مرساة التوازن والصلاح في الحياة
عدد الزوار: 99
أوصى الإسلام بنظم الأمور في مختلف جوانب الحياة الإنسانيّة، بأبعادها الفرديّة والاجتماعيّة. ويتجلّى الالتزام بالنظام والانضباط، من خلال التربية والالتزام بتعاليم الإسلام التي جاءت لتنظيم الحياة الإنسانيّة وتأمين السعادة للمجتمع البشري كلّه، وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته، حيث قرن التقوى، الّتي تعبّر عن أعلى مراتب الإيمان، بنظم الأمر، فلا يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً تقيّاً دون أن يربّي نفسه على الالتزام بالحقوق والواجبات تجاه الله والناس، وإلّا لابتلي بالنفاق والكذب.
أوّلاً: النظم في الحياة الشخصيّة
وتشتمل الحياة الشخصيّة للإنسان على النظافة والصحّة وترتيب اللباس...
أ- التجمّل للإخوان
كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كلّما أراد الخروج إلى المسجد أو إلى لقاء أصحابه ينظر في المرآة ويرتّب شعره ويتعطَّر، وكان يقول: "إنّ الله يحبُّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيَّأ لهم ويتجمَّل"[1].
ب- النظافة
رعاية الطهارة والنظافة، فعن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "من أخلاق الأنبياء التنظّف والتطيّب"[2].
ج. تسريح الشعر والسواك
اهتمّ الإسلام بالمظهر الخارجيّ للإنسان، فأمر بترتيب اللباس وعدم إطالة الشعر وقصّ الأظافر والاستياك...
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "استأصل شعرك يقلّ درنه ودوابّه ووسخه وتغلظ رقبتك ويجلو بصرك"[3]، وعن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾: "من ذلك التمشيط عند كلّ صلاة"[4].
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من أخلاق الأنبياء، السواك"[5].
د. الزينة و اللباس الحسن
"كان أبو عبد الله عليه السلام متّكئاً عليَّ، فلقيه عبّاد بن كثير - وكان من الزهّاد المرائين -، وعليه ثياب مرويّة حِسَان، فقال: يا أبا عبد الله، إنّك من أهل بيت النبوّة... فما لهذه الثياب المزيَّنة عليك؟! فلو لبست دون هذه الثياب، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: "ويلك يا عبّاد! مَنْ حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق؟! إنّ الله عزّ وجلّ إذ أنعم على عبد نعمة، أحبَّ أن يراها عليه"[6].
وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كلّما أراد الخروج إلى المسجد أو إلى لقاء أصحابه ينظر في المرآة ويرتِّب شعره ويتعطَّر، وكان يقول: "إنّ الله يحبُّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيَّأ لهم ويتجمَّل"[7].
ثانياً: النظم في العلاقات الاجتماعيّة
أ. المسؤوليّة الاجتماعيّة
المسلم مسؤول عن إصلاح نفسه وأفراد مجتمعه وتحصينهما، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾
ومن الإصلاح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ النظام العامّ، والمساهمة والحضور الاجتماعيّ.
ب- المسؤوليّة العائليّة
- الآباء تجاه الأبناء
من نواحٍ مختلفة، جسديّة، نفسيّة، إيمانيّة...
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[8].
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته"[9].
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ما من مولود يولد إلّا على الفطرة، فأبواه اللذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه"[10].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "علّموا صبيانكمما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها"[11].
- الأبناء تجاه آبائهم
قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[12]، وقال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانً﴾.
- الزوجان، تجاه بعضهما
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة، حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها، إلّا من فاحشة مبيّنة"[13].
وفي جوابه صلى الله عليه وآله وسلم عن سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال: "حقّك عليه أن يطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك"[14].
وفي مسؤوليّة الزوجة، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "خير نسائكم الخَمْس[15]"، قيل: يا أمير المؤمنين، وما الخمس؟ قال: "الهيّنة، الليّنة، المؤاتية، الّتي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتّى يرضى، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمّال الله، وعامل الله لا يخيب"(163).
- تجاه الأرحام والأصدقاء والجيران
قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾[16].
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما زال جبرائيل يوصيني بالجار، حتّى ظننت أنّه سيورِّثه"[17].
ج. تنظيم الوقت
إنّ الاستفادة الصحيحة من الوقت هي من أهمِّ الأمور التي توجب نجاح الإنسان في أموره الاجتماعيّة، فالانضباط والعمل موجب للاستفادة من طاقة الإنسان واستثمار النتائج.
عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، ساعة لأمر المعاش، ساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرِّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، ساعة تختلون فيها للذَّاتكم في غير محرَّم"[18].
ثالثاً: مراعاة العهود والوعود
من الموارد التي لا بدَّ فيها من الانضباط، الالتزام بالعهود والدقّة في الوعود، ففي الدَيْن مثلاً أخذاً وعطاءً لا بدَّ من كتابة وثيقة دفعاً لأيّ خلاف أو نزاع، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾[19]، ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾[20]، ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُول﴾[21].
والوفاء بالعهد من لوازم الإيمان بيوم القيامة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليفِ إذا وعد"[22].
وإنّ رعاية توجب المحبّة والثقة، فعن أحد أصحاب الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: كنت مع الرضا في بعض الحاجة، فأردت أن انصرف إلى منزلي، فقال لي: "انصرف معي، فبَتْ عندي الليلة"، فانطلقت معه، فدخل داره مع المغيب، فنظر إلى غلمانه يعملون بالطين أواري الدواب أو غير ذلك، وإذا معهم أسود ليس منهم، فقال: "ما هذا الرجل معكم؟"، قالوا: يعاوننا ونعطيه شيئاً، قال: "قاطعتموه على أجرته؟"، فقالوا: لا، هو يرضى بما نعطيه، فغضب الإمام، وقال لصاحبه: "إنّي قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرّة، أن يعمل معهم أحد حتّى يقاطعوه أجرته! اعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة، ثمّ زدته لذا الشيء ثلاثة أضعاف أجرته، إلّا ظنَّ أنّك قد نقصته أجرته، وإذا قاطعته، ثمّ أعطيته أجرته، حمدك على الوفاء، فإنْ زدته حبّة عرف ذلك ورأى أنّك زدته"[23].
رابعاً: النظم في العبادة
أ- مراعاة النظم والانضباط
وذلك بأداء كلّ عبادة في أوَّل وقتها:
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تفرّغوا لطاعة الله وعبادته، قبل أن ينزل بكم من البلاء ما يشغلكم عن العبادة"[24].
وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "اعلم أنّ أوّل الوقت أبداً أفضل؛ فعجّل بالخير ما استطعت، وأحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ ما داوم العبد عليه، وإنْ قلّ"[25].
ب- رعاية الاعتدال وعدم الإفراط
فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "خَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ وارْفُقْ بِهَا، ولَا تَقْهَرْهَا، وخُذْ عَفْوَهَا ونَشَاطَهَا، إِلَّا مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، فَإِنَّه لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وتَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا"[26].
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لا تكرِّهوا إلى أنفسكم العبادة"[27].
ج- عدم الإفراط
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ من أبغض الرجال إلى الله تعالى، لَعبداً وكله الله إلى نفسه، جائراً عن قصد السبيل، سائراً بغير دليل، إن دُعي إلى حرث الدنيا عمل، وإن دُعي إلى حرث الآخرة كسل"[28].
خامساً: الانضباط في المصروف
لا بدّ للمسلم من رعاية الوسطيّة في اللباس والطعام وسائر مستلزمات الحياة، وفي الاستفادة من الأموال العامّة.
أ. عدم التبذير والإسراف
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورً﴾[29].
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "السرف أمر يبغضه الله، حتّى طرحك النواة، فإنّها تصلح لشيء"[30].
ب- عدم البخل
فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "البخل جامع لمساوئ العيوب، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء"[31].
ج- عدم الكسل والتواني
فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لا تكسل في معيشتك، فتكون كَلّاً على غيرك"[32].
وعنه عليه السلام أيضاً: "ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر"[33].
كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أصحابه حول مصرف بيت المال، فقال: "أدِقّوا أقلامكم، وقاربوا بين سطوركم، واحذفوا عنّي فضولكم، واقصدوا قصد المعاني، إيّاكم والإكثار! فإنّ أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار"[34].
الإنسان والمجتمع، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص421.
[2] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص35.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص567.
[4] المصدر نفسه، ج6، ص484.
[5] سورة الأعراف، الآية 31.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص489.
[7] المصدر نفسه، ج6، ص462.
[8] المصدر نفسه، ج3، ص348
[9] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج5، ص11.
[10] سورة الحجرات، الآية 10.
[11] سورة التحريم، الآية 6.
[12] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص38.
[13] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص49.
[14] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص614.
[15] سورة العنكبوت، الآية 8.
[16] سورة الإسراء، الآية 23.
[17] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص512.
[18] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص218.
[19] أي ذات الخمس من الصفات.
[20] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص325.
[21] سورة النساء، الآية 36.
[22] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص52.
[23] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص481
[24] سورة البقرة، الآية 282.
[25] سورة البقرة، الآية 283.
[26] سورة الإسراء، الآية 34.
[27] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص364.
[28] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج49، ص106.
[29] ورّام بن أبي فراس المالكيّ الأشتريّ، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1368ش، ط2، ص439.
[30] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص247.
[31] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص460.
[32] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص86.
[33] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص149.
[34] سورة الإسراء، الآية 27.