هل هناك اختلاف عقلي بين المرأة والرجل
المجتمع الإسلامي
أما بيان السند فهو أن العقل في الإسلام هو معيار الكمال الإنساني، أي أنه كلما كان شخص أعقل فهو أقرب إلى الكمال الإنساني وأكثر قرباً عند الله، وكلما كان شخص أبعد عن العقل فهو أقل استفادة من الكمال الإنساني وأكثر حرماناً من مقام القرب الإلهي...
عدد الزوار: 103
يقال أحياناً: إن جانب عقل الرجل هو أكثر من عقل المرأة، والتجارب الماضية والحالية مؤيدة لهذه المسألة. وقد ذكر المرحوم العلامة الطباطبائي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ هذا الموضوع في تفسير الميزان وذكر أن العقل الذي هو في الرجل أكثر من المرأة هو فضيلة زائدة وليس معيار فضل.
أما بيان السند فهو أن العقل في الإسلام هو معيار الكمال الإنساني، أي أنه كلما كان شخص أعقل فهو أقرب إلى الكمال الإنساني وأكثر قرباً عند الله، وكلما كان شخص أبعد عن العقل فهو أقل استفادة من الكمال الإنساني وأكثر حرماناً من مقام القرب الإلهي، ولكن تقع أحياناً مغالطة من أثر الاشتراك اللفظي الموجود، ويستدل على أن الرجال أقرب إلى الله من النساء بأن معيار الاختلاف ومعيار الكمال الإنساني هو العقل، وهذا العقل عند الرجل أكثر من المرأة، في حين أن هذا الاستدلال ليس كاملاً، بل إنه مغالطة تقع من أثر اشتراك اللفظ.
نظراً لأن العقل يطلق على معاني متنوعة بصورة اشتراك، لذا يجب أولاً أن يتضح أي عقل هو معيار الكمال الإنساني والقرب الإلهي، وثانياً أي عقل تختلف فيه المرأة والرجل عن بعضهما.
دفع مغالطة
منشأ هذه المغالطة هو أن الحد الوسط في هذا القياس لم يتكرر، وعندما لا يتكرر الحد الوسط في القياس لا يكون القياس منتجاً، ورغم أن لفظ العقل يتكرر في الحد الوسط ظاهراً، ولكن ذلك المعنى والمقصود في المقدمتين مختلف، أي رغم أنه يقال: إن الرجل والمرأة يختلفان في العقل، والعقل هو معيار القرب إلى الله، وكل من كان عقله أكثر فهو أقرب إلى الله، ولكن العقل الذي يذكر في المقدمة الثانية هو غير العقل الذي ورد في المقدمة الأولى، بعبارة أخرى إن العقل الذي يختلف فيه الرجل والمرأة هو غير العقل الذي هو سبب التقرب إلى الله.
إذاً يجب أن نفصل هذين المعنيين للعقل عن بعضهما، وحينئذ لا يتكرر الحد الأوسط، فلا يمكن أبداً ترتيب قياس يستنتج منه فضيلة الرجل على المرأة، لأن العقل الذي يختلف بين المرأة والرجل هي العقول الاجتماعية، أي في كيفية الإدارة، في المسائل السياسية، الاقتصادية، العلمية، التجريبية، الرياضية، وعلى فرض انه ثبت أن عقل الرجل هو أكثر من عقل المرأة في هذا النوع من العلوم والمسائل التنفيذية ـ (وإثبات هذه المسألة ليس أمراً سهلاً) ـ فهل أن العقل الذي هو سبب التقرب إلى الله هو هذا العقل الذي هو موضع ميزة بين المرأة والرجل؟ هل يمكن القول إن كل شخص يفهم أفضل في مسائل الفيزياء، والطب، والمسائل الرياضية وأمثال ذلك هو أقرب إلى الله؟ هل أن هذا العقل هو سبب التقرب أم أن العقل الذي (عبد به الرحمن واكتسب به الجنان) هو سبب التقرب؟
إن العقل الذي هو سبب تقرب إلى الله، (وكل إنسان لديه استفادة أكثر من ذلك العقل يكون أقرب إلى الله وله في القيامة نصيب أكثر وأفضل) ذلك العقل هو الذي ذكر في هذه الرواية المعروفة بوصفه وسيلة عبادة وكسب الجنة.
ذلك العقل هو الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشأن تسميته بهذا الاسم أن الإنسان العاقل يعقل بواسطة تلك القوة الغرائز والميول ـ العقال هو حبل تربط به ركبة البعير الهائج حتى لا يرفس ولا يذهب خارج المكان. إن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل لم يعقل ناقته ودخل المسجد فأخذوا تلك الناقة: "اعقلها وتوكل"1.
ليسى بمعنى أن يتعقل ثم يتوكل، بل يعني اعقل وتوكل، أي إحفظ هذه الوسائل العادية، وتوكل على الله في تلك الوسائل التي هي خارج استطاعتك. "اعقلها وتوكل" طبق تلك الرواية الأخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن العقل يسمى عقلاً لأنه يمنع الميول والغرائز ويعقل ركبة الجهل والشهوة المحرمة.
في هذا العقال كلما استطاع الإنسان أن يربط هذه الغرائز بشكل أفضل وأكثر يصبح أكمل، ومعنى ربط الغرائز هو توازنها لا تعطيلها. بناء على هذا فان ما يؤدي إلى التقرب إلى الله، هو العقل الذي (يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان) والعقل الذي يمكن أن يكون لدى الرجل أكثر من المرأة هو عقل العلوم وعقل السياسة وعقل الأعمال التنفيذية. وإذا كان شخص اعقل في المسائل السياسية أو في سائر المسائل التنفيذية، فهذا ليس دليلاً على أنه أقرب إلى الله، ولعل ذكاءه السياسي أو ذكاءه العلمي هذا يجره إلى جهنم، وقد يكون الرجل أفهم من المرأة في العلوم التنفيذية، ولكن ليس لديه استطاعة عقال غرائزه.
بناء على هذا، إذا كان لشخص فكر أفضل في المسائل العلمية أو في المسائل السياسية والتفيذية فهذا ليس دليلاً على التقرب إلى الله، الشخص الذي يستطيع أن يكبح جماح هذه الغرائز أفضل من غيره والذي يوازن هذه الميول ويكسب الجنة، فهو أعقل.
عندما اتضح أن العقل يطلق على عدة معان، عند ذلك يتضح ان الحد الوسط لم يتكرر في هذه الاستدلالات والقياسات. وإذا كانت المقدمة الأولى هي أن نقول أن الشخص الفلاني أكمل من الآخرين في العقل بمعنى (ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان)، عند ذلك تكون المقدمة الثانية التي هي كبرى القياس هكذا: أن كل شخص كان أكمل في العقل بمعنى (ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان) فهو أقرب إلى الله وهذا قياس منطقي وصحيح.
ولكن إذا قلنا أن الشخص الفلاني اعقل في المسائل الرياضية، الفلسفة، الفقه، أو الفيزياء، ثم نقول: أن كل من هو اعقل هو أقرب إلى الله، هنا لم يتكرر الحد الوسط، لأنه في الكبرى حيث نقول أن كل من هو اعقل، أي كل من كانت تلك الجنبة النورانية (ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان) فيه أقوى هو أقرب إلى الله، وليس كل من كان أفقه أو أفهم في الفلسفة، لأنه يمكن أن يكون الشخص أقوى في المسائل العقلية، ولكن حين العمل ينحرف عندما تصل يده ورجله إلى الذنب، عندما لم يتكرر الحد الوسط فهذا القياس يصبح مغالطة بدون نتيجة.
إذا أراد شخص أن يدعي أن عقل الرجل في تلك الجنبة (يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان) هو أقوى من المرأة فليس بمقدوره إثباته أبداً، لأنه لا التجربة تدل على ذلك ولا البرهان يؤيده. فالمرأة إن لم تكن بمستوى الرجل من حيث المسائل الفكرية، فهي من حيث المسائل القلبية إما بمستوى الرجل أو أقوى منه، أي أن الموعظة تؤثر في المرأة أكثر من الرجل، لو جلست عدة نساء وعدة رجال واستمعوا إلى موعظة نبي لأثرت موعظة النبي في النساء أكثر من الرجال، لأن طريق القلب، طريق الجذب، طريق الانعطاف، طريق القبول، طريق الموعظة يكون في النساء أقوى منه في الرجال، لأن الطريق إلى الجنة ليس الفكر والبرهان فقط، بل هناك القلب والموعظة أيضاً، وإذا لم تكن النساء أقوى من الرجل في قبول الموعظة فعلى الأقل هن بمستوى الرجال. فلا يمكن القول: أن عقل الرجل أكثر من عقل المرأة، لأن العقل الذي هو بمعنى (ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان) ليس أقوى في الرجل أبداً.
ذكر المرحوم العلامة الطباطبائي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في تفسير الميزان ضمن قبول هذه المسألة ـ بنحو الغلبة، وليس بنحو دائم ـ انه إذا كان عقل الرجل كثيراً في المسائل العلمية، فهذه فضيلة زائدة وليست بمعنى فضل وكمال مثل حديث الثلاثة المعروف.
"إنما العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل"2.
أي أن الزائد على هذه الفروع الثلاثة هو فضيلة إذا كانت لدى شخص فهي فضيلة زائدة وإذا لم تكن لديه لا يتضرر لأنه: "ذاك علم لا يضرّ من جهله"3.
أي أنه إذا كان هناك فرق فهو في مجموعة من المسائل التي لا تضر ولا تنفع، لأن الإنسان له سير أبدي، وهذا السير الأبدي، والحياة الأبدية لها ممر للدخول هو عمر الإنسان في الدنيا، وعندما يدخل نشأة أخرى فإن مثل هذه المسائل الاعتبارية والذكاء السياسي أو التنفيذي ليس له وزن. الإنسان يستفيد من تلك الأداة الفكرية ما دام في الدنيا وعندما يدخل إلى عالم البرزخ عند ذلك تنتفي هذه العلوم بل إن هذه العلوم الحصولية تتبدل إلى علوم شهودية.....
معيار الأفضلية
الخلاصة انه إذا كان هناك فرق بين المرأة والرجل من الناحية العقلية ففي العقل بمعنى كونه أداة القيام بأعمال الدنيا، أي العقل الذي يستطيع الإنسان به تهيئة العلوم الحوزوية والجامعية حتى تدور عجلة الدنيا، لذا لا تعثرون في أي مكان على شخص يقول إن الأعلم هو أقرب إلى الله، ولكن يقولون: إن الأتقى هو أقرب إلى الله. لو كان هناك مرجعان أحدهما أعلم أو أفقه أو أعرف أو أحكم والآخر أقل منه، ففي كل هذه الفروع ليس الأفضل أقرب إلى الله، فالأفضل في الفقه والأصول، والأفضل في الفلسفة والعرفان، والأفضل في السياسة والأفضل في الأعمال التنفيذية الأخرى، أي من هذه ليس دليلاً على التقرب إلى الله، أما الشخص الذي يصبح أتقى فهو أقرب إلى الله. وهذه التقوى تعود إلى العقل العملي.
*جمال المرأة وجلالها،الشيخ جوادي آملي،دار الهادي،بيروت ـ لبنان،ط1 1415هـ ـ1994م،ص261ـ270.
أما بيان السند فهو أن العقل في الإسلام هو معيار الكمال الإنساني، أي أنه كلما كان شخص أعقل فهو أقرب إلى الكمال الإنساني وأكثر قرباً عند الله، وكلما كان شخص أبعد عن العقل فهو أقل استفادة من الكمال الإنساني وأكثر حرماناً من مقام القرب الإلهي، ولكن تقع أحياناً مغالطة من أثر الاشتراك اللفظي الموجود، ويستدل على أن الرجال أقرب إلى الله من النساء بأن معيار الاختلاف ومعيار الكمال الإنساني هو العقل، وهذا العقل عند الرجل أكثر من المرأة، في حين أن هذا الاستدلال ليس كاملاً، بل إنه مغالطة تقع من أثر اشتراك اللفظ.
نظراً لأن العقل يطلق على معاني متنوعة بصورة اشتراك، لذا يجب أولاً أن يتضح أي عقل هو معيار الكمال الإنساني والقرب الإلهي، وثانياً أي عقل تختلف فيه المرأة والرجل عن بعضهما.
دفع مغالطة
منشأ هذه المغالطة هو أن الحد الوسط في هذا القياس لم يتكرر، وعندما لا يتكرر الحد الوسط في القياس لا يكون القياس منتجاً، ورغم أن لفظ العقل يتكرر في الحد الوسط ظاهراً، ولكن ذلك المعنى والمقصود في المقدمتين مختلف، أي رغم أنه يقال: إن الرجل والمرأة يختلفان في العقل، والعقل هو معيار القرب إلى الله، وكل من كان عقله أكثر فهو أقرب إلى الله، ولكن العقل الذي يذكر في المقدمة الثانية هو غير العقل الذي ورد في المقدمة الأولى، بعبارة أخرى إن العقل الذي يختلف فيه الرجل والمرأة هو غير العقل الذي هو سبب التقرب إلى الله.
إذاً يجب أن نفصل هذين المعنيين للعقل عن بعضهما، وحينئذ لا يتكرر الحد الأوسط، فلا يمكن أبداً ترتيب قياس يستنتج منه فضيلة الرجل على المرأة، لأن العقل الذي يختلف بين المرأة والرجل هي العقول الاجتماعية، أي في كيفية الإدارة، في المسائل السياسية، الاقتصادية، العلمية، التجريبية، الرياضية، وعلى فرض انه ثبت أن عقل الرجل هو أكثر من عقل المرأة في هذا النوع من العلوم والمسائل التنفيذية ـ (وإثبات هذه المسألة ليس أمراً سهلاً) ـ فهل أن العقل الذي هو سبب التقرب إلى الله هو هذا العقل الذي هو موضع ميزة بين المرأة والرجل؟ هل يمكن القول إن كل شخص يفهم أفضل في مسائل الفيزياء، والطب، والمسائل الرياضية وأمثال ذلك هو أقرب إلى الله؟ هل أن هذا العقل هو سبب التقرب أم أن العقل الذي (عبد به الرحمن واكتسب به الجنان) هو سبب التقرب؟
إن العقل الذي هو سبب تقرب إلى الله، (وكل إنسان لديه استفادة أكثر من ذلك العقل يكون أقرب إلى الله وله في القيامة نصيب أكثر وأفضل) ذلك العقل هو الذي ذكر في هذه الرواية المعروفة بوصفه وسيلة عبادة وكسب الجنة.
ذلك العقل هو الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشأن تسميته بهذا الاسم أن الإنسان العاقل يعقل بواسطة تلك القوة الغرائز والميول ـ العقال هو حبل تربط به ركبة البعير الهائج حتى لا يرفس ولا يذهب خارج المكان. إن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل لم يعقل ناقته ودخل المسجد فأخذوا تلك الناقة: "اعقلها وتوكل"1.
ليسى بمعنى أن يتعقل ثم يتوكل، بل يعني اعقل وتوكل، أي إحفظ هذه الوسائل العادية، وتوكل على الله في تلك الوسائل التي هي خارج استطاعتك. "اعقلها وتوكل" طبق تلك الرواية الأخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن العقل يسمى عقلاً لأنه يمنع الميول والغرائز ويعقل ركبة الجهل والشهوة المحرمة.
في هذا العقال كلما استطاع الإنسان أن يربط هذه الغرائز بشكل أفضل وأكثر يصبح أكمل، ومعنى ربط الغرائز هو توازنها لا تعطيلها. بناء على هذا فان ما يؤدي إلى التقرب إلى الله، هو العقل الذي (يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان) والعقل الذي يمكن أن يكون لدى الرجل أكثر من المرأة هو عقل العلوم وعقل السياسة وعقل الأعمال التنفيذية. وإذا كان شخص اعقل في المسائل السياسية أو في سائر المسائل التنفيذية، فهذا ليس دليلاً على أنه أقرب إلى الله، ولعل ذكاءه السياسي أو ذكاءه العلمي هذا يجره إلى جهنم، وقد يكون الرجل أفهم من المرأة في العلوم التنفيذية، ولكن ليس لديه استطاعة عقال غرائزه.
بناء على هذا، إذا كان لشخص فكر أفضل في المسائل العلمية أو في المسائل السياسية والتفيذية فهذا ليس دليلاً على التقرب إلى الله، الشخص الذي يستطيع أن يكبح جماح هذه الغرائز أفضل من غيره والذي يوازن هذه الميول ويكسب الجنة، فهو أعقل.
عندما اتضح أن العقل يطلق على عدة معان، عند ذلك يتضح ان الحد الوسط لم يتكرر في هذه الاستدلالات والقياسات. وإذا كانت المقدمة الأولى هي أن نقول أن الشخص الفلاني أكمل من الآخرين في العقل بمعنى (ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان)، عند ذلك تكون المقدمة الثانية التي هي كبرى القياس هكذا: أن كل شخص كان أكمل في العقل بمعنى (ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان) فهو أقرب إلى الله وهذا قياس منطقي وصحيح.
ولكن إذا قلنا أن الشخص الفلاني اعقل في المسائل الرياضية، الفلسفة، الفقه، أو الفيزياء، ثم نقول: أن كل من هو اعقل هو أقرب إلى الله، هنا لم يتكرر الحد الوسط، لأنه في الكبرى حيث نقول أن كل من هو اعقل، أي كل من كانت تلك الجنبة النورانية (ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان) فيه أقوى هو أقرب إلى الله، وليس كل من كان أفقه أو أفهم في الفلسفة، لأنه يمكن أن يكون الشخص أقوى في المسائل العقلية، ولكن حين العمل ينحرف عندما تصل يده ورجله إلى الذنب، عندما لم يتكرر الحد الوسط فهذا القياس يصبح مغالطة بدون نتيجة.
إذا أراد شخص أن يدعي أن عقل الرجل في تلك الجنبة (يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان) هو أقوى من المرأة فليس بمقدوره إثباته أبداً، لأنه لا التجربة تدل على ذلك ولا البرهان يؤيده. فالمرأة إن لم تكن بمستوى الرجل من حيث المسائل الفكرية، فهي من حيث المسائل القلبية إما بمستوى الرجل أو أقوى منه، أي أن الموعظة تؤثر في المرأة أكثر من الرجل، لو جلست عدة نساء وعدة رجال واستمعوا إلى موعظة نبي لأثرت موعظة النبي في النساء أكثر من الرجال، لأن طريق القلب، طريق الجذب، طريق الانعطاف، طريق القبول، طريق الموعظة يكون في النساء أقوى منه في الرجال، لأن الطريق إلى الجنة ليس الفكر والبرهان فقط، بل هناك القلب والموعظة أيضاً، وإذا لم تكن النساء أقوى من الرجل في قبول الموعظة فعلى الأقل هن بمستوى الرجال. فلا يمكن القول: أن عقل الرجل أكثر من عقل المرأة، لأن العقل الذي هو بمعنى (ما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان) ليس أقوى في الرجل أبداً.
ذكر المرحوم العلامة الطباطبائي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في تفسير الميزان ضمن قبول هذه المسألة ـ بنحو الغلبة، وليس بنحو دائم ـ انه إذا كان عقل الرجل كثيراً في المسائل العلمية، فهذه فضيلة زائدة وليست بمعنى فضل وكمال مثل حديث الثلاثة المعروف.
"إنما العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل"2.
أي أن الزائد على هذه الفروع الثلاثة هو فضيلة إذا كانت لدى شخص فهي فضيلة زائدة وإذا لم تكن لديه لا يتضرر لأنه: "ذاك علم لا يضرّ من جهله"3.
أي أنه إذا كان هناك فرق فهو في مجموعة من المسائل التي لا تضر ولا تنفع، لأن الإنسان له سير أبدي، وهذا السير الأبدي، والحياة الأبدية لها ممر للدخول هو عمر الإنسان في الدنيا، وعندما يدخل نشأة أخرى فإن مثل هذه المسائل الاعتبارية والذكاء السياسي أو التنفيذي ليس له وزن. الإنسان يستفيد من تلك الأداة الفكرية ما دام في الدنيا وعندما يدخل إلى عالم البرزخ عند ذلك تنتفي هذه العلوم بل إن هذه العلوم الحصولية تتبدل إلى علوم شهودية.....
معيار الأفضلية
الخلاصة انه إذا كان هناك فرق بين المرأة والرجل من الناحية العقلية ففي العقل بمعنى كونه أداة القيام بأعمال الدنيا، أي العقل الذي يستطيع الإنسان به تهيئة العلوم الحوزوية والجامعية حتى تدور عجلة الدنيا، لذا لا تعثرون في أي مكان على شخص يقول إن الأعلم هو أقرب إلى الله، ولكن يقولون: إن الأتقى هو أقرب إلى الله. لو كان هناك مرجعان أحدهما أعلم أو أفقه أو أعرف أو أحكم والآخر أقل منه، ففي كل هذه الفروع ليس الأفضل أقرب إلى الله، فالأفضل في الفقه والأصول، والأفضل في الفلسفة والعرفان، والأفضل في السياسة والأفضل في الأعمال التنفيذية الأخرى، أي من هذه ليس دليلاً على التقرب إلى الله، أما الشخص الذي يصبح أتقى فهو أقرب إلى الله. وهذه التقوى تعود إلى العقل العملي.
*جمال المرأة وجلالها،الشيخ جوادي آملي،دار الهادي،بيروت ـ لبنان،ط1 1415هـ ـ1994م،ص261ـ270.
1- نهج الفصاحة، الحديث 359.
2- أصول الكافي، ج 1 الباب 2.
3- أصول الكافي، ج1، الباب 2.