وردت في القرآن نقطة مهمة جدا- فيما يتعلق ببناء المجتمع الإسلامي وتحقيق القيم الإسلامية العظيمة- وهي مسألة الاستقامة؛ أي استقامة الذين ينشدون الحقيقة ويرفعون رايتها والملتزمون بها. الاستقامة ضرورية ليستطيع الإنسان تحقيق المثل العظيمة. لا سبيل للوصول إلى الكثير من القيم والمثل إلا باستقامة الشعب الدائمة مع مرور السنين. (10/8/1380).
أهمية الاستقامة؛ تنزل الملائكة
يتم التعامل مع الاستقامة كمفهوم رائج ومتداول وغير مهم؛ إلا أن الأمر ليس كذلك؛ فهو مفهوم فائق الأهمية وحساس؛ تبرز أهميته في العمل أكثر بمراتب من ذلك الشيء الذي يتصوره الإنسان في ذهنه. الاستقامة تعني الثبات على الصراط المستقيم ﴿وأن لَو استَقامُوا عَلى الطَرِيقَة لأسْقَيناهُمْ مَاءًا غدقاً﴾ [الجن/16]، أي إذا استقاموا على هذا الصراط نفسه، وكانوا في هذا الاتجاه عينه، ولم يبدلوا طريقهم ولم يتأثروا بالظروف؛ حينها ستترتب النتائج الدنيوية والثواب الأخروي. هذا ما يقوله القرآن ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا﴾، شرف نزول الملائكة ومخاطبتهم أن لا تخافوا ولا تحزنوا. متى يحصل هذا الشرف؟ عند الاستقامة. هي كلمة يقولها الإنسان: استقيموا اثبتوا، ينظر الجميع إلى بعضهم ويقولون سمعا وطاعة. ألا أن الاستقامة في ميدان العمل مسألة هامة جدا.(8/10/1374)
يقول القران الكريم: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة﴾[1]، فقولهم ﴿ربنا الله﴾ يعني الإقرار بالعبودية لله والتسليم له؛ وهذا أمر في غاية العظمة؛ لكنه ليس كافيًا، فحينما نقول (ربُّنا الله) فهذا حسن جدًا لذلك الأوان الذي نطلقها فيه، لكننا إذا نسيناها فإن (ربّنا الله) الذي أطلقنا اليوم لن تجدينا نفعًا في الغد، لذلك فهو يقول ﴿ثم استقاموا﴾، أي يثبتون ويمضون على هذا الطريق. وهذا مما يؤدي إلى أن "تتنزل عليهم الملائكة"؛ وإلاّ لا تتنزل عليهم ملائكة الله للحظة جيدة أو آنٍ جيدٍ واحدًا، ولا يدرك الإنسان نور الهداية ولا تمتد نحوه يد العون الإلهي، ولا يبلغ الإنسان مقام العباد الصالحين [إن صلح لفترة ثم توقف]؛ فلابدّ من مواصلة هذا الدرب والمضي في ﴿ثم استقاموا﴾ وإذا ما أردتم أن تتحقق هذه الاستقامة فعليكم الحذر دائمًا من أن يهبط بناء وميزان المعنوية هذا عن مستواه المطلوب.(17/7/1381).
الاستقامة؛ التحرر من الحزن والخوف
من بين هذه المفردات تبرز مفردة "الاستقامة" ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا﴾، أي إنهم يكونون على اتصال بالملكوت الأعلى في دنياهم هذه، حيث يحصلون على معين لا ينضب روحيًا وفكريًا ونفسيًا فلا يستولي عليهم خوف ولا حزن؛ فالخوف إنما يأتي من الأخطار التي ربما تتهدد الإنسان. فإذا ما تحرر المرء من الخوف فحينها يمضي في طريقه ويتقدم نحو هدفه بمزيد من الجرأة والاقتدار وبروحية عالية، وعندما لا يعتري الإنسان الخوف والحزن فهو بسبب أنه لا يفقد شيئا...
أولًا، لأن سلوك هذا الطريق يكتنف الكثير من النجاح والتوفيق.
ثانيًا، إذا كان للإنسان أن يفقد شيئا؛ فلأنه في سبيل ما عهد إليه من واجب وأداءٍ للتكليف الإلهي، فهو مرتاح الضمير. مثلما هو حاصل بالنسبة لعوائل الشهداء الذين استشهد أبناؤهم وفجعوا بهم، لكن قلوبهم عامرة بالسرور، فشتان ما بين هؤلاء وبين أولئك الذين تصادفهم مثل هذه الحادثة في غير طريق الشهادة. (21/9/1380)
الاستقامة؛ الانطلاق والاستمرار
البداية والانطلاق أمر مبارك، لكنه ليس كافيا. عندما تستقيمون، وعندما تثبتون وتوتِدون أقدامكم في طريق وتستمرون فستتضاعف قيمة ذلك العمل. لا تكتفوا بالبداية الحسنة، صمموا على الاستمرار في الطريق بمراعاة الدقة والملاحظة وكل الظروف اللازمة للاستمرار في هذا السبيل.(17/9/1382).
106- إنّ المحافظة على النعمة أصعب من اكتسابها، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾[2] فلا يكفي مجرد قول: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ بل لابد مع ذلك من الاستقامة، وعنده ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ فالاستقامة هي الأساس، وإلا فقد يكون بإمكان شخص ضعيف مثلي أن يرفع حملًا ثقيلًا للحظات، إلا أنه لا يمكنه أن يستمر في حمله وسرعان ما سيطرحه أرضًا. فالشخص القوي والمنجز للعمل هو الذي باستطاعته رفع هذا الحمل الثقيل والاستمرار في حمله خلال المدة المطلوبة.
إنّ نوايا كثيرين منّا صالحة، ونباشر العمل بنوايا صالحة، إلا أننا [عندما] لا نستطيع الاحتفاظ بهذه النوايا، حيث تصطدم هذه النوايا أثناء الطريق ببعض الموانع وتبدأ بالتآكل والاضمحلال، وأحيانًا تأتي جاذبة قوية معارضة تجر القلب نحوها - القلب الذي هو مكمن النوايا - وسرعان ما تدركون اختفاء النيّة وتبدّلها، وحينها ينحرف الشخص عن مساره، وإذا رأيتم أنّ أشخاصًا كانوا يقولون: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ في حين أنهم حاليًا يتوجهون نحو عبادة الأصنام بدل توجههم الى الكعبة، وانقلبوا على شعاراتهم الخَلاّبة 180 درجة، إنما هو بسبب عدم تمكّنهم من الحفاظ على مبادئهم؛ لأنه قد ظهرت اثناء الطريق جذبات وميول.
ربما سمعتم بذلك الشخص الذي نوى أنْ يمارس الارتياض أربعين يومًا، مضى اليوم الاول والثاني والخامس؛ فما أن بلغ اليوم العشرين حتى دبّت فيه الوساوس الشيطانية، فعرضت له امرأة بالغة الجمال، ووُضع أمامه طعامُ شهي، وعُرضت له أموال طائلة، ولذا لم يتمالك نفسه، واستسلم للرغبات وذهبت الجهود التي بذلها طوال عشرين أو ثلاثين يومًا أدراج الرياح، يمكن لهذه الحكاية أن تكون حقيقة، وحتى إذا لم تكن حقيقة، فإن الدرس الذي يُراد تقديمه من خلالها واضح. (8/6/1384)
فاستقم كما امرت
علينا أن لا ننسى هذا الهدف أنّ الاستقامة يعني عدم ضلال الطريق وعدم نسيان الهدف. إن هذا الأمر دقيق ومهم إلى درجة أن الله تعالى مع عظمة النبي (صلى الله عليه وآله) قد أوصاه به أيضًا ونحن علينا أن نوصي أنفسنا بذلك.
لقد أوصى الله تعالى: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك". إحذروا الخطأ وضلالة الدرب. إن الحديث عن ضلالة الطريق هو حديث عام مبهم ومعقد بعض الشيء؛ كل شخص يدّعي أن الطريق من هنا، قد يصادف أن يكون صديقان أو أخوان وكل واحد منهما لديه نظرة وذوق وأسس مختلفة عن الآخر في مجالات سياسية واقتصادية؛ وكل واحد منهما يدعي أن طريقه هو الطريق الصحيح. فهل يا ترى هذا هو معنى الاستقامة على الطريق؟! كلا، حتمًا هناك اختلافات في الطباع والأذواق.
أنتم في كل صلاة تقفون بين يدي الخالق وترددون مرتين وفي كل يوم عشر مرات على الأقل "اهدنا الصراط المستقيم"، الإنسان في العادة، يدعو الله ويطلب منه الصراط المستقيم دائمًا، والاستجابة تكون "فاستقم كما أُمرت". وبالنسبة لنا نحن العاملين والمسؤولين تكون مسؤوليتنا أكبر وحملنا أثقل.
الاستقامة والبصيرة - مقتطف من كلمات سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول البصيرة والاستقامة
[1]-صورة فصلت، الآية: 30.
[2]سورة فصلت، الآية: 30.