إخْتِبارُ الرّحْمَة
شعبان
«ولَكِنَّ اللَّه يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، ويَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ، ويَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ، إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ، ولِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ، وأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِه».
عدد الزوار: 253
عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «ولَكِنَّ اللَّه يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، ويَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ، ويَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ، إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ، ولِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ، وأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِه».
إنَّ من أعظمِ صفاتِ الباري عزَّ وجلَّ صفةَ الحكمةِ التي تجعلُ المؤمنَ على ثقةٍ في كلِّ ما يجري عليه في هذه الدنيا، ويُبيِّنُ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) في هذا النصِّ بعضاً من الأمورِ التي تجري على الناسِ في هذه الدنيا ويشرحُ الحكمةَ منها، وعلى المؤمنِ أنْ يستحضرَ هذه المفاهيمَ إذا واجه شيئاً منها، فهي خيرُ معينٍ له على الفوزِ والفلاح.
القسمُ الأولُ: الأمورُ التي يبتلي بها اللهُ عزَّ وجلَّ الناسَ بحسبِ ما وردَ في كلامِ الإمامِ (عليه السلام) ثلاثة:
1- الشدائدُ: فالإنسانُ مُبتلى في هذه الدنيا بأمورٍ يعجزُ عن دفعِها إلّا بمشقةٍ كالمرضِ والفقرِ ونحوِها، وسُمِّيَتْ شدائدَ لأنَّ النفسَ الإنسانيةَ تعيشُ الهمَّ والغمَّ والحزنَ والاضطرابَ وهي تبحثُ عن حلولٍ حتّى تتخلَّصَ منها.
2- الأعداءُ ومواجهتُهم: فالدنيا تتزيَّنُ لهذا الإنسانِ، والشهواتُ والرغباتُ تدعوه إلى نيلِ ما يُمكنُه منها من حلالٍ أو حرامٍ، والشيطانُ يُسوِّلُ لهذا الانسانِ حتى يوقعَه في مصيدةِ المعصيةِ ومخالفةِ الأوامرِ الإلهيةِ، والإنسانُ المؤمنُ صاحبُ العزمِ والإرادةِ يخوضُ جهاداً مع هؤلاءِ الأعداءِ الثلاثة: الدنيا والنفسِ الأمارةِ بالسوءِ والشيطان. وسلاحُه في ذلك هو الاستعانةُ باللهِ عزَّ وجلَّ واللجوءُ إليه، ففي مناجاةِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «إلهي أشكو إليك عدوّاً يُضلُّني، وشيطاناً يغويني، قد ملأ بالوسواسِ صدري، وأحاطتْ هواجسُه بقلبي، يُعاضدُ لي الهوى، ويُزيِّنُ لي حبَّ الدنيا، ويحولُ بيني وبينَ الطاعةِ والزلفى».
3- المكاره: وهي الأمورُ التي تكونُ على خلافِ رغبةِ الإنسانِ وإنْ لم يكنْ فيها مشقةٌ ولا تعب، كالقيامِ للصلاةِ في الليلِ والصيامِ والإنفاقِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ ونحوِ ذلك من الأمورِ التي تكونُ على خلافِ راحةِ النفسِ أحياناً.
القسمُ الثاني: الثمارُ المترتّبةُ والتي هي الغاياتُ التي أرادَ اللهُ عزَّ وجلَّ لعبادِه أنْ يصلوا إليها كما وردتْ في كلامِ الإمامِ (عليه السلام):
1- تهذيبُ النفسِ من الكِبْر: فإنّ من عادةِ وفورِ النعمِ عند الإنسانِ وعندما يتمكّنُ في هذه الأرضِ يدخلُ الكِبْرُ في نفسِه، فيقعُ في منطقِ قارون: «إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي» وينسى أنَّ كلَّ ما لديه هو من عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فتأتي الشدائدُ لتوقِظَه من هذه الغفلةِ فيعترفُ بضعفِه ومسكنتِه.
2- التذلُّلُ للهِ عزَّ وجلَّ: إنَّ لذَّةَ العبادةِ هي هذا الشعورُ بالخضوعِ التامِّ للإرادةِ الإلهيَّةِ، وأنْ يعلمَ الإنسانُ أنَّ أمرَه بيدِ خالقِه، فقد وردَ عنه (عليه السلام): «فاعتصمْ باللَّهِ الذي خلقَكَ ورزقَكَ وسوّاكَ، وليكن له تعبُّدك».
3- تنزُّلُ الفضلِ الإلهي: فهذه البلاءاتُ في وجهِها الآخر أبوابٌ من النعمِ الإلهيةِ التي ينالُها الناسُ ويعيشونَ في نعمِها، وذلك لأنَّ الاستعداداتِ الإنسانيةَ تقوى في ظلِّ ذلك وتُصبحُ مؤهّلةً لنيلِ العطاءِ الإلهي.
4- إستحقاقُ العفوِ من اللهِ عزَّ وجلَّ: وهو الوجهُ الأخرويُّ لهذه البلاءاتِ، فإنَّ الناسَ تعودُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ فهي بذلك تستحقُّ الصفحَ والتجاوزَ عمّا اقترفتْهُ من ذنوبٍ وآثام.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين