حقائق في العمر
1- يسير كالساعة الرملية كلَّما سار قلَّ، لذا فأكبر عمر آدم ليس حين يموت بل هو كما يقول الإمام زين العابدين:"أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يولد من أمه[1]".
2- يسير بسرعة، عن الإمام علي(عليه السلام): "ما أسرع الساعات في اليوم، وأسرع الأيام في الشهر، وأسرع الشهور في السنة، وأسرع السنين في العمر"[2].
3- لا يشعر الإنسان بسرعته، بل هو قصير مهما طال، فقد روي أن جبرئيل (عليه السلام) قال لنوح (عليه السلام): "يا أطول الأنبياء عمرا، كيف وجدت الدنيا؟ قال: كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر"[3].
4- إنَّ أكثر أوقات العمر لا يستفيد منها أكثر الناس.
نُسِبَ إلى الإمام علي(عليه السلام) شعر لطيف هو:
لو عاش الفتى ستين عاماً فنصف العمر تمحقه الليالي
ونصف النصف يذهب ليس يدري لغفلته يميناً عن شمالاً
وباقي العمر أسقام وشيب وهمٌّ بارتحال وانتقال
فحبُّ المرء طول العمر جهل وقسمته على هذا المثال.
وبعملية حسابية أوليَّة نحسب أوقات إنسان في السادسة والخمسين من عمره:
- لهو الطفولة في السنوات الست الأولى: 6 سنوات.
- النوم: 8 ساعات، 17 سنة.
- تناول الطعام 2/1:1 ساعة، 3 سنوات.
- الدراسة والعمل 8 ساعات، 17 سنة.
- التنقل من مكان إلى آخر 1 ساعة، سنتان.
- الاتصالات الهاتفية 2/1 ساعة، سنة.
- مراجعات حكومية وقانونية 2/1 ساعة، سنة.
- لقاءات وديّة مع آخرين 1 ساعة، سنتان.
- أعمال منزلية ورحلات 2/1 ساعة، سنة.
مجموع السنوات في هذه العناوين: 50 سنة.
الباقي 6 سنوات،كل ساعة بـ سنتين.
توجيهات مقابل الحقائق
1- الإمساك بزمام المبادرة
عن الإمام علي(عليه السلام): "إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما"[4].
2- اغتنام عناصر القوَّة
قال النبي(صلى الله عليه وآله) لأبي ذرّ (ره): "يا أبا ذر اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، و صحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"[5].
3- ملء الوقت بالعمل الصالح
عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): "يفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره أربع وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار، فخزانة يجدها مملوءة نوراً وسروراً، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وُزِّع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار وهي الساعة التي أطاع فيها ربه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعه فيناله منها عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسم على أهل الجنَّة لنقص عليهم نعيمها وهي الساعة التي عصى فيها ربه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها خالية ليس فيها ما يسره ولا يسوؤه، وهي الساعة التي نام فيها، أو اشتغل فيها بشيء من مباحات الدنيا فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكِّناً من أنْ يملاها حسنات ما لا يوصف"[6].
4- المسارعة في عمل الصالحات
فالعمر السريع يوجب سرعة الاستفادة منه، قال الشاعر:
مضى أمسك الماضي شهيداً معدَّلاً وأصبحت في يومٍ عليك شهيدُ
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثنِّ بإحسانٍ وأنت حميدُ
ولا تُرجِ فعلَ الخير يوماً إلى غدٍ لعلَّ غداً يأتي وأنت فقيد.
وورد أن ملك الموت إذا ظهر للعبد أعلمه أنّه بقي من عمره ساعة وأنّه لا يستأخر عنها، فيبدو للعبد من الأسف ما لو كانت له الدنيا كلُّها لخرج منها على أن يضمَّه إلى الساعة ساعة أُخرى، فيتدارك لا تفريط فيها، فلا يجد إليها سبيلاً يقول لملك الموت: مهِّلني يوماً، يقول: ضيَّعت الأيام، فيقول العبد: مهّلني ساعة أتدارك فيها، فيقول: قد ضيّعت الساعات.
وورد عن الإمام علي(عليه السلام): " أيُّها الناس الآن الآن ما دام الوثاق مطلقاَ، والسراج منيراً، وباب التوبة مفتوحاً من قبل أن يجفَّ القلم، وتطوى الصحف"[7].
5- القيام بأحسن الأعمال
قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾[8].
العمل الحسن هو الذي يكون موافقاً للحكم الشرعي ويؤتي به بإخلاص لله تعالى.
وأحسن الأعمال هو ما جمع فيه الإنسان بين توجِّهه إلى الله تعالى وخدمة الناس، "الخلق كلهم عيال الله فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله"[9].
6- اغتنام اللحظة الوقتية
عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): "كن على عمرك أشحَّ منك على دِرْهَمِك ودينارك"[10].
وقد يحقِّق الإنسان هذا الاغتنام من خلال تحويل كلّ عمله لله تعالى، فينام ويتناول الطعام ويمارس الرياضة بنيَّة التقّوي على عبادة الله تعالى والعمل في سبيله وهكذا...
7- اغتنام اللحظة النوعية
عن النبيّ: "ألا إنَّ لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرَّضوا لها، ولا تعرضوا عنها"[11].
من هذه النفحات مناسبات زمنية كشهر رمضان وموسم الحجّ وأيام الجمعة وعيد الغدير ومنها فرص قد لا تتكرّر.
سماحة الشيخ د. أكرم بركات
[1] أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)، السيد مهدي الصدر، ص ١٨١
[2] نهج البلاغة، ج ٢، خطب الإمام علي (عليه السلام)، ص ١٢٨
[3] تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ( مجموعة ورام )، ج ١، ورام بن أبي فراس المالكي الاشتري، ص ١٣٩
[4] تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدي التميمي، ص ١٥١
[5] الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٥٥٦
[6] بحار الأنوار، ج ٧، العلامة المجلسي، ص ٢٦٤
[7] الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٧١٦
[8] الملك: 2
[9] الرسالة السعدية، العلامة الحلي، ص ٢٠٦
[10] الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٥٥٧
[11] المراقبات(أعمال السنة)- ميرزا جواد آغا الملكي التبريزي، ص:4