يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً﴾[1].
في الخامس من جمادى الأولى أولدت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مولودة، فحملها أبوها أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن حوله ينتظر أن يسمّيها، فقال (عليه السلام): "ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله)"، واستدعى ذلك انتظار رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سفره، وحينما قدم سئل أن يسميها فأجاب (صلى الله عليه وآله): "ما كنت لأسبق ربّي"، فهبط جبرئيل قائلاً: "سمِّ هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الإسم".
إنّ هذا هو خير شاهد على اهتمام الإسلام بتسمية الأولاد وهو ما اعتبره رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حقوق الأبناء على الآباء، فقد ورد أن رجلاً قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): ما حقُّ ابني هذا؟ فأجاب (صلى الله عليه وآله): "تحسن اسمه وأدبه، وتضعه موضعا حسنا"[2].
وكان النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) يدعون إلى تغيير الأسماء القبيحة بالأسماء الحسنة، فقد ورد أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال لأحد الآباء وقد سمى ابنته اسماً قبيحاً (حميراء): "إذهب فغيّر اسم ابنتك التي سمّيتها أمس؛ فإنّه اسم يبغضه الله"[3].
وقد أرشد الإسلام إلى أهمية ملاحظة الجهة المضمونية للإسم، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): "... أصدق الأسماء ما سمّي بالعبوديّة، وأفضلها أسماء الأنبياء[4]".
إنّ هذا الحديث يُرشد إلى أمرين يحسن ملاحظتهما في الاسم، الأول له ارتباط بالمعنى "ما سمّي بالعبودية" كـ عبد الله، والثاني له ارتباط بالقدوة الصالحة، "وأفضلها أسماء الأنبياء". ومن لطيف ما ورد في ذلك أن أحدهم سأل الإمام الصادق (عليه السلام) إنا نسمّي بأسمائكم فينفعنا ذلك؟ فقال (عليه السلام): "أي والله، وهل الدين إلا الحبّ"[5].
إسم زينب وصفاتها
من هنا نطلّ على اسم زينب (عليها السلام) فهي زين الأب وحاملة لصفاته الكمالية التي تجلّت من خلال خصالها التي نعرض منها:
1- عالمة
ورد أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال لعمّته زينب (عليها السلام): "أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة، وفهمةٌ غير مفهّمة"[6]، لقد ظهر علم السيدة زينب (عليها السلام) وتجلّى فيها منذ صغرها، ففي طفولتها قال لها أبوها: قولي واحد،
قالت : واحد،
فقال لها : قولي اثنين، فسكتت.
قال لها: تكلمي يا قرّة عيني
قالت: "أبتاه ما أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد"
وتكاملت السيّدة زينب (عليها السلام) في معرفتها بين علمها المبدأ الذي تجلّى في الحوار السابق وعلمها بالمعاد الذي تجلّى في حديثها عن لوحة كربلاء المخضّبة بالدماء: "ما رأيت إلا جميلاً".
2- محدّثة
وعلى قاعدة أن زكاة العلم إنفاقه، فقد كانت السيدة زينب خير منفقة لعلوم الإسلام، فكان لها في الكوفة مجلس تعلّم فيه النساء وتهتم فيه بتفسير القرآن الكريم.
قال الشيخ الصدّوق: "كان لزينب (عليها السلام) نيابة خاصة عن الحسين عليه السلام وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام"[7].
3- مخدّرة
عن يحيى المازني: "كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله (صلى الله عليه وآله) تخرج ليلاً والحسن عن يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين (عليه السلام) أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن (عليه السلام) مرة عن ذلك، فقال (عليه السلام): أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب .[8]"
4- عزيزة
كان للسيدة زينب (عليها السلام) عزٌّ في منزل أبيها منذ طفولتها، فكانت مصداقاً لما ورد عن كون المرأة (عزيزة في بيت أهلها)، فقد ورد في سيرتها أنّ:
- النبي (صلى الله عليه وآله) كان يبكي لحديثها.
- وأن أخاها الإمام الحسين (عليه السلام) دخل المنزل ذات مرة -وهو طفل- فرآها نائمة، والشمس مسلّطة عليها، فوقف يواريها بنفسه من الشمس، وكان إذا زراته يقوم لها إجلالاً ويجلسها في مكانه.
5- عابدة
في سيرة السيدة زينب (عليها السلام) أنّها ما تركت تهجّدها في الليل طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرّم إذ يحدّثنا الإمام زين العابدين (عليه السلام): "رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس[9]"، وعنه (عليه السلام) "إن عمّتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية[10]".
6- مجاهدة
هيَّأ أمير المؤمنين (عليه السلام) ابنته السيدة زينب لمسيرة كربلاء منذ صغرها، وهذا ما يُؤكّده ما حدث أثناء عقد زواجها من عبد الله بن جعفر حينما اشترط عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) أن لا يمنعها من الخروج إلى كربلاء مع أخيها الإمام الحسين (عليه السلام)
7- شُجاعة
فهي التي قالت أمام جثمان أخيها الشهيد الإمام الحسين (عليه السلام) وهو مقطّع الرأس، بكل شموخ وعزّ: "اللهم تقبّل منّا هذاالقربان"[11].
وهي التي وقفت في وجه الطاغية يزيد في الشام وقالت له: "كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تُميت وحينا"[12].
سماحة الشيخ د. أكرم بركات
[1] الأحزاب: 33.
[2] وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ٢١ - الصفحة ٣٩٠
[3] الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 ص 310.
[4] الكافي - الشيخ الكليني - ج 6 ص 18.
[5] مستدرك الوسائل - ميرزا حسين النوري الطبرسي - ج 12 ص 219.
[6] مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 4 ص 315.
[7] راجع: وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف - ص 440.
[8] وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف - ص 436
[9] وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف - ص 441.
[10] راجع: المصدر السابق.
[11] حياة الإمام الحسين ( ع ) - الشيخ باقر شريف القرشي - ج 2 ص 301.
[12] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 ص 135