آيات قرآنية:
1 ـ ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾([1]).
العزمُ عقدُ النيّة على فعلٍ بشكلٍ وثيق مؤكّد، وقد خصّ الله تعالى كلّ واحدٍ من أصحابِ العزمِ بشريعةٍ وكتاب، وفي الآية إشارة إلى درجاتهم الرفيعة في الصبر على الأذى في تبليغ الرسالات السماوية، وهم سادة الأنبياء وأفضلهم.
2 ـ ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾([2]).
عن الصادق «عليه السلام»: فأول ما أخذ الله عزّ وجل الميثاق على الأنبياء بالربوبية، وهو قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ﴾، ثم أبرز أفضلهم بالأسامي، وقال: ﴿وَمِنكَ﴾ يا محمد، فقدَّم رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأنه أفضلهم([3]).
روايات معتـبرة ســـنداً:
1 ـ روى الشيخ الكليني عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ:
قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَوْلَ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ فَقَالَ: نُوحٌ وإِبْرَاهِيمُ ومُوسَى وعِيسَى ومُحَمَّدٌ «صلى الله عليه وآله».
قُلْتُ: كَيْفَ صَارُوا أُولِي الْعَزْمِ؟
قَالَ «عليه السلام»: لأَنَّ نُوحاً بُعِثَ بِكِتَابٍ وشَرِيعَةٍ، وكُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَ نُوحٍ أَخَذَ بِكِتَابِ نُوحٍ وشَرِيعَتِه ومِنْهَاجِه، حَتَّى جَاءَ إِبْرَاهِيمُ «عليه السلام» بِالصُّحُفِ وبِعَزِيمَةِ تَرْكِ كِتَابِ نُوحٍ، لَا كُفْراً بِه، فَكُلُّ نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ «عليه السلام» أَخَذَ بِشَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ ومِنْهَاجِه وبِالصُّحُفِ، حَتَّى جَاءَ مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ وشَرِيعَتِه ومِنْهَاجِه، وبِعَزِيمَةِ تَرْكِ الصُّحُفِ، وكُلُّ نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ مُوسَى «عليه السلام» أَخَذَ بِالتَّوْرَاةِ وشَرِيعَتِه ومِنْهَاجِه، حَتَّى جَاءَ الْمَسِيحُ «عليه السلام» بِالإِنْجِيلِ وبِعَزِيمَةِ تَرْكِ شَرِيعَةِ مُوسَى ومِنْهَاجِه، فَكُلُّ نَبِيٍّ جَاءَ بَعْدَ الْمَسِيحِ أَخَذَ بِشَرِيعَتِه ومِنْهَاجِه، حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ «صلى الله عليه وآله»، فَجَاءَ بِالْقُرْآنِ وبِشَرِيعَتِه ومِنْهَاجِه، فَحَلَالُه حَلَالٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وحَرَامُه حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهَؤُلَاءِ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ «عليهم السلام»([4]).
2 ـ روى الشيخ الكليني عن عدة من أصحابه، عن أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» يَقُولُ: سَادَةُ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ خَمْسَةٌ، وهُمْ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وعَلَيْهِمْ دَارَتِ الرَّحَى: نُوحٌ، وإِبْرَاهِيمُ، ومُوسَى، وعِيسَى، ومُحَمَّدٌ «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ، وعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاء»([5]).
3 ـ روى الشيخ الصدوق عن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيّ، عَنْ أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيّ، عن عَلِيّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا «عليه السلام» قَالَ:
إِنَّمَا سُمِّيَ أُولُو الْعَزْمِ أُوْلِي الْعَزْمِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ الْعَزَائِمِ والشَّرَائِعِ، وذَلِكَ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ كَانَ بَعْدَ نُوحٍ «عليه السلام» كَانَ عَلَى شَرِيعَتِهِ ومِنْهَاجِهِ، وَتَابِعاً لِكِتَابِهِ، إِلَى زَمَانِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ «عليه السلام»، وكُلُّ نَبِيٍّ كَانَ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ وبَعْدَهُ، كَانَ عَلَى شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ ومِنْهَاجِهِ، وتَابِعاً لِكِتَابِهِ، إِلَى زَمَنِ مُوسَى «عليه السلام»، وكُلُّ نَبِيٍّ كَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى «عليه السلام» وبَعْدَهُ، كَانَ عَلَى شَرِيعَةِ مُوسَى ومِنْهَاجِهِ، وتَابِعاً لِكِتَابِهِ، إِلَى أَيَّامِ عِيسَى «عليه السلام»، وكُلُّ نَبِيٍّ كَانَ فِي أَيَّامِ عِيسَى «عليه السلام» وبَعْدَهُ، كَانَ عَلَى مِنْهَاجِ عِيسَى وشَرِيعَتِهِ، وتَابِعاً لِكِتَابِهِ، إِلَى زَمَنِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ «صلى الله عليه وآله»، فَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ، وهُمْ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ والرُّسُلِ «عليهم السلام»، وشَرِيعَةُ مُحَمَّدٍ «صلى الله عليه وآله» لَا تُنْسَخُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة([6]).
هذه عقيدتنا في أولـي العــزم (عليهم السلام):
فضّل الله النبيين بعضهم على بعض، كما فضّل الرسل بعضهم على بعض، وكان أفضلهم أولي العزم من الرسل في أعلى درجات الصّبر، فقد صبروا على أشدّ البلاء من أعداء الدّين من أجل هداية النّاس ودعوتهم إلى عبادة الله وحده وتوحيده، وإنذارهم، ورعاية شؤونهم، وبسط العدل ودفع الظلم، وما أوذي نبي من أولي العزم مثل ما أوذي محمّد «صلّى الله عليه وآله».
وهم أصحاب كتب وشرايع، يكمل اللاحق منها السّابق، حتى كان أكمل الهدي والكتب والشرايع، ما جاء به رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وعلى قولٍ أنهم بعثوا إلى شرق الارض وغربها جِنّها وإنسها.
وإنّ نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّداً «صلى الله عليه وآله» هم سادة الأنبياء وأولو العزم، وسيّدهم وأفضلهم وأكرمهم على الله محمّد «صلّى الله عليه وآله».
وهم معصومون عن الذنوب كبيرها وصغيرها، والخطأ والنسيان، مطهّرون من كل رذيلة، منزّهون من كل منقصة.
سماحة الشيخ نبيل قاووق
([1]) الآية 35 من سورة الأحقاف.
([2]) الآية 7 من سورة الأحزاب.
([3]) تفسير القمي، ج1 ص247.
([4]) الكافي، ج2 ص17، ومرآة العقول، ج7 ص98، والبرهان في تفسير القرآن للبحراني، ج5 ص50.
([5]) الكافي، ج1 ص175، والبرهان في تفسير القرآن، ج5 ص50.
([6]) علل الشرائع للصدوق، ص122 ح2، والبرهان في تفسير القرآن للبحراني، ج5 ص50