كلمة الله المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)
إضاءات إسلامية
كلمة الله المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)
عدد الزوار: 124
يقول تعالى: ﴿إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين (45) ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين (46)﴾ آل عمران.
هذه الآية تبين حادث ولادة المسيح الذي يبدأ بتقديم الملائكة البشارة لمريم بأمر من الله قائلين لها إن الله سوف يهب لك ولدا اسمه المسيح عيسى بن مريم، وسيكون له مقام مرموق في الدنيا والآخرة، وهو مقرب عند الله. ولابد من الإشارة هنا إلى بضع مسائل:
1- في هذه الآية وفي آيتين أخريين يوصف المسيح بأنه "الكلمة" وهو تعبير موجود في كتب العهد الجديد أيضا. كلام المفسرين كثير في بيان سبب إطلاق هذه الكلمة على المسيح. إلا أن أقربها إلى الذهن هو ولادة المسيح الخارقة للعادة والتي تقع ضمن: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون[1]. أو لأن البشارة بولادته قد جاءت في كلمة إلى أمه. كما أن لفظة "الكلمة" وردت في القرآن بمعنى "المخلوق": ﴿قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا﴾[2]. ففي هذه الآية " كلمات ربي" هي مخلوقات الله. ولما كان المسيح أحد مخلوقات الله العظيمة فقد سمي بالكلمة، وهذا يتضمن أيضا رداً على الذين يقولون بإلوهية المسيح (عليه السلام).
2 - "المسيح" بمعنى الماسح أو الممسوح. وإطلاقها على عيسى إما لأنه كان يمسح بيده على المرضى الميؤوس منهم فيشفيهم بإذن الله، إذ كانت هذه الموهبة قد خصصت له منذ البداية، ولذلك أطلق الله عليه اسم المسيح قبل ولادته. أو لأن الله قد مسح عنه الدنس والإثم وطهره.
3 - يصرح القرآن في هذه الآية بأن عيسى هو ابن مريم، وهو تصريح يدحض مفتريات المفترين عن ألوهية المسيح. إذ أن من يولد من امرأة وتطرأ عليه جميع التحولات التي تطرأ على الجنين البشري والكائن المادي لا يمكن أن يكون إلها، ذلك الإله المنزه عن كل أنواع التغيرات والتحولات. تشير الآية التي بعدها إلى إحدى فضائل ومعاجز عيسى (عليه السلام) وهي تكلمه في المهد ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين. فقد جاء في سورة مريم أنه لدفع التهمة عن أمه تكلم في المهد كلاما فصيحا أعرب فيه عن عبوديته لله، وعن كونه نبيا. ولما لم يكن من الممكن أن يولد نبي في رحم غير طاهرة، فإنه يؤكد بهذا الإعجاز طهارة أمه.
4- "المهد" هو كل مكان يعد لنوم المولود حديثا، سواء أكان متحركا أم ثابتا والظاهر من آيات سورة مريم أنه (عليه السلام) تكلم منذ بداية تولده مما يستحيل على كل طفل أن يقوم به في هذا العمر عادة، وبهذا كان كلامه في المهد معجزة كبيرة. ولكن الكلام في مرحلة الكهولة[3]. أمر عادي. ولعل ذكره في الآية أعلاه مقارنا للحديث في المهد إشارة أن كلامه في المهد مثل كلامه في الكهولة والكمال لم يجانب الصواب والحق والحكم. وتشير الآية كذلك إلى أن المسيح لا ينطق إلا بالحق منذ ولادته حتى كهولته، وأنه يواصل الدعوة إلى الله وإرشاد الناس ولا يفتر عن ذلك لحظة واحدة. ولعل إيراد هذا التعبير عن المسيح ضرب من التنبؤ بعودة المسيح إلى الدنيا، إذ أننا نعلم من كتب التاريخ أن عيسى (عليه السلام) قد رفع من بين الناس إلى السماء وهو في الثالثة والثلاثين من عمره. وهذا يتفق مع كثير من الأحاديث الواردة عن عودة المسيح في عهد الإمام المهدي (عليه السلام) ويعيش معه بين الناس ويؤيده. وبعد ذكر مناقب المسيح المختلفة يضيف إليها ومن الصالحين. ومن هذا يتضح أن الصلاح من أعظم دواعي الفخر والإعتزاز، وتنضم تحت لوائه القيم الإنسانية الأخرى.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
[1] يس: 82.
[2] الكهف: 109.
[3] الكهولة " هي متوسط العمر، وقيل إنها الفترة ما بين السنة الرابعة والثلاثين حتى الحادية والخمسين، وما قبلها " شاب " وما بعدها " شيخ ".