آية المتعة ودعوى نسخها
الناسخ والمنسوخ
الضمير في قوله:به راجع إلى ما يدل عليه قوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم و هو النيل وما يؤدي معناه، فيكون ما للتوقيت، وقوله منهن متعلقا بقوله:استمتعتم والمعنى: مهما استمتعتم بالنيل منهن فآتوهن أجورهن فريضة.
عدد الزوار: 255
آية المتعة
قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾1.
مقدمة في المراد من الآية
الضمير في قوله: "به" راجع إلى ما يدل عليه قوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم "و هو النيل وما يؤدي معناه، فيكون "ما" للتوقيت، وقوله "منهن" متعلقا بقوله: "استمتعتم" والمعنى: مهما استمتعتم بالنيل منهن فآتوهن أجورهن فريضة.
ويمكن أن يكون ما موصولة، واستمتعتم صلة لها، وضمير به راجعا إلى الموصول وقوله "منهن" بيانا للموصول، والمعنى: ومن استمتعتم به من النساء "إلخ".
والجملة أعني قوله: فما استمتعتم "إلخ" تفريع لما تقدمها من الكلام - لمكان الفاء - تفريع البعض على الكل وتفريع الجزئي على الكلي بلا شك فإن ما تقدم من الكلام أعني قوله ﴿أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾2 كما تقدم بيانه شامل لما في النكاح وملك اليمين، فتفريع قوله: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن عليه يكون من تفريع الجزء على الكل وتفريع بعض الأقسام الجزئية على المقسم الكلي.
وهذا النوع من التفريع كثير الورود في كلامه تعالى كقوله عز من قائل: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾3، وقوله: ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ﴾4 وقوله ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ﴾5 إلى غير ذلك.
والمراد بالاستمتاع المذكور في الآية نكاح المتعة بلا شك فإن الآية مدنية نازلة في سورة النساء في النصف الأول من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة على ما يشهد به معظم آياتها، وهذا النكاح أعني نكاح المتعة كان دائراً بينهم معمولاً به عندهم في هذه البرهة من الزمان من غير شك - وقد أطبقت الأخبار على تسلم ذلك - سواء كان الإسلام هو المشرع لذلك ولم يكن فأصل وجوده بينهم بمرأى من النبي ومسمع منه لا شك فيه، وكان اسمه هذا الاسم ولا يعبر عنه إلا بهذا اللفظ فلا مناص من كون قوله: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ﴾ محمولا عليه مفهوما منه هذا المعنى كما أن سائر السنن والعادات والرسوم الدائرة بينهم في عهد النزول بأسمائها المعروفة المعهودة كلما نزلت آية متعرضة لحكم متعلق بشيء من تلك الأسماء بإمضاء ورد وأمر ونهي لم يكن بد من حمل الأسماء الواردة فيها على معانيها المسماة بها من غير أن تحمل على معانيها اللغوية الأصلية. وذلك كالحج والبيع والربا والربح والغنيمة وسائر ما هو من هذا القبيل فلم يمكن لأحد أن يدعي أن المراد بحج البيت قصده، وهكذا.
وكذلك ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الموضوعات الشرعية ثم شاع الاستعمال حتى عرفت بأساميها الشرعية كالصلاة والصوم والزكاة وحج التمتع وغير ذلك لا مجال بعد تحقق التسمية لحمل ألفاظها الواقعة في القرآن الكريم على معانيها اللغوية الأصلية بعد تحقق الحقيقة الشرعية والمتشرعية فيها.
فمن المتعين أن يحمل الاستمتاع المذكور في الآية على نكاح المتعة لدورانه بهذا الاسم عندهم يوم نزول الآية سواء قلنا بنسخ نكاح المتعة بعد ذلك بكتاب وسنة ولم نقل فإنما هو أمر آخر.
وجملة الأمر أن المفهوم من الآية حكم نكاح المتعة، وهو المنقول عن القدماء من مفسري الصحابة والتابعين كابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وقتادة ومجاهد والسدي وابن جبير والحسن وغيرهم، وهو مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام.
ومنه يظهر فساد ما ذكره بعضهم في تفسير الآية أن المراد بالاستمتاع هو النكاح فإن إيجاد علقة النكاح طلب للتمتع منها هذا، وربما ذكر بعضهم أن السين والتاء في استمتعتم للتأكيد، والمعنى: تمتعتم. وذلك لأن تداول نكاح المتعة بهذا الاسم ومعروفيته بينهم لا يدع مجالا لخطور هذا المعنى اللغوي بذهن المستمعين.
على أن هذا المعنى على تقدير صحته وانطباق معنى الطلب على المورد وكون استمتعتم بمعنى تمتعتم، لا يلائم الجزاء المترتب عليه أعني قوله: ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾، فإن المهر يجب بمجرد العقد، ولا يتوقف على نفس التمتع ولا على طلب التمتع الصادق على الخطبة وإجراء العقد والملاعبة والمباشرة وغير ذلك، بل يجب نصفه بالعقد ونصفه الآخر بالدخول.
على أن الآيات النازلة قبل هذه الآية قد استوفت بيان وجوب إيتاء المهر على جميع تقاديره، فلا وجه لتكرار بيان الوجوب، وذلك كقوله تعالى: ﴿وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾6، وقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا﴾7، وقوله تعالى ﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ﴾8 - إلى أن قال -: ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾9 .
وما احتمله بعضهم أن الآية أعني قوله: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ مسوقة للتأكيد يرد عليه أن سياق ما نقل من الآيات وخاصة سياق ذيل قوله: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ﴾10 الآيتين أشد وآكد لحنا من هذه الآية فلا وجه لكون هذه مؤكدة لتلك.
دعوى النسخ بالقرآن
وأما النسخ فقد قيل: إن الآية منسوخة بآية المؤمنون: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾11.
وقيل منسوخة بآية العدة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾12، ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ﴾13، حيث إن انفصال الزوجين إنما هو بطلاق وعدة وليسا في نكاح المتعة،
وقيل: منسوخة بآيات الميراث: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾14، حيث لا إرث في نكاح المتعة،
وقيل منسوخة بآية التحريم: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ﴾15 الآية، فإنها في النكاح،
وقيل: منسوخة بآية العدد: ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾16،
دعوى النسخ بالسُّنَّة
وقيل: منسوخة بالسنة نسخها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر، وقيل: عام الفتح، وقيل: في حجة الوداع، وقيل: أبيحت متعة النساء ثم حرمت مرتين وثلاثا، وآخر ما وقع واستقر عليه من الحكم الحرمة.
الجواب على دعوى النسخ بالقرآن
أما النسخ بآية المؤمنون، ففيه أنها لا تصلح للنسخ، فإنها مكية وآية المتعة مدنية، ولا تصلح المكية لنسخ المدنية، على أن عدم كون المتعة نكاحا والمتمتع بها زوجة ممنوع، وناهيك في ذلك ما وقع في الأخبار النبوية، وفي كلمات السلف من الصحابة والتابعين من تسميتها نكاحا، والإشكال عليه بلزوم التوارث والطلاق وغير ذلك سيأتي الجواب عنه.
وأما النسخ بسائر الآيات كآية الميراث وآية الطلاق وآية العدد ففيه أن النسبة بينها وبين آية المتعة ليست نسبة الناسخ والمنسوخ، بل نسبة العام والمخصص والمطلق والمقيد، فإن آية الميراث مثلا تعم الأزواج جميعا من كل دائم ومنقطع والسنة تخصصها بإخراج بعض أفرادها، وهو المنقطع من تحت عمومها، وكذلك القول في آية الطلاق وآية العدد، وهو ظاهر، ولعل القول بالنسخ ناش من عدم التمييز بين النسبتين.
النسخ بآية العدة
وأما النسخ بآية العدة فبطلانه أوضح فإن حكم العدة جار في المنقطعة كالدائمة وإن اختلفتا مدة فيئول إلى التخصيص أيضا دون النسخ.
النسخ بآية التحريم
وأما النسخ بآية التحريم فهو من أعجب ما قيل في هذا المقام
أما أولا: فلأن مجموع الكلام الدال على التحريم والدال على حكم نكاح المتعة كلام واحد مسرود متسق الأجزاء متصل الأبعاض فكيف يمكن تصور تقدم ما يدل على المتعة ثم نسخ ما في صدر الكلام لذيله؟
وأما ثانيا: فلأن الآية غير صريحة ولا ظاهرة في النهي عن الزوجية غير الدائمة بوجه من الوجوه، وإنما هي في مقام بيان أصناف النساء المحرمة على الرجال ثم بيان جواز نيل غيرها بنكاح وبملك يمين، ونكاح المتعة نكاح على ما تقدم، فلا نسبة بين الأمرين بالمباينة حتى يئول إلى النسخ.
نعم ربما قيل: إن قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ حيث قيد حلية النساء بالمهر وبالإحصان من غير سفاح، ولا إحصان في النكاح المنقطع - ولذلك لا يرجم الرجل المتمتع إذا زنا لعدم كونه محصنا - يدفع كون المتعة مراده بالآية.
لكن يرد عليه ما تقدم أن المراد بالإحصان في قوله ﴿مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ هو إحصان العفة دون إحصان التزوج لكون الكلام بعينه شاملا لملك اليمين كشموله النكاح، ولو سلم أن المراد بالإحصان هو إحصان التزوج عاد الأمر إلى تخصيص الرجم في زنا المحصن بزنا المتمتع المحصن بحسب السنة دون الكتاب فإن حكم الرجم غير مذكور في الكتاب من أصله.
النسخ بالسُّنَّة:
وأما النسخ بالسنة ففيه - مضافا إلى بطلان هذا القسم من النسخ من أصله لكونه مخالفا للأخبار المتواترة الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب وطرح ما خالفه، والرجوع إلى الكتاب - ما سيأتي في البحث الروائي.
البحث الروائي
في الكافي، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المتعة، فقال: نزلت في القرآن: ﴿فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة - ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة﴾.
وفيه (الكافي)، بإسناده عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إنما نزلت: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾.
أقول: وروى هذه القراءة العياشي عن أبي جعفر عليه السلام، ورواها الجمهور بطرق عديدة عن أبي بن كعب وعبد الله بن عباس كما سيأتي:
ففي مستدرك الحاكم، بإسناده عن أبي نضرة قال: قرأت على ابن عباس: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾، قال ابن عباس: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ﴾ إلى أجل مسمى، فقلت: ما نقرؤها كذلك فقال ابن عباس: والله لأنزلها الله كذلك: أقول: ورواه في الدر المنثور، عنه وعن عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف.
وفي الدر المنثور، أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: في قراءة أبي بن كعب: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى.
ولعل المراد بأمثال هذه الروايات الدلالة على المعنى المراد من الآية دون النزول اللفظي.
وفيه (الكافي)، بإسناده عن زرارة قال: جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له: ما تقول في متعة النساء؟ فقال: أحلها الله في كتابه وعلى لسان نبيه فهي حلال إلى يوم القيامة، فقال: يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرمها عمر ونهى عنها؟ فقال: وإن كان فعل. فقال: إني أعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئا حرمه عمر. قال: فقال له: فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهلم ألاعنك أن القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الباطل ما قال صاحبك، فأقبل عبد الله بن عمير فقال: أ يسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن؟ قال: فأعرض عنه أبو جعفر عليه السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه.
وفيه (الكافي)، بإسناده عن أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفيه (الكافي)، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة. فقال: أي المتعتين تسأل؟ قال: سألتك عن متعة الحج فأنبئني عن متعة النساء أحق هي؟
فقال: سبحان الله أ ما قرأت كتاب الله عز وجل: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ فقال: والله كأنها آية لم أقرأها قط.
وفي تفسير العياشي، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم غزوا معه فأحل لهم المتعة ولم يحرمها، وكان علي يقول: لو لا ما سبقني به ابن الخطاب يعني عمر ما زنى إلا شقي. وكان ابن عباس يقول: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة، وهؤلاء يكفرون بها، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحلها ولم يحرمها.
وفيه (تفسيرالعياشي)، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في المتعة قال: نزلت هذه الآية: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ - ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾. قال: لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل فيما بينكما، يقول: استحللتك بأجل آخر برضى منها. ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها، وعدتها حيضتان.
وعن الشيباني، في قوله تعالى: ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾: عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام أنهما قالا: هو أن يزيدها في الأجرة، وتزيده في الأجل.
أقول: والروايات في المعاني السابقة مستفيضة ومتواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وإنما أوردنا طرفا منها، وعلى من يريد الاطلاع عليها جميعا أن يراجع جوامع الحديث.
روايات النسخ والجواب عليها
وفي الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان متعة النساء في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته، ولا يحفظ متاعه فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته فتنظر له متاعه، وتصلح له ضيعته، وكان يقرأ: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ﴾ نسختها: محصنين غير مسافحين، وكان الإحصان بيد الرجل يمسك متى شاء، ويطلق متى شاء.
وفي صحيح الترمذي، عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فيحفظ له متاعه ويصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾17 قال ابن عباس فكل فرج سوى هذين فهو حرام.
أقول: ولازم الخبر أنها نسخت بمكة لأن الآية مكية.
وفي مستدرك الحاكم، عن عبد الله بن أبي مليكة: سألت عائشة رضي الله عنها عن متعة النساء فقالت: بيني وبينكم كتاب الله. قال: وقرأت هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ - أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾.
و في الدر المنثور، أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والنحاس من طريق عطاء عن ابن عباس: في قوله: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ قال: نسختها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ﴾18.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والنحاس والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال: نسخت آية الميراث المتعة.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج عبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال: المتعة منسوخة نسخها الطلاق والصدقة والعدة والميراث.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن علي قال: نسخ رمضان كل صوم، ونسخت الزكاة كل صدقة، ونسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث، ونسخت الضحية كل ذبيحة.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم عن سبرة الجهني قال: أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام فتح مكة في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي، ولي عليه فضل في الجمال، وهو قريب من الدمامة مع كل واحد منا برد، إما بردي فخلق، وإما برد ابن عمي فبرد جديد غض حتى إذا كنا بأعلى مكة تلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة فقلنا: هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ قالت: وما تبذلان؟ فنشر كل واحد منا برده فجعلت تنظر إلى الرجلين، فإذا رآها صاحبي قال: إن برد هذا خلق، وبردي جديد غض فتقول: وبرد هذا لا بأس به، ثم استمتعت منها، فلم نخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج مالك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن سلمة بن الأكوع قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها بعدها.
وفي شرح ابن العربي، لصحيح الترمذي، عن إسماعيل عن أبيه عن الزهري: أن سبرة روى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها في حجة الوداع، خرجه أبو داود قال: وقد رواه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه: فذكر فيه: أنه كان في حجة الوداع بعد الإحلال، وأنه كان بأجل معلوم، وقد قال الحسن: إنها في عمرة القضاء.
وفيه، عن الزهري: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع المتعة في غزوة تبوك.
أقول: والروايات كما ترى تختلف في تشخيص زمان نهيه صلى الله عليه وآله وسلم بين قائلة أنه كان قبل الهجرة، وقائلة بأنه بعد الهجرة بنزول آيات النكاح والطلاق والعدة والميراث وبنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر وزمن عمرة القضاء وعام أوطاس وعام الفتح وعام تبوك وبعد حجة الوداع، ولذا حمل على تكرر النهي عنها مرات عديدة، وإن كلا من الروايات تحدث عن مرة منها لكن جلالة بعض رواتها كعلي وجابر وابن مسعود مع ملازمتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وخبرتهم بالخطير واليسير من سيرته تأبى أن يخفى عليهم نواهيه صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي الدر المنثور، أخرج البيهقي عن علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المتعة وإنما كانت لمن لم يجد فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج النحاس عن علي بن أبي طالب: أنه قال لابن عباس: إنك رجل تائه إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج البيهقي عن أبي ذر قال: إنما أحلت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي صحيح البخاري، عن أبي جمرة قال: سئل ابن عباس عن متعة النساء فرخص فيها فقال له مولى له: إنما كان ذلك وفي النساء قلة والحال شديد، فقال ابن عباس نعم.
وفي الدر المنثور، أخرج البيهقي عن عمر: أنه خطب فقال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها لا أوتي بأحد نكحها إلا رجمته.
وفيه(الدرالمنثور)، أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن سبرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول: يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: والله ما كانت المتعة إلا ثلاثة أيام أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها، ما كانت قبل ذلك ولا بعد.
ما دل على عدم النسخ
وفي تفسير الطبري، عن مجاهد: فما استمتعتم به منهن قال: يعني نكاح المتعة.
وفيه (تفسير الطبري)، عن السدي: في الآية قال: هذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريئة، وعليها أن تستبرىء ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه.
وفي صحيحي البخاري ومسلم، ورواه في الدر المنثور، عن عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس معنا نساؤنا، فقلنا: أ لا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ورخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم.
وفي الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة عن نافع: أن ابن عمر سئل عن المتعة فقال: حرام فقيل له: إن ابن عباس يفتي بها، قال فهلا ترمرم بها في زمان عمر.
وفي الدر المنثور، أخرج ابن المنذر والطبراني والبيهقي من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما ذا صنعت؟ ذهب الركاب بفتياك، وقالت فيه الشعراء، قال: وما قالوا: قلت: قالوا: أقول للشيخ لما طال مجلسه. يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس؟. هل لك في رخصة الأطراف آنسة. تكون مثواك حتى مصدر الناس؟. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا والله ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت، ولا أحللتها إلا للمضطر، ولا أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج ابن المنذر من طريق عمار مولى الشريد قال: سألت ابن عباس عن المتعة أ سفاح هي أم نكاح؟ فقال: لا سفاح ولا نكاح، قلت: فما هي؟ قال: هي المتعة كما قال الله، قلت: هل لها من عدة؟ قال: عدتها حيضة، قلت: هل يتوارثان قال: لا.
وفيه (الدر المنثور)، أخرج عبد الرزاق وابن المنذر، من طريق عطاء عن ابن عباس قال: يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد، ولو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي، قال: وهي التي في سورة النساء: فما استمتعتم به منهن إلى كذا وكذا من الأجل على كذا وكذا، قال: وليس بينهما وراثة، فإن بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل فنعم، وإن تفرقا فنعم وليس بينهما نكاح، وأخبر: أنه سمع ابن عباس: أنه يراها الآن حلالا.
الذي حرَّم المتعة عمر
وفي تفسير الطبري، ورواه في الدر المنثور، عن عبد الرزاق وأبي داود في ناسخه عن الحكم: أنه سئل عن هذه الآية أ منسوخة؟ قال: لا، وقال علي: لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.
وفي صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث: أقول: ونقل عن جامع الأصول، لابن الأثير وزاد المعاد لابن القيم وفتح الباري لابن حجر وكنز العمال.
وفي الدر المنثور، أخرج مالك وعبد الرزاق عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب، فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب يجر رداءه فزعا، فقال: هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت: أقول: ونقل عن الشافعي في كتاب الأم والبيهقي في السنن الكبرى، وعن كنز العمال، عن سليمان بن يسار عن أم عبد الله ابنة أبي خيثمة: أن رجلا قدم من الشام فنزل عليها، فقال: إن العزبة قد اشتدت علي فابغيني امرأة أتمتع معها، قالت: فدللته على امرأة فشارطها وأشهدوا على ذلك عدولا، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه خرج فأخبر عن ذلك عمر بن الخطاب، فأرسل إلي فسألني أ حق ما حدثت؟ قلت: نعم قال: فإذا قدم فآذنيني، فلما قدم أخبرته فأرسل إليه فقال: ما حملك على الذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله ثم مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثم معك فلم تحدث لنا فيه نهيا، فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك، بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح.
وفي صحيح مسلم، ومسند أحمد، عن عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر، وفي لفظ أحمد: حتى إذا كان في آخر خلافة عمر رضي الله عنه.
وعن سنن البيهقي، عن نافع عن عبد الله بن عمر: أنه سئل عن متعة النساء فقال: حرام أما إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو أخذ فيها أحدا لرجمه بالحجارة.
وعن مرآة الزمان، لابن الجوزي: كان عمر رضي الله عنه يقول: والله لا أوتي برجل أباح المتعة إلا رجمته.
وفي بداية المجتهد، لابن رشد عن جابر بن عبد الله: تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر ونصفا من خلافة عمر ثم نهى عنها عمر الناس.
وفي الإصابة، أخرج ابن الكلبي: أن سلمة بن أمية بن خلف الجمحي استمتع من سلمى مولاة حكيم بن أمية بن الأوقص الأسلمي فولدت له فجحد ولدها، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة.
وعن زاد المعاد، عن أيوب: قال عروة لابن عباس: أ لا تتقي الله ترخص في المتعة؟ فقال ابن عباس: سل أمك يا عرية فقال عروة: أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا، فقال ابن عباس: والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله، نحدثكم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتحدثونا عن أبي بكر وعمر.
أقول: وأم عروة أسماء بنت أبي بكر تمتع منها الزبير بن العوام فولدت له عبد الله بن الزبير، وعروة.
وفي المحاضرات، للراغب: عير عبد الله بن الزبير عبد الله بن عباس بتحليله المتعة فقال له: سل أمك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك؟ فسألها فقالت: ما ولدتك إلا في المتعة.
وفي صحيح مسلم، عن مسلم القري قال: سألت ابن عباس عن المتعة فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أم ابن الزبير تحدث أن رسول الله رخص فيها فادخلوا عليها فاسألوها، قال: فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء فقالت: قد رخص رسول الله فيها.
أقول: وشاهد الحال المحكي يشهد أن السؤال عنها كان في متعة النساء وتفسره الروايات الأخر أيضا.
وفي صحيح مسلم، عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.
أقول: ورواه البيهقي في السنن، على ما نقل، وروي هذا المعنى في صحيح مسلم، في مواضع ثلاث بألفاظ مختلفة، وفي بعضها قال جابر: فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، فأتموا الحج والعمرة كما أمر الله، وانتهوا عن نكاح هذه النساء، لا أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته.
وروى هذا المعنى البيهقي في سننه وفي أحكام القرآن، للجصاص وفي كنز العمال، وفي الدر المنثور، وفي تفسير الرازي، ومسند الطيالسي، وفي تفسير القرطبي، عن عمر: أنه قال في خطبة: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج ومتعة النساء.
أقول: وخطبته هذه مما تسالم عليه أهل النقل، وأرسلوه إرسال المسلمات كما عن تفسير الرازي، والبيان والتبيين، وزاد المعاد، وأحكام القرآن، والطبري، وابن عساكر وغيرهم.
وعن المستبين، للطبري عن عمر: أنه قال: ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا محرمهن ومعاقب عليهن: متعة الحج، ومتعة النساء، وحي على خير العمل في الأذان.
تراجع عمر عن التحريم
وفي تاريخ الطبري، عن عمران بن سوادة قال: صليت الصبح مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها، ثم انصرف وقمت معه، فقال: أحاجة؟ قلت: حاجة، قال: فالحق، قال: فلحقت فلما دخل أذن لي فإذا هو على سرير ليس فوقه شيء، فقلت: نصيحة، فقال: مرحبا بالناصح غدوا وعشيا، قلت، عابت أمتك أربعا، قال: فوضع رأس درته في ذقنه، ووضع أسفلها في فخذه، ثم قال: هات، قلت: ذكروا أنك حرمت العمرة في أشهر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أبو بكر رضي الله عنه، وهي حلال، قال: هي حلال؟ لو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجهم، وهو بهاء من بهاء الله، وقد أصبت. قلت: وذكروا أنك حرمت متعة النساء، وقد كانت رخصة من الله، نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى السعة، ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها فالآن من شاء نكح بقبضة، وفارق عن ثلاث بطلاق. وقد أصبت. قال: قلت: وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها، قال: ألحقت حرمة بحرمة، وما أردت إلا الخير، وأستغفر الله، قلت: وتشكو منك نهر الرعية، وعنف السياق، قال: فشرع الدرة ثم مسحها حتى أتى على آخرها، ثم قال: أنا زميل محمد وكان زامله في غزوة قرقرة الكدر فوالله إني لأرتع فأشبع، وأسقي فأروي، وأنهز اللفوث، وأزجر العروض، وأذب قدري، وأسوق خطوي، وأضم العنود، وألحق القطوف، وأكثر الزجر، وأقل الضرب، وأشهر العصا، وأدفع باليد لو لا ذلك لأعذرت. قال: فبلغ ذلك معاوية فقال: كان والله عالما برعيتهم: أقول: ونقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، عن ابن قتيبة.
هذه عدة من الروايات الواردة في أمر متعة النساء، والناظر المتأمل الباحث يرى ما فيها من التباين والتضارب، ولا يتحصل للباحث في مضامينها غير أن عمر بن الخطاب أيام خلافته حرمها ونهى عنها لرأي رآه في قصص عمرو بن حريث، وربيعة بن أمية بن خلف الجمحي، وأما حديث النسخ بالكتاب والسنة فقد عرفت عدم رجوعه إلى محصل، على أن بعض الروايات يدفع البعض في جميع مضامينها إلا في أن عمر بن الخطاب هو الناهي عنها المجري للمنع، المقرر حرمة العمل وحد الرجم لمن فعل - هذا أولا -.
وأنها كانت سنة معمولا بها في زمن النبي في الجملة بتجويز منه صلى الله عليه وآله وسلم: إما إمضاء وإما تأسيسا، وقد عمل بها من أصحابه من لا يتوهم في حقه السفاح كجابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود، والزبير بن العوام، وأسماء بنت أبي بكر، وقد ولدت بها عبد الله بن الزبير - وهذا ثانيا -.
وأن في الصحابة والتابعين من كان يرى إباحتها كابن مسعود وجابر وعمرو بن حريث وغيرهم، ومجاهد والسدي وسعيد بن جبير وغيرهم - وهذا ثالثا -.
وهذا الاختلاف الفاحش بين الروايات هو المفضي للعلماء من الجمهور بعد الخلاف فيها من حيث أصل الجواز والحرمة أولا، إلى الخلاف في نحو حرمتها وكيفية منعها ثانيا وذهابهم فيها إلى أقوال مختلفة عجيبة ربما أنهي إلى خمسة عشر قولا.
*الميزان في تفسير القرآن ـ العلامة الطباطبائي ـ ج4، 78 -81 وص87 ـ 92.
1- النساء:24.
2- نفس المصدر.
3- البقرة:184.
4- البقرة: 196.
5- البقرة:256.
6- النساء:4.
7- النساء:20.
8- البقرة:236.
9- البقرة:237.
10- النساء:4.
11- المؤمنون:5-7.
12- الطلاق:1.
13- البقرة: 228.
14- النساء:12.
15- النساء:23.
16- النساء:3.
17- المؤمنون:5-6-7.
18- الطلاق:4.