الإيمان والتقوى ينمحان القدرة على الثبات في ساحات الجهاد
تربية دينية (مواعظ)
الإيمان والتقوى ينمحان القدرة على الثبات في ساحات الجهاد
عدد الزوار: 183
إنكم ولمعالجة المشاكل بحاجة إلى الجهاد والنضال والنضال والجهاد هذا متوقف على وجود قوة ذاتية داخلية. يصمد في ساحة الكفاح من كان يتمتع بتلك القوة الذاتية، وعندها يمكنه أن يعرف ويميّز بشكل صحيح ويسير باتجاه فهمه وإدراكه إن كانت القوة الذاتية فيه فاعلة وقوية. هذه القوة الداخلية هي الإيمان.
أ ــ المؤمنون في معركة الأحزاب مثالا
ولهذا تقرأون في سورة الأحزاب: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ . قضية الأحزاب كانت بالغة الأهمية. ولو أردنا في مقام المقارنة تشبيه الجبهة المعادية للجمهورية الإسلامية حاليًا بالصدر الأول من الإسلام، فالوضع الآن يشبه معركة الأحزاب. ذلك أنكم تشاهدون اليوم بأن كل عبيد الدنيا والمتسلّطين والظالمين وأهل القوة والجور والطغيان في جميع أنحاء العالم، وبمختلف مستويات القوى، قد اصطفوا مقابل الجمهورية الإسلامية وراحوا وما زالوا يهاجمونها من كل حدب وصوب، وهذا ما حدث بذاته في معركة الأحزاب أيضًا. فإن جميع سكان المدينة يومذاك، نساءً ورجالًا وصغارًا وكبارًا وأطفالًا، لربما لم يبلغوا عشرة آلاف نسمة. وقد قامت الأحزاب -وهم كفار ومشركو مكة- باختيار نخبة رجالهم المقاتلين من جميع الأقوام المتواجدة في تلك المنطقة، حتى بلغ عددهم عشرة آلاف مقاتل، وهجموا على المدينة، وهذه لم تكن بالقضية البسيطة السهلة. حيث قالوا نقتحم المدينة، ونبيد أهلها عن بكرة أبيهم، بما فيهم ذلك الذي يدّعي النبوة - أي النبي - وأصحابه، ونُنهي الأمر دفعة واحدة. على الرغم من أنّ النبي كان دأبه نقل أي حرب تقع، إلى خارج حدود المدينة وعدم البقاء فيها، غير أن هذه الحادثة كانت مهيبة ومرعبة وسريعة لدرجة، لم تسنح الفرصة للنبي أن ينظّم قواته ويعبّئهم خارج المدينة، واضطرّ إلى حفر خندق على أطرافها، ما أدى إلى أن تُعرف المعركة بمعركة الخندق. كانت واقعة مهمة جدًا. حسنًا، لقد واجه المؤمنون هذا الحدث. فقد انقسم أولئك الذين كانوا يعيشون تحت لواء النبي إلى فريقين: فريقٌ نُقل عنهم، قبل عدة آيات من الآية التي تلوتها، في نفس سورة الأحزاب، قولهم: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ ، حيث وعدنا بالنصر؛ تفضلوا: هذا جيش العدوّ قد أقبل للقضاء علينا. فقد استولى عليهم اليأس والإحباط واستحقار الذات أمام العدو، وظهرت في نفوسهم ميول قلبية خفية تجاه العدو. لكنّ الفريق الآخر الذي كان يشكّل الأكثرية، قال كلا، ليس الأمر كما يزعمون، ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، حيث أخبرونا أنّكم إذا نزلتم إلى الساحة، سيستنفر عوامل الكفر والاستكبار بأجمعهم لمعاداتكم: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، وتحقق ما وعداه من مجيء العدو وهجومه، وبدلًا من أن يثبّط هذا الأمر معنوياتهم: ﴿مَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ لله، وعزمًا وجزمًا للمواجهة والمجابهة. وهذا بسبب الإيمان. فلو قوي الإيمان في القلب وتجذّر، فلن تصعب مواجهة كل هذه المشاكل التي ذكرتموها - والتي أنا على اطلاع عليها، بل على علم بأكثر منها - وسيسهل التصدي لها، غاية الأمر أنّ للمواجهة طريقها وأسلوبها.
ب ــ المؤمنون في معركة أحد مثال معكوس
هذا في مقابل تلك الآية القرآنية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ . ففي معركة أحد لم يتمكن البعض من الصمود والاستقامة، وتركوا الساحة، وبدّلوا النصر إلى هزيمة. حيث كان المسلمون قد انتصروا في هذه الغزوة، لكن غفلة عدد قليل منهم أو خيانتهم أو انشدادهم إلى الدنيا وقصر نظرتهم، أدى إلى أن يتبدّل ذلك الانتصار إلى هزيمة وانكسار. ويقول الله إنّ أولئك الذين تسبّبوا في وقوع هذا الحدث، ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾، وتعرضوا لهذا المنزلق بسبب أعمال كانوا قد اقترفوها من قبل. أعزائي: هذه هي نتيجة اقتراف الذنوب، والغفلة عن الذات، وعدم مراعاة التقوى. إذا أردنا الصمود والاستقامة أمام جبهة الاستكبار، وأن نصل إلى تلك العزة، والشرف والاقتدار فإننا بحاجة إلى أن ندقق في سلوكياتنا الشخصية الدقة الكافية، وأن نحافظ على التقوى.
ج ــ إتباع الشهوات يزلزل الأقدام في مواقع الجهاد
يشير القرآن في موضعين إلى انحطاط الأمم التي آمنت أولًا، ثم أصيبت بالانحطاط في أجيالها اللاحقة. فيقول في سورة مريم: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾، أي إنّ الأسلاف جاهدوا وآمنوا، ثم جاء من بعدهم خلْفٌ - و«الخلْف» بسكون اللام هي الضدّ في المعنى من «الخلَف» بفتحها، فالخلْف هو الجيل الفاسد، والخلَف هو الجيل الصالح، وهنا يقول: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ - ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾ أولًا، ﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ الشخصية، ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ . فإن هذين العاملين - إضاعة الصلاة واتّباع الشهوات - يسوقان تلك القوات التي يجب عليها الصمود والثبات في مقام الجهاد والنضال، والذي من المؤكّد أن يؤدي صمودهم هذا إلى النصر، يسوقانهم إلى الضعف والوهن والخواء.
1- سورة الأحزاب، الآية 22.
2- سورة الأحزاب، جزء من الآية 12.
3- سورة الأحزاب، جزء من الآية 22.
4- سورة آل عمران، جزء من الآية 155.
5- سورة آل عمران، جزء من الآية 155.
* من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله لدى لقائه جمع من طلاب الجامعات والاتحادات الطلابية 2/7/2016 .