يقول تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعً﴾1.
هذه الآية أعطت الحرمة للإنسان بعنوانه الإنساني بغضّ النظر عن أيّة صفة لاحقة به، مفيدةً أن الخروج عن أصل الحرمة هذه يحتاج إلى عنوان خاص كأن يكون قاتلاً أو مفسداً في الأرض.
وحرمة الإنسان هذه تعلو وتعظم كلّما علا الإنسان في تكامله، فإذا وصل إلى مرحلة الإيمان تصل درجة حرمته إلى الحدّ الذي عبّر عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما نظر إلى الكعبة وقال: "مرحباً بالبيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله، والله للمؤمن أعظم حرمة منك"2.
والذي عبَّر عنه (صلى الله عليه وآله) بقوله: "مثل المؤمن كمثل ملك مقرَّب، وإن المؤمن أعظم حرمةً عند الله من ملك مقرَّب"3.
وحرمة المؤمن هذه تقتضي مراعاة خاصة في تعامل الناس معه، والحدّ الأدنى لهذه المراعاة هو عدم أذيّته وهذا ما أكدَّت عليه الأحاديث الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليه السلام).
فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "من آذى مؤمناً فقد آذاني4".
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "قال الله عزَّ وجل: ليأذن بحربٍ منّي من آذى عبدي المؤمن"5.
هذا فضلاً عن تأثير إيذائه على سعادة الإنسان، فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): "كفُّ الأذى من كمال العقل، وفيه راحة للبدن عاجلاً وآجلاً . 6"
كيف تتحقق الأذيّة؟
إنَّ التأمل فيما تقدّم يجعل الإنسان حريصاً على عدم الإقدام على أيّ أمر يؤدي إلى الأذيّة التي تتحقّق بأمور كثيرة منها:
1- النظرة، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها أخافه الله تعالى يوم لا ظلّ إلا ظلّه"7.
2- الكلمة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقي الله عزّ وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي"8.
3- الضرب، فعن الإمام علي(عليه السلام): "من ضرب رجلاً سوطاً ظلماً ضربه الله تبارك وتعالى بسوط من نار"9
إضافة إلى استحقاق فاعله للعقاب الإلهي، فإنّه موجب شرعاً لبدل مالي يجب على الضارب أن يقدِّمه لمن ضربه.
4- إشهار السلاح عليه: عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "من أشار إلى أخيه المسلم بسلاحه لعنته الملائكة حتى ينحيه عنه"10
وروى محمد بن مسلم عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: "من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر، اقتص منه ونفي من تلك البلد. ومن شهر السلاح في غير الأمصار، وضرب، وعقر، وأخذ الأموال ولم يَقُتل، فهو محارب وجزاؤه جزاء المحارب وأمره إلى الإمام إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله. وإن ضرب وقتل وأخذ المال، فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة، ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال، ثم يقتلونه"11.
سماحة الشيخ د. أكرم بركات - بتصرّف
1- المائدة، 32.
2- المجلسي، بحار الأنوار، ج64، ص 71.
3- المصدر السابق، ص 72.
4- المصدر السابق، ص 72.
5- الكليني، الكافي، ج2، ص 350.
6- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1، ص 66.
7- المرجع السابق نفسه.
8- الكليني، الكافي، ج3، ص 68.
9- القاضي، النعمان، دعائم الإسلام، ج2، ص 541.
10 - الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج9، ص 148.
11- الهندي، الفاضل، كشف اللثام، ج10، ص 642.