روي عن الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «المؤمنُ من دعائِه على ثلاثٍ: إمّا أنْ يُدَّخرَ له، وإمّا أنْ يُعجَّلَ له، وإمّا أنْ يُدفعَ عنه بلاءٌ يريدُ أنْ يُصيبَه».
يُمثِّلُ الدعاءُ روحَ العبوديةِ للهِ عزَّ وجلَّ، لأنَّه حديثُ الحاجةِ بين العبدِ وربِّه، ومن هنا كان الحثُّ الشديدُ من أهلِ البيتِ (عليهم السلام) على التوسُّلِ بالدعاءِ إلى اللهِ لقضاءِ الحوائجِ، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «الدعاءُ هو التحدّثُ مع اللهِ سبحانه وتعالى، وبحسبِ تعبيرِ إمامِنا الخمينيِّ الجليلِ: "الدعاءُ هو القرآنُ الصاعدُ"، حين تقرأُ القرآنَ، فإنَّ اللهَ هو الذي يُكلِّمُك، وقراءتُك للقرآنِ هي القرآنُ النازلُ؛ لأنَّ اللهَ يتحدّثُ إليكَ، ويُبيِّنُ لكَ الحقائقَ التي تنزلُ من الأعلى، أمّا حين تدعو اللهَ فأنت الذي تُكلِّمُه، ودعاؤك، وصوتُك يرتقيانِ صعوداً».
ومن أعظمِ النعمِ الإلهيّةِ على شيعةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) ما وردَ على لسانِ أئمّتهِم من الأدعيةِ التي احتوتْ على معارفَ وحقائقَ وأعظمُها الصحيفةُ السجاديُة التي احتوتْ على أربعةٍ وخمسينَ دعاءً من أدعيةِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام)، والتي يوصي الإمامُ الخامنئيُّ بها بقولِه: «استأنسوا بالصحيفةِ السجاديةِ قدرَ الإمكانِ. هي كتابٌ في غايةِ العظمةِ. ما قيلَ في حقِّ هذا الكتابِ بأنّه زبورُ آلِ محمَّدٍ حقيقيٌّ بالفعلِ؛ هو مليءٌ بالنغماتِ المعنويةِ».
وتشيرُ الروايةُ عن الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) إلى أنَّ الإنسانَ لن يخيبَ في دعائِه، بل سوفَ يخرجُ منه بثمرةٍ من ثلاث:
1- أنْ يُحفظَ له دعاؤه: فالأوقاتُ التي يتوجَّه فيها الداعي إلى اللهِ عزَّ وجلَّ تُسجَّلُ في صحيفةِ أعمالِه ثواباً، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إنَّ الربَّ ليلي حسابَ المؤمنِ فيقولُ: تعرفُ هذا الحسابَ؟ فيقولُ: لا يا ربّ، فيقولُ: دعوتَني في ليلةِ كذا وكذا في كذا وكذا فذخرتُها لك. قالَ: فمِمَّا يَرى من عظمةِ ثوابِ اللهِ يقولُ: يا ربّ ليتَ إنّك لم تكنْ عجَّلتَ لي شيئاً وادّخرتَه لي». بل هذا الطلبُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ يجعلُ له السبقَ على غيرِه في يومِ القيامةِ، فقد رويَ عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله): «يدخلُ الجنّةَ رجلانِ كانا يعملانِ عملاً واحداً، فيرى أحدُهما صاحبَه فوقَه، فيقولُ: يا ربّ بما أعطيتَه وكان عملُنا واحداً؟ فيقولُ اللهُ تباركَ وتعالى: سألَني ولم تسألْني».
2- أنْ تُقضى حاجتُه: فإنّ الحاجةَ قد يتوقفُ الوصولُ إليها على التوجُّهِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ وطلبِها منه، وبهذا يكونُ التوسُّلُ إلى اللهِ مِنْ أسبابِ الغيبِ لتحقُّقِها، فقد رويَ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إنَّ ربَّكم حيٌّ كريمٌ، يستحيي أنْ يبسطَ العبدُ يديه إليه فيردَّهما صفراً».
3- أنْ يدفعَ اللهُ عزَّ وجلَّ عنه البلاءَ ببركةِ الدعاءِ: وقد وردَ عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله): «إنَّ الحذرَ لا يُنجي من القدرِ، ولكنْ ينجي من القدرِ الدعاءُ».
ومن هنا كانَ لا بدَّ أنْ يتوجَّهَ من يُبتلى بالشدائدِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ ذلك يُسرّعُ في الفرجِ والخروجِ منها، فقد رويَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) أنّه قالَ لأصحابِه: «هل تعرفونَ طولَ البلاءِ من قِصَرِه؟» قلنا: لا، قال: «إذا ألهِمَ أحدُكم الدعاءَ عند البلاءِ فاعلموا أنَّ البلاءَ قصيرٌ».
عظَّمَ اللهُ أُجورَنا وأُجُورَكُم باستشهادِ الإمام عليّ بن الحُسين زَين العابِدين عليهما السلام.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين