يتم التحميل...

عرفان عاشوراء

محرم

عرفان عاشوراء

عدد الزوار: 197



تتجلّى عظمةُ كربلاءَ في أنّها في كلِّ حدثٍ من أحداثِها تُشكِّلُ مدرسةً يُقتدى بها. ومن مشاهدِ كربلاءَ العظيمةِ ما أشارَ إليه الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه) بقولِه: «إنْ نظرْنَا إلى واقعةِ عاشوراءَ وأحداثِ كربلاءَ، فمع أنَّها ساحةُ قتالٍ وسيفٍ وقتلٍ، لكنّكم ترَوْنَ الحسينَ (عليه السلام) يتكلّمُ ويتعاملُ بلسانِ الحبِّ والرضى والعرفانِ مع اللهِ تعالى»، ويقول أيضاً: «إنّ واقعةَ عاشوراءَ تُعدُّ بحدِّ ذاتِها واقعةً عرفانيّةً. ومع أنّها امتزجتْ بالقتالِ والقتلِ والشهادةِ والملحمةِ، ولكنْ إنْ نظرتُمْ إلى عمقِ نسيجِ هذه الواقعةِ الملحميَّةِ لرأيتم معالمَ العرفانِ، والمعنويّةِ، والتضرُّعِ، وجوهريّةَ دعاءِ عرَفَة». إذاً، فهذا هو بعدٌ آخرٌ في شخصيّةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، وهو ما ينبغي أن يكونَ موضعَ اهتمامٍ إلى جانبِ البُعدِ الأولِ المتمثّلِ بالجهادِ والشهادةِ، بل إنَّ الجهادَ والشهادةَ هما ثمرةُ تلك الروحِ المعنويّةِ. يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «إنَّ هذا الاندفاعَ المعنويَّ، والعرفانَ، والابتهالَ إلى اللهِ والفناءَ فيه، وعدمَ رؤيةِ الذاتِ أمامَ إرادتِه المقدَّسةِ هو الذي أضفى على واقعةِ كربلاءَ هذا الجلالَ والعظمةَ والخلودَ؛ أو بعبارةٍ أخرى: إنَّ البُعدَ الأولَ؛ أي بُعدَ الجهادِ والشهادةِ، جاءَ كحصيلةٍ ونتاجٍ للبُعدِ الثاني، أي تلك الروحِ العرفانيّةِ والمعنويّةِ التي يفتقدُ إليها الكثيرُ من المؤمنينَ ممّن يجاهدونَ وينالونَ الشهادةَ بكلِّ ما لها من كرامة. تلك الروحِ العرفانيّةِ والمعنويّةِ نفسُها تجدُها في شهادةٍ أخرى نابعةً من روحِ الإيمانِ، ومنبثقةً من قلبٍ يتحرّقُ شوقاً، وصادرةً عن روحٍ متلهّفةٍ للقاءِ اللهِ، ومستغرقةٍ في ذاتِ الله».

وتجلّياتُ هذا الأمرِ تظهرُ في مواطنَ عديدةٍ من بدايةِ أحداثِ عاشوراء حتّى نهايتِها:

1- إعلانُ الخروجِ، فقد جعلَ الإمامُ (عليه السلام) شرطاً لمن يخرجُ معه، أنْ يكونَ موطِّناً نفسَه على لقاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فقد وردَ أنّه حينَ خروجه (عليه السلام) من مكّةَ كان يقول: «مَنْ كانَ باذِلاً فينا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْحَلْ مَعَنا».

2- طلبُ رضى الله عزَّ وجلَّ، فعندما زارَ (عليه السلام) قبرَ جدِّه رسولِ اللهِ (ص) مودِّعاً قال: «وَأَنَا أَسْأَلُكَ يا ذَا الْجَلالِ وَالاْكْرامِ! بِحَقِّ هذَا الْقَبْرِ وَمَنْ فيهِ [إِلّا] ما اخْتَرْتَ مِنْ أَمْري هذا ما هُوَ لَك رِضىً».

3- النفسُ موقوفةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، ففي كتابِه (عليه السلام) الذي أرسلَه مع مسلمٍ بنِ عقيلٍ إلى أهلِ الكوفةِ يقولُ (عليه السلام): «فلعمري، ما الإمامُ إلّا العاملُ بالكتابِ، والآخذُ بالقسطِ والدائنُ بالحقِّ، والحابسُ نفسَه على ذاتِ الله».

4- لمّا أصبحت الخيلُ تُقبلُ على الإمام الحسينِ (عليه السلام) رفعَ يديه، وقال: «أللّهُمَّ، أَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْبٍ، وَأنْتَ رَجائي في كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ لي في كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ».

5- وفي اللحظاتِ الأخيرةِ من حياتِه الشريفةِ، نادى (عليه السلام): «صَبْراً عَلى قَضائِكَ يا رَبِّ! لا إِلهَ سِواكَ، يا غِياثَ الْمُسْتَغيثينَ، ما لي رَبٌّ سِواكَ، وَلا مَعْبُودٌ غَيْرُكَ، صَبْراً عَلى حُكْمِكَ، يا غِياثَ مَنْ لا غِياثَ لَهُ، يا دائِماً لا نَفادَ لَهُ، يا مُحْيِيَ الْمَوْتى، يا قائِماً عَلى كُلِّ نَفْس بِما كَسَبَتْ، اُحْكُمْ بَيْني وَبَيْنَهُمْ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْحاكِمينَ».

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

2019-09-05