يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون﴾1.
عن أبي ذر (رض): "صليت مع رسول الله يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهمَّ اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً، وكان عليَّ راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى، وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم موسى سألك فقال: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾2 فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَ﴾3 )اللهم وأنا محمد نبيَّك وصفيَّك، اللهمَّ واشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي عليا اشدد به ظهري) . قال أبو ذر: فما استتم رسول الله صلى الله عليه وآله الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل من عند الله تعالى: فقال: يا محمد، إقرأ4 قال: وما أقرأ، قال اقرأ: الصدقة ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾5.
فضل الصدقة
﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾6.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "خُلَّتان لا أحب أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي؛ فإنه من صلاتي، وصدقتي فإنها من يدي إلى يد السائل، فإنها تقع في يد الرحمن"7.
والصدقة على نوعين: صدقة سرّ وصدقة علانية، وقد ذكر الله تعالى هذين النوعين بقوله: " إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ "8.
صدقة العلن
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "صدقة العلانية تدفع سبعين نوعاً من البلاء"9
وورد عن الإمام علي (عليه السلام): "صدقة العلانية، فإنها تدفع ميتة السوء"10
صدقة السرّ
عن الإمام الصادق (عليه السلام): صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ"11
وورد عنه (صلى الله عليه وآله): "سبعة في ظل عرش الله عزّ وجل يوم لا ظلّ إلا ظلّه...رجل تصدّق بيمينه فأخفاه عن شماله"12
وورد أنّ الإمام السجّاد (عليه السلام) كان يخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره حتى يأتي باباً فيقرعه، ثم يناول من كان يخرج إليه، وكان يغطّي وجهه لئّلا يعرفه.
آثار الصدقة
1- تدفع البلاء: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "الصدقة تمنع سبعين نوعاً من أنواع البلاء"13.
2- تدفع القضاء: عن رسول الله (صلى الله عليه آله): "الصدقة... تدفع القضاء وقد أُبرم إبراماً"14.
3- تزيد العمر: فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه آله): تصدّقوا، وداووا مرضاكم بالصدقة؛ فإنّ الصدقة تدفع عن الأعراض والأمراض، وهي زيادة في أعماركم وحسناتكم"15.
4- تدفع ميتة السوء: فعن الإمام الباقر (عليه السلام): "البرّ والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان سبعين ميتة سوء"16.
5- تجلب الرزق: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة"17.
6- تبرِّد القبر: فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنّ الصدقة لتطفىء عن أهلها حرّ القبور"18.
7- تُظلُّ المتصدّق يوم القيامة: فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "أرض القيامة نار ما خلا ظلِّ المؤمن، فإنَّ صدقته تظلّه"19.
على من يتصدَّق الإنسان؟
1- الرحم، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لا صدقة وذو رحم محتاج"20، وعنه (صلى الله عليه وآله): "أفضل الصدقة على اختك وابنتك"21، وعنه (صلى الله عليه وآله): "أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله"22.
2- المحتاج، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "أفضل الصدقة إبراد الكبد الحرّي"23.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أفضل الصدقة ظلّ فسطاط في سبيل الله عزَّ وجل"24.
3- المتعفِّف، قال تعالى: "وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ"25، "لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا "26.
الإقراض
ولأجل إصابة العمل لحاجة الآخر، وصوناً لتعفّفه، وحثّاً له على العمل كان هناك عمل أفضل من الصدقة هو الإقراض، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة"27.
تأمين فرص العمل
ومن روحية تفضيل الإقراض على الصدقة، وكذا من الفضل الكبير لقضاء حوائج الناس تأتي أهمية وفضل وقيمة تأمين فرص العمل للمحتاجين والذين يسعون للكدّ على عيالهم، فيكون سعيهم كالجهاد في سبيل الله تعالى، أليس "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله"28، فمن يؤمِّن فرصة عمل لهذا الكادّ فهو كمن يسعى لتحقيق عمل جهادي في سبيل الله. فمن كان عنده مؤسسة تجارية يعمل فيها الناس، فعليه أن ينوي القربة في تأمين فرص عملهم.
وعندها يمكن له حينما يحتسب أرباحه السنوية أن يلتفت إلى هذا الربح المعنوي الكبير في قضاء حوائج هؤلاء.
سماحة الشيخ الدكتور الشيخ أكرم بركات
1- المائدة، 55.
2- طه، 25-32.
3- القصص، 35.
4- الطباطبائي، تفسير الميزان، ج6، ص 21.
5- المائدة، 55.
6- التوبة 104.
7- المجلسي، بحار الأنوار، ج77، ص 329.
8- البقرة 271.
9- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج2، ص 1601.
10- المرجع السابق نفسه.
11- المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص 82.
12- المصدر السابق، ج81، ص 2.
13- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج2، ص 1595.
14- المرجع السابق نفسه.
15- المرجع السابق نفسه.
16- المجلسي، بحار الأنوار، ج93، ص 119.
17- الريشهري، محمد، ميزان، ج2، ص 1596.
18- المرجع السابق، ص 1594.
19- المرجع السابق نفسه.
20- المجلسي، بحار الأنوار، ج93، ص 147.
21- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج7، ص 194.
22- المتقي الهندي، كنز العمّال، ج16، ص 267.
23- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج2، ص 1599.
24- المرجع السابق نفسه .
25- سورة البقرة، الآية 272.
26- البقرة 273
27- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج3، ص 2549.
28- الحلي، تحرير الأحكام، ج2، ص 247.