يتم التحميل...

تصدَّقوا

ذو الحجة

تصدَّقوا

عدد الزوار: 190



عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إنَّ على كلِّ مسلمٍ في كلِّ يومٍ صدقةً»، قيل: منْ يُطيق ذلك؟ قال (صلى الله عليه وآله): «إماطتُكَ الأذى عن الطريقِ صدقةٌ، وإرشادُكَ الرجلَ إلى الطريقِ صدقةٌ، وعيادتُكَ المريضَ صدقةٌ، وأمرُكَ بالمعروفِ صدقةٌ، ونهيُكَ عن المنكرِ صدقةٌ، وردُّكَ السلامَ صدقةٌ».

من الأمورِ التربويّةِ التي وردتْ في تشريعاتِ الإسلامِ الحنيفِ، والتي أريدَ لها أنْ تكونَ قواماً للمجتمع النموذجيِّ، الصدقةُ والعطاءُ الذي يصدرُ عن المسلم بنيّةٍ خالصةٍ لوجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ، بما يحملُه من بُعدِ التكافلِ الاجتماعيِّ، كما أنَّ من أهمِّ المواصفاتِ أو الصفاتِ -التي أحبَّها اللهُ سبحانه وتعالى وأرادَها في عبدِه المؤمنِ إلى جانبِ إقامةِ الصلاةِ التي هي معراجُ المؤمنِ- صفةَ الإنفاقِ أو ما وردَ في القرآنِ الكريمِ بتعابيرَ مختلفةٍ. إمّا بتعابيرِ الإنفاقِ ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ﴾، أو بتعابيرِ إيتاءِ الزكاةِ ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ أو بتعابيرِ الصدقةِ والتصدُّقِ ﴿الْمُصَدِّقِينَ﴾.

وقد جعلَ الإسلامُ لهذا العملِ خصائصَ تدفعُ لضمانِ استمرارهِ وبقائِه:
1- ربطَ الصدقةَ باللهِ عزَّ وجلَّ، من خلالِ شرطِ النيَّةِ الخالصةِ له، فلا يترتَّبُ عنوانُ الصدقةِ إذا لم يأتِ بها الإنسانُ بنيَّةِ التقرُّبِ منهُ عزَّ وجلَّ.
2- الأخذُ الإلهيُّ للصدقةِ، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾، وكما وردَ في الروايةِ تفسيراً للآيةِ المباركةِ: وذلك إنّها تقعُ في يدِ اللهِ قبلَ أنْ تقعَ في يدِ السائلِ.
3- إنّ أعظمَ نفعٍ من الصدقةِ يعودُ أوّلاً على المتصدِّقِ تطهيراً له عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
4- إنّ الصدقةَ لا ينتهي نفعُها عند حدٍّ معيَّنٍ بالنسبةِ إلى المتصدِّقِ، بل هي دائمةُ النفعِ له، قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾، فخاصيَّةُ الصدقاتِ أنَّها تُنمِّي المالَ؛ لأنَّها تنشرُ الرحمةَ وتُورثُ المحبّةَ وحسنَ التفاهمِ وتألّفَ القلوبَ، وتدعو إلى الاتّحادِ والمساعدةِ والمعاونةِ.
5- توسعةُ مفهومِ الصدقةِ، فكلُّ معروفٍ صدقةٌ، فالنصيحةُ صدقةٌ، وقد رويَ عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله): «تصدَّقوا على أخيكم بعلمٍ يُرشدُه، ورأيٍ يُسدِّدُه»، وعن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «صدقةٌ يُحبُّها اللهُ: إصلاحٌ بين الناسِ إذا تفاسدوا، وتقاربٌ بينهم إذا تباعدوا».

إنّ من عظمةِ هذا الفعل أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لمّا أرادَ دلالةَ الناسِ على من يكونُ أولى بهم من أنفسِهم وإرشادَهم إلى وجوبِ تولِّيه، اختارَ فعلَ الصدقةِ الصادرَ منه، لبيانِ عظيمِ فضلِه، فقد نزلَ في تصدّقِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) بخاتمِه في 24 ذي الحجَّة قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾، وخاطبَهُ النبيُّ (صلى الله عليه وآله) ذلك اليومَ بقولِه: «فقد باهى اللهُ بكَ ملائكتَه اليومَ».

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

2019-08-23