أشار الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) خلال فترة رسالته وبشكل متكرر إلى مسألة الخلافة بعده حيث اعتبرها أمراً يعود لله تعالى. وإذا كانت الكتب الشيعية تؤكد على مسألة تنصيب الإمام من قبل الله تعالى فإن الكثير من كتب أهل السنة قد صرحت بذلك أيضاً.
يتحدث الطبري في تاريخه عن أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وبعد مضي ثلاث سنوات على بداية البعثة جاءه أمر من الله تعالى بدعوة عشيرته إلى الإسلام حيث نزلت الآية الشريفة: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾[1].عند ذلك جمع الرسول (صلى الله عليه وآله) قادة بني هاشم حيث حدثهم بأنه يريد لهم خير الدنيا والآخرة.
وأخبرهم بأمر الله تعالى له لدعوتهم إلى الإسلام داعياً إياهم إلى مساندته على أن يكون أخاه ووصيه وخليفته. وكرر دعوته ثلاث مرات حيث كان ينهض الإمام علي (عليه السلام) في كل مرة ليعلن موقفه المساند للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله). هنا وقف الرسول (صلى الله عليه وآله) وقال: "إن هذا أخي ووصيّ وخليفتي فيكم"[2].
ويتحدث الطبري في مكان آخر بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) عندما كان يتجول في قبيلة بني عامر داعياً إياهم إلى الإسلام، أعلن أحد الأشخاص قبوله الدعوة، وتوجه إليه قائلاً هل ستؤول قيادة المسلمين إلينا من بعدك إذا ما نصرك الله على عدوك؟ خاطبه الرسول (صلى الله عليه وآله) قائلاً: "الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء"[3].
أراد الرسول (صلى الله عليه وآله) من هذا النوع من الكلام الصريح والواضح اعداد الأذهان وتهيئة الأرضية لوصول الخطاب الإلهي الأخير حول قيادة الأمة الإسلامية، لذلك كان يشير إلى مسألة الولاية والقيادة من بعده ويتحدث عن أن علياً (عليه السلام) هو أفضل شخص مؤهل لهذا المنصب. وفي النهاية تحقق الوعد الذي كان ينتظره وقام الرسول (صلى الله عليه وآله) خطيباً بين أعداد كبيرة من المسلمين كانت عائدة من الحج حيث جمعهم في مكان يدعى غدير خم، وأعلن من هناك تنصيب الإمام علي (عليه السلام) وأولاده لخلافة المسلمين، وبقيت العبارة المشهورة التي تؤكد ولاية وخلافة علي (عليه السلام): "من كنت مولاه فهذا عليُّ مولاه" وبعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) تغيرت الأوضاع وبدأت حملة واسعة تعارض ولاية الإمام علي (عليه السلام) وتخالف حديث الغدير. وبما أنهم كانوا عاجزين عن إنكار واقعة الغدير، لجؤوا إلى تأويلات وتفسيرات متعددة. قالوا إن المقصود من عبارة "المولى" هو النصير والمحب والصديق لعلهم بذلك يتمكنون من تحريف الحديث والوصول إلى مبتغاهم. وفيما يلي نشير إلى بعض الشواهد التي تثبت أن المقصود من "المولى" هو الإمامة والقيادة من خلال مقاطع من حديث الغدير الشريف:
ألف ـ تحدث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في يوم الغدير قائلاً: "لا إله إلا هو ـ لأنه قد أعلمني أني إن لم أُبلغ ما أنزل إليَّ في حق عليَّ فما بلغت رسالته، فقد ضمن لي (تبارك وتعالى) العصمة من الناس وهو الله الكافي الكريم، فأوحى إليَّ.
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ [في علي "يعني في الخلافة لعلي بن أبي طالب"] وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[4].
معاشر الناس! ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إليَّ، وأنا أبين لكم سبب هذه الآية.
إن جبرائيل (عليه السلام) هبط إليَّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد، فَأُعِلم كل أبيض وأسود أنَّ عَلي بن أبي طالب، أخي ووصيِّ وخليفتي على أمتي والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وهو وليكم بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تبارك وتعالى عَليَّ بذلك آية من كتابه: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[5].
وعلي بن أبي طالب الذي أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عزَّ وجلَّ في كل حال.
ب ـ معاشر الناس! لا تضلوا عنه ولا تنفروا منه، ولا تستنكفوا من ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهي عنه، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
معاشر الناس فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.
معاشر الناس إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته ولن يغفر لله له، حتماً على الله أن يفعل ذلك ممن خالف أمره فيه وأن يعذبه عذاباً نكراً، أبد الآباد ودهر الدهور.
فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا ناراً وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.
ج ـ ألا إن جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول: "من عادى علياً ولم يتوله فعليه لعنتي".
د ـ معاشر الناس... من كنت مولاه فهذا عليُّ مولاه، وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيّي وموالاته من الله عزَّ وجلَّ أنزلها عَلَيَّ.
هـ ـ ألا وقد بلغت، ألا وقد اسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا وإنّ الله عزَّ وجلَّ قال وأنا قلت عن الله عزَّ وجلَّ، الا أنه لا أمير المؤمنين غير أخي هذا.
و ـ معاشر الناس! هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي، وخليفتي في أمتي... إنه خليفة رسول الله وأمير المؤمنين، والإمام الهادي إلى الله...
ز ـ معاشر الناس! إنما أكمل الله عزَّ وجلَّ دينكم بإمامته فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة، والعرض على الله عزَّ وجلَّ، فأولئك الذين حبطت أعمالهم، وفي النار هم خالدون، لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون"[6].
أكبر أسد عليزاده
[1] سورة الشعراء، الآية: 214.
[2] تاريخ الطبري، محمد بن جرير، طبعة بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1979م، ج2، ص64 ـ 66؛ مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص159.
[3] الطبري، المصدر نفسه، ج2، ص84؛ تاريخ ابن الأثير، ج2، ص65؛ السيرة العلوية، ج2، ص3؛ سيرة ابن هشام، ج2، ص32.
[4] سورة المائدة، الآية: 67.
[5] سورة المائدة، الآية: 55.
[6] العلامة الأميني، الغدير، ج1، ص159.
ـ الاحتجاج، أبي منصور أحمد بن أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، تحقيق إبراهيم بهادري، ومحمد هادي؛ تحت اشراف العلامة جعفر السبحاني، طهران، انتشارات اسوة التابعة لمنظمة الأوقاف والشؤون الخيرية، 1413هـ.ق، ج1، ص138 ـ 160.
ـ تفسير الصافي، محسن فيض الكاشاني، مشهد، دار المرتضى للنشر، ج2، ص52، 66.
ـ راجع واقعة الغدير الكبرى، محمد الدشتي وأسرار الغدير، محمد باقر الأنصاري.