يتم التحميل...

ما يستحب لمن عزم السفر

آداب السفر

ما يستحب لمن عزم السفر

عدد الزوار: 700



ذكروا للسفر آداباً ومستحبات يترجح مراعاتها والقيامُ بها كلاً أو بعضاً لكونها مستحبة في ذاتها ولكونها منطلقاً لتحصيل العناية الإلهية والرحمة السماوية التي تمهد سبيل النجاح في نيل الغاية التي سافر من أجلها وتزيل الحواجز والعقبات التي قد تعترض سبيل نجاحه ونيل أمنيته.

وهذه المستحبات كثيرة سأقتصر على ذكر بعضها وهو الأهم وهي كما يلي: على ضوء ما ورد في الجزء الأول من مفتاح الجنات للمرحوم السيد الأمين (قده) وما ورد في مفاتيح الجنان للمرحوم القمي (قده) والأكثر منقول من الأول.

1- منها: استحباب قراءة الدعاء التالي عند إرادة السفر: (اللهم بك يصول الصائل وبقدرتك يطول الطائل ولا حول لكل ذي حول إلا بك ولا قوة يمتارها ذو قوة إلا منك بصفوتك من خلقك وخيرتك من بريتك محمد نبيك وعترته وسلالته عليه وعليهم السلام صل عليهم واكفني شر هذا اليوم وضره وارزقني خيَره ويُمنه واقضِ لي في مُتصرفاتي بحسن العاقبة ونيل المحبة والظفر بالأمنية وكفاية الطاغية وكل ذي قدرة على أذية حتى أكون في جُنة وعِصمة من كل بلاء ونقمة وأبدلني فيه من المخاوف أمناً ومن العوائق يُسراً حتى لا يصدني صادّ عن المراد ولا يحلّ بي طارق من أذى العباد إنك على كل شيء قدير والأمور إليك تصير يا من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).

2- ومنها: استحباب أن يختار الرفقة الملائمة من الثلاثة فصاعداً ويكره أن يسافر وحده، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شر الناس من سافر وحده ومنع رفده وضرب عبده.
وإذا اضطر للسفر وحده فليقل: (ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا با‏لله اللهم آنس وحشتي وأعني على وحدتي وأد غيبتي).

3- ومنها: استحباب أن يُوصي والوصية بصورة عامة قسمان:
الأول الوصية الواجبة:
وهي التي يتوقف عليها تأدية واجب مالي كديون الناس ومنها الحقوق الشرعية المتعلقة بماله أو الثابتة في ذمته ويُلحق بها الحج إذا كان وجوبه مستقراً في ذمته بسبب استطاعته سابقاً مع تسامحه في تأديته في سنة الاستطاعة.
ومثل الواجب المالي- الواجب البدني كالصلاة والصوم ونحوهما من الواجبات البدنية إذا توقفت تأديتها على الإيصاء بها.
والقسم الثاني من الوصية:
هو المستحب بالنسبة إلى الأمور المستحبة.

4- ومن مستحبات السفر التقاط خمس حصيات بعدد أولي العزم وذلك من أجل أن تكون معه في سفره وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمّد بن عبدا‏لله صلى الله عليهم أجمعين.

5-ومنها: صلاة ركعتين عند إرادة السفر ويقول بعدهما: (اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذريتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي).
6-ومنها: أن يجمع عياله عند إرادة السفر في بيت ثم يقول: (اللهم إني أستودعك الساعة نفسي وأهلي ومالي وديني وذريتي ودنياي وآخرتي اللهم احفظ الشاهد منا والغائب اللهم احفظنا واحفظ علينا اللهم اجعلنا في جوارك اللهم لا تسلبنا نعمتك ولا تغير ما بنا من عافيتك وفضلك).
ثم يقول: (مولاي انقطع الرجاء إلا منك وخابت الآمال إلا فيك أسألك إلهي بحق من حقه واجب عليك ممن جعلتَ له الحق عندك- أن تصلي على محمّد وآل محمّد وأن تقضي حاجتي).

ثم يقال: (محمّد أمامي وعلي ورائي وفاطمة فوق رأسي والحسن عن يميني والحسين عن يساري وعلي ومحمّد وجعفر وموسى وعلي ومحمّد وعلي والحسن والحجة عليهم السلام حولي).
(إلهي ما خلقت خلقاً خيراً منهم فاجعل صلاتي بهم مقبولة ودعواتي بهم مستجابة وحوائجي بهم مقضية وذنوبي بهم مغفورة وآفاتي بهم مدفوعة وأعدائي بهم مقهورة ورزقي بهم مبسوطاً).

ثم يقول: (اللهم صلى على محمّد وآل محمّد ثلاث مرات وبعدها يقول: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إني أريد سفراً فخر لي وأوضح لي فيه سبيل الرأي وفهمنيه وافتح لي عزمي بالاستقامة واشملني في سفري بالسلامة وأوفد لي جزيل الحظ والكرامة وأكلأنَي فيه بحريز الحفظ والحراسة برحمتك يا أرحم الراحمين بحق محمّد وآله الطاهرين).

7-ومنها: استحباب أن يفتتح سفره بالصدقة قائلاً: (اللهم إني اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة ما معي اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل.
8-ومنها: (استحباب إعلام اخوانه وجيرانه بسفره فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حق على المسلم إذا أراد سفراً أن يعلم إخوانه وحق على إخوانه إذا قدم أن يأتوه).

وبمناسبة ذكر هذا المستحب أحب أن أذكر نصيحة وتنبيهاً يتعلق بما جرت العادة عليه لدى الكثيرين عندما يعزمون على السفر- من طلب أحدهم المسامحة ممن كان قد ذكره بسوء أو صدر منه عمل مضر به وهو غير مطلع عليه.

والنصيحة الأخوية التي أحب تقديمها في هذا المجال هي ترجيح ترك طلب المسامحة من ذلك إذا لم يكن الشخص الآخر مسبوقاً به بل يكفيه الاقتصار على الاستغفار له ولنفسه والتوبة لله سبحانه من تلك الخطيئة وذلك لأن إخباره بما صدر منه ضده من قول مثير أو عمل مضر يبعث في نفس الطرف المقابل الانفعال منه وقد يؤدي إلى العداوة والبغضاء والله سبحانه لم يحرم نقل الكلام المثير من شخص إلى مَن قيل في حقه- وهو المسمى بالنميمة إلا لأنه يؤدي إلى الخصومة والشحناء مع أن الملحوظ في الغالب عدم حصول المسامحة المطلوبة وإن حصلت فباللسان فقط خجلاً لا من القلب سماحاً وتسامحاً- وقد يصرح بعضهم بعدم المسامحة مع إعلان الموقف السلبي ضد من ذكره بسوء أو سبب له ضرراً مادياً أو معنوياً وغفلة الكثيرين عن هذه النتيجة السلبية واعتقادهم بلزوم طلب المسامحة هو الذي يوقعهم في المحذور المذكور ولذلك اقتضت المصلحة التنبيه على مرجوحية العادة المذكورة ورجحان تبديلها بالاستغفار فهي كفارة للذاكر بالسوء أو مسبب الضرر لغيره كما أنها دعاء لذلك الغير بالمغفرة والرضوان.

9-ويستحب للمسافر أن يدعو بما يلي: (اللهم افتح لي في وجهي بخير واختم لي بخير وأعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ ومن شر ما برأ ومن شر كل دابة هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم- اللهم خل سبيلنا وأحسن سيرنا وأعظم غايتنا).

فإذا وضع رجله في الركاب أو في العربة أو نحوها فليقل: (بسم الله الرحمن الرحيم: بسم الله وبالله والله أكبر)
ثم يقول: (سبحان الله سبعاً ولا إله إلا الله سبعاً الحمد لله سبعاً)
فإذا علا الدابة أو نحوها فليقل: (الحمد لله الذي كرمنا وحملنا في البر والبحر ورزقنا من الطيبات وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلاً سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون والحمد لله رب العالمين).
(الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلمنا القرآن ومنَّ علينا بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم).

10-ويستحب للمسافر أن يقول وهو سائر: اللهم خل سبيلنا وأحسن مسيرنا وأحسن عاقبتنا- وأن يكثر من التكبير والتحميد والاستغفار.
11-ويستحب تشييع المسافر وتوديعه والدعاء له وأن يُقرأ في أذنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرءانَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ إن شاء الله، ثم يقول: (سر على بركة الله).

12-ويُستحب أيضاً الدعاء التالي للمسافر وغيره ويتأكد في حق الأول وهو المروي عن الإمام زين العابدين حيث رُوي عنه قوله عليه السلام: (لا أبالي إذا قلتُ هذه الكلمات أن لو اجتمع علي الجن والإنس وهي بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وفي سبيل الله اللهم إني إليك أسلمتُ نفسي وإليك وجهت وجهي وإليك فوضت أمري فاحفظني بحفظ الإيمان من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومِن فوقي ومن تحتي وادفع عني بحولك وقوتك فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

13-وذكر في المفاتيح أنه يستحب للمسافر في طريق الحج أن يساعد أصحابه في السفر ولا يُحجم عن السعي في حوائجهم كي ينفس الله عنه ثلاثاً وسبعين كربة ويجيره في الدنيا من الهم والغم ويُنفس كربه العظيم يوم القيامة.

وروي أن الإمام زين العابدين كان لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه ليخدمهم في الطريق لأنهم لو عرفوه لمنعوه من ذلك.
ومن الأخلاق الكريمة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان مع صحابته في بعض الأسفار فأرادوا ذبح شاة يقتاتون بها فقال أحدهم علي ذبحها وقال آخر علي سلخ جلدها وقال ثالث علي طبخها فقال صلى الله عليه وآله وسلم وأنا علي الاحتطاب فقالوا يا رسول الله نحن نعمل ذلك فأجاب أنا أعلم أنكم تعملونه ولكن لا يسرني أن أمتاز عليكم إن الله يكره أن يرى عبده قد فضل نفسه على أصحابه.

14- ومن المستحبات المطلقة للمسافر وخصوصاً مع رفاقه في طريق سفره وعلى الأخص إذا كان لزيارة بيت الله الحرام- أن يحسن أخلاقه وأن يتزين بالحلم.
15- ويستحب للمسافر إذا أشرف على قرية يريد دخولها أن يدعو بما يلي: (اللهم ربَّ السموات السبع وما أظلت ورب الأرضين السبع وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت ورب الرياح وما ذرت ورب البحار وما جرت: إني أسألك خير هذه القرية وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها- اللهم يسر لي ما كان فيها من خير ووفق لي ما كان فيها من يسر وأعني على حاجتي يا قاضي الحاجات ويا مجيب الدعوات أدخلني مُدخل صدق وأخرجني مُخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً).

وإذا خاف سبُعاً أو هامة من هوام الأرض أو غير ذلك فليقل في ذلك المكان: (يا ذاريء ما في الأرض كلها بعلمه بعلمك يكون ما يكون مما ذرأت- لك السلطان على ما ذرأت ولك السلطان القاهر على كل شيء من كل شيء يضر من سبع أو هامة أو عارض من سائر الدواب بفطرته إدرأها عني واحجزها ولا تسلطها علي واحفظني من شرها وبأسها يا ألله يا ذا العلم العظيم حُطني واحفظني بحفظك من مخاوفي يا رحيم. فإذا قال ذلك لا تضره دواب الأرض التي تُرى والتي لا تُرى إنشاء الله تعالى).

ومن خاف كيد الأعداء واللصوص فليقل في ذلك المكان الذي خاف ذلك فيه: (يا أَخذاً بنواصي خلقه والشافع بها إلى قدرته والمنفذ فيها حكمه وخالقها وجاعل قضائه لها غالباً وكلهم ضعيف عند غلبته وثقتُ بك سيدي عند قوتهم إني مكيد لضعفي ولقوتك على من كادني تعرضتُ فسلمني منهم).
 
(اللهم إن حلتَ بيني وبينهم فذلك أرجوه منك وإن أسلمتني إليهم غيروا ما بي من نعمك يا خير المنعمين صلى على محمّد وآل محمّد ولا تجعل تغيير نعمك على يد أحد سواك ولا تغير أنتَ ما بي فقد ترى الذي يُراد بي فحُل بيني وبين شرهم بحق من تستجيب الدعاء به يا الله رب العالمين).

فإذا قال ذلك نصره الله على أعدائه.

ومن كان غائباً وأراد أن يؤديه الله سالماً مع قضاء حاجته فليقل في غربته: (يا جامعاً بين أهل الجنة على تآلف وشدة تواجد في المحبة ويا جامعاً بين طاعته وبين من خلقه لها ويا مفرجاً عن كل محزون ويا موئل كل غريب ويا راحمي في غربتي بحسن الحفظ والكلاءة والمعونة لي ويا مفرج ما بي من الضيق والحزن بالجمع بيني وبين أحبتي ويا مؤلفاً بين الأحباء لا تفجعني بانقطاع أوبة أهلي وولدي عني ولا تفجع أهلي بانقطاع أوبتي عنهم بكل مسائلك أدعوك فاستجب لي فذلك دعائي فارحمني يا أرحم الراحمين).

وإذا نزل في منزل فليقل:  ﴿رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ، ثم يصلي ركعتين ويقول: (اللهم احفظني واكلأني)
وليودع الموضع وأهله فإن لكل موضع أهلاً من الملائكة فيقول: (السلام على ملائكة الله الحافظين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته).

والمستحب الأهم الذي يتمم غيره من مستحبات المسافر وغيره من المنطلقين في درب الرسالة هو ما روي عن الإمام الصادق من قوله عليه السلام: ما يُعبأ بمن يؤم هذا البيت إذا لم تكن فيه ثلاث خصال خُلُقٌ يخالق به من صحبه وحلم يملك به غضبه وورع يحجزه عن معاصي الله تعالى.

وهذه الخصال الثلاث وإن كانت ثوباً معنوياً يحتاج المؤمن لأن يتجمل به في كل زمان ومكان ومع أي إنسان كما يحتاج لأن يتجمل بالثوب المادي في أغلب الأحوال- إلا أن الحاجة إلى التجمل بها تكون أشد وأمسَّ بالنسبة إلى من يسافر في طريق زيارة بيت الله الحرام وذلك بسبب بعد المسافة وزيادة المشقة التي يعاني منها أكثر المسافرين مع الصعوبة الذاتية الحاصلة لمن يؤدي مناسك الحج وخصوصاً في حالي الرمي والطواف نتيجة الازدحام الشديد.

كل هذه الخصوصيات تجعل المسافر في هذا السبيل على حالة استثنائية صعبة جداً تسبب له ضيقاً في صدره وسرعة انفعال لأي حادث يحصل على خلاف طبعه. وهنا يأتي دور حسن الخلق الذي يدفع صاحبه لأن يعاشرَ من صحبه في طريق الحج أو غيره بالمجاملة والمعروف فلا يصدر منه تصرف بالقول أو بالفعل يكون مثيراً لعاطفة غيره- وإذا صدرت من الغير ما يثير بطبعه فهو يقابله برحابه صدر وقوة صبر انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿وَالكَاظِمِينَ الْغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

وحيث أن المسافر في طريق الحج يُعتبر في واقعه مسافراً إلى دار رحمة الله ومغفرته ليكفر سيئاته ويضاعف حسناته. والمتوقع ممن يكون سفره لهذه الغاية- أن يكون على حالة انقطاع لله سبحانه بالتوبة والإنابة إليه سبحانه بالاستقامة في خط التقوى والبعد عن كل ما يبعده عن رحمة الله ومغفرته وذلك يتمثل بالتجمل بالخصال الثلاث المذكورة.

فحسن الخلق يدعوه لأن يجامل الآخرين فلا يصدر منه ما يثيرهم وإذا صدر منهم ما يثيره عالجه بالحلم والصبر الجميل وإذا دفعته نفسه لأن يميل مع الهوى يميناً أو شمالاً تأتي صفة الورع لتمنعه من الانحراف وتثبت قدميه على صراط الحق القويم ونهجه المستقيم1.


1- الشيخ حسن طراد _ آداب السفر.

 

2019-07-31