وهو أول أعمال الحج
لا يختلف إحرام الحج عن إحرام العمرة في الشرائط والكيفية وتروك الإحرام وفي أحكامه وكفاراته إلاّ في النيّة فينوي الإتيان بأعمال الحج، وكلّ ما اعتبرناه في نيّة إحرام العمرة فهو معتبر في نيّة الإحرام للحج أيضاً. وينعقد الإحرام بالنية والتلبية فإذا نوى الحج ولبّى انعقد إحرامه.
واجباته ومسائله
الأول: النية, ويعتبر فيها أمور:
أ - القصد: بمعنى قصد الإتيان بالنسك من حجّ أو عمرة، فمن أراد الإحرام لعمرة التمتع - مثلاً - قصد الإتيان بها حينه.
لايعتبر في القصد إخطار الصورة التفصيلية للنسك، بل تكفي الصورة الإجمالية، فله أن يقصد الإتيان بواجبات النسك إجمالاً، ثم يأتي بواحد واحد منها على الترتيب.
لا يعتبر في صحة الإحرام أن يقصد ترك محرّمات الإحرام، بل لا يضرّ بصحته العزم على ارتكاب بعض المحرّمات، نعم قصدُ فعل المحرّمات التي تبطل بها العمرة أو الحج كالجماع في بعض موارده لا يجتمع مع قصد الإتيان بالنسك بل يكون مناقضاً لقصد الإحرام.
ب- القربة والإخلاص للّه تعالى لأنّ العمرة والحج وكلّ نسك من مناسكهما عبادة فلابدّ في الإتيان بكل منهما كما هو، من قصد التقرّب به إليه تعالى.
ج- تعيين كون الإحرام للعمرة أو للحج، وأنّ الحج حج تمتّع أو إفراد أو قران، وأنّه لنفسه أو لغيره، وأنّه حجّة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي.
إذا نوى الحج بدل العمرة جهلاً بالمسألة أو غفلةً صحّ إحرامه. فمثلاً إذا قال حين إحرامه لعمرة التمتع: ـ أحرم لحج التمتع قربة إلى الله, ولكنه كان يقصد العمل الذي يقوم به الناس معتقداً أنّ هذا العمل يسمّى بالحج، فإحرامه صحيح.
لايشترط في النية التلفظ ولا الإخطار القلبي بل تتحقّق بعقد العزم على الفعل.
تشترط مقارنة النية للإحرام، فلا تجزي النية السابقة إلاّ إذا استمرّت إلى حين الإحرام.
الثاني : التلبية
التلبية حال الإحرام كتكبيرة الإحرام في الصلاة، فإذا لبَّى الحاجُّ صار محرماً وشرع في أعمال عمرة التمتع. وهذه التلبية في حقيقتها استجابة وتلبية لدعوة الربّ الرحيم المكلّفين للحج. فمن هنا ينبغي الإتيان بها بكل خشوع وإقبال.
وصورتها على الأصح:
"لَبَّيْكَ اَللّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ".
فإن اكتفى بهذا المقدار كان إحرامه صحيحاً، والأحوط استحباباً أن يقول بعد التلبيات الأربع المتقدّمة:
"إنَّ الْحَمْدَ وْالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ".
وإذا أراد مزيداً من الاحتياط أضاف:
"لَبَّيْكَ اللّهُمَّ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ لَبِّيْكَ".
ويستحب أن يضيف إلى ذلك هذه الجملات الواردة في رواية معتبرة وهي:
"لَبَّيْكَ ذَا الْمَعارِجِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ داعِياً إِلى دارِ السَّلامِ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ غَفّارَ الذُّنُوبِ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ أَهْلَ التَّلْبِيَةِ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ ذَا الْجَلالَ وَالإكْرامِ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ تُبْدِيءُ وَالْمَعادُ إلَِيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ تَسْتَغْنِي وَيُفْتَقَرُ إِلَيْكَ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ مَرْهُوباً وَمَرْغُوباً إلَيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ إِلهَ الْحَقِّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ الْجَمِيلِ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ كَشّافَ الْكُرَبِ الْعِظامِ لَبَّيْك، لَبَّيْك عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ يا كَرِيمُ لَبَّيْكَ".
الواجب من التلبية ذكرها مرّة واحدة ولكن يستحب تكرارها ما أمكن.
يجب أداء المقدار الواجب من التلبية على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على القواعد العربية، فلا يجزىء الملحون مع التمكّن من الصحيح ولو بالتعلّم أو بالتلقين، فإن لم يقدر على التعلّم ولو لضيق الوقت ولم يتمكّن من الأداء الصحيح بالتلقين أيضا تلفّظ بها بأيّ نحو أمكنه، والأحوط أن يستنيب مع ذلك.
من ترك التلبية عن عمد كان حكمه حكم من ترك الإحرام من الميقات عمداً فيما تقدّم. مَن لم يأتِ بالتلبية بصورتها الصحيحة ولم يكن معذوراً فحكمه حكم من ترك التلبية عمداً.
يجب على الأحوط قطع تلبية عمرة التمتع عند مشاهدة بيوت مكّة المكرّمة ولو المستحدثة منها التي تعدُّ حالياً جزءاً منها، وكذا يجب قطع تلبية الحج عند زوال يوم عرفة.
لا ينعقد الإحرام لحج التمتع ولا لعمرته ولا لحج الإفراد ولا للعمرة المفردة إلاّ بالتلبية، أمّا الإحرام لحج القران فينعقد بها أو بالإشعار أو التقليد، والإشعار مختص بالبدنة والتقليد شامل لها ولغيرها من الأضاحي.
الإشعار هو طعن صفحة سنام البدنة وتلطيخها بالدم ليعلم أنّها الهدي. والتقليد هو أن يعلّق على رقبة الهدي خيطاً أو نعلاً ليعلم أنّه الهدي.
الثالث: لبس الثوبين
وهما الإزار والرداء، فيلبسهما بعد نزع ما يحرم على المحرم لبسه، فيأتزر بالأول ويلقي الثاني على المنكب.
الأحوط وجوباً ارتداء الثوبين قبل نيّة الإحرام والتلبية.
لا يشترط في الإزار أن يكون ساتراً للسرّة والركبة ويكفي أن يكون بالكيفية المتعارفة.
لا يجوز عقد الإزار على العنق، ولكن لا مانع من عقده بالملقط، أو الحصى وأمثال ذلك، وكذا لا مانع من عقده بخيط (فيما لو كان من المتعارف عقد مقدَّم الرداء به) وكذلك لا مانع من عقده بالإبرة والدبوس.
الأحوط وجوباً أن يلبس الثوبين قاصداً التقرّب بلبسهما إلى اللّه تعالى بذلك.
يشترط في الثوبين الشروط المعتبرة في لباس المصلي، فلا يجزي فيهما الحرير الخالص ولا المتّخذ من غير المأكول ولا المغصوب ولا المتنجّس بنجاسة غير معفوّ عنها في الصلاة.
يشترط في الإزار أن لا يكون حاكياً عن البشرة بينما لا يشترط ذلك في الرداء ما لم يخرج عن صدق المسمّى.
يختصّ وجوب لبس الثوبين بالرجل، وأمّا المرأة فيجوز لها الإحرام في ثوبها سواء كان مخيطا أم لا، مع مراعاة شرائط لباس المصلي المتقدّمة.
يشترط أن لا يكون ثوب إحرام النساء من الحرير الخالص.
لا يشترط في الثوبين أن يكونا من المنسوج، ولا في المنسوج أن يكون من القطن أو الصوف ونحوهما بل يجزئ الإحرام في ثوبٍ من الجلد أو النايلون أو البلاستيك فيما إذا صدق عليه أنّه ثوب وكان لبسه متعارفاً، كما لا مانع من الإحرام في مثل اللبد كذلك.
إذا لم ينزع اللباس المخيط حين إرادة الإحرام عالماً عامداً فصحة إحرامه لا تخلو من إشكال، فالأحوط وجوباً أن يجدّد النيّة والتلبية بعد نزعه.
إذا اضطرَّ إلى لبس الثياب المخيطة لبردٍ ونحوه جاز له الاستفادة من الثياب المعتادة كالقميص مثلاً، ولكن لا يجوز لبسها بل يجعلها بنحوٍ مقلوب بأن يقلبه ظهراً ووجهاً أو صدراً وذيلاً ويتردّى به.
يجوز للمحرم خلع ثياب الإحرام من أجل الذهاب إلى الحمّام أو تبديلها أو غسلها ونحو ذلك.
يجوز للمحرم ارتداء أكثر من ثوبين للإتقاء من البرد ونحوه، فيضع قطعتين أو أكثر على منكبيه أو حول خصره.
إذا تنجّس لباس إحرامه فالأحوط وجوباً تطهيره أو تبديله.
لايشترط حال الإحرام أن يكون طاهراً من الحدث الأصغر أو الحدث الأكبر، فله الإحرام حال الجنابة أو الحيض، نعم يستحب مؤكّداً الغسل قبل الإحرام، وهذا الغسل المستحب يسمّى غسل الإحرام، والأحوط أن لا يتركه.