المرأة والتغيير والثورة
علم وعمل وجهاد
ليس غريباً أن يتسلط الظلمة أو يستبد الطغاة، فنوازع الشر والفساد موجودة في أعماق نفس الإنسان وإذا ما انعدم الإيمان وتوفر المجال وأتيحت الفرصة، لأحد من الناس أن يتسلط على أبناء جنسه بغير حق وأن يحكم فيهم بالظلم والجور، فسوف لن يتورع عن ذلك ...
عدد الزوار: 213
ليس غريباً أن يتسلط الظلمة أو يستبد الطغاة، فنوازع الشر والفساد موجودة في أعماق نفس الإنسان وإذا ما انعدم الإيمان وتوفر المجال وأتيحت الفرصة، لأحد من الناس أن يتسلط على أبناء جنسه بغير حق وأن يحكم فيهم بالظلم والجور، فسوف لن يتورع عن ذلك . .
ولا عجب ولا غرابة من ذلك، فطبيعة الإنسان هي الطغيان عند القدرة عليه، إلا أن يعصمه مانع من دين أو ضمير قال الله تعالى:﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾1 وقديماً قال الشاعر العربي:
الظلم من شيم النفوس وإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم . . .
ولكن الشيء العجيب المستغرب هو قبول الجماهير بسيطرة الظلمة وسكوتها عن استبداد الطغاة . .
فالله تعالى قد خلق نفس الإنسان تواقة للحرية، طامحة للعدل، محبة للخير والتقدم، فكيف إذاً تخضع للاستعباد وتستسلم للظلم، وتسكت على الاستبداد والتخلف؟ . .
هناك أسباب معينة تجعل الإنسان يرضى لنفسه الاستعباد والخضوع. من أهمها:
1- المطامع المصلحية:
حيث المتسلطين الظلمة، مستعدون لشراء الضمائر، وإعطاء الامتيازات، وتقديم الاغراءات، لمن يساعدهم على تثبيت حكمهم الجائر، وسلطتهم اللامشروعة.. وهنا يجد المصلحيون الانتهازيون الفرصة سانحة لتحصيل مطامعهم، وتحقيق مآربهم المادية، أو حفظ مصالحهم وثرواتهم ومكانتهم ولو على حساب كرامتهم ومبادئهم وشعوبهم، فيستسلمون للطغاة ويرضخون لحكمهم . .
2- الضعف النفسي:
فرفض الذل والخنوع، والاحتفاظ بالكرامة والحرية، يحتاج إلى قوة نفس، وشجاعة قلب، ورباطة جأش، وكثير من الناس قد يسيطر عليهم الخوف، ويستولي على نفوسهم الجبن ويغلب على قلوبهم الضعف فيصبحون أذلاء خانعين وعبيداً مستسلمين.
3- الانخداع والضلال:
تحاول السلطات اللامشروعة أن تضفي على حكمها صفة الشرعية، وأن تقنع الناس بأحقيتها وجدارتها بالحكم والسلطة، وتعمل على إظهار نفسها بمظهر الخير والإصلاح وذلك بواسطة وسائل الإعلام والدعاية ومناهج التدريس . .
ففي الماضي كان اختلاق الأحاديث وتزوير تفسير الآيات القرآنية كاف لتضليل الجماهير المسلمة وخداعها وإقناعها بمشروعية وصلاحية حكم معاوية بن أبي سفيان وأمثاله. وفي فترة أخرى أصبح الشعر والشعراء أفضل وسيلة إعلامية لخداع الناس وتضليلهم . . أما الآن فوسائل الإعلام الحديثة كالتلفاز والمذياع والصحافة هي التي تقوم بمهمة التمجيد والتعظيم والمدح والثناء لأنظمة الحكم بمختلف أنواعها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار . كل ذلك لإقناع الناس بصلاحية السلطة التي يعيشون في ظلها . . بالفعل فإن كثيراً من الناس تلعب الوسائل الإعلامية في نفوسهم دور غسيل الدماغ. فينخدعون بالإعلام المضلل، فيرضون بحياة العبودية، والاستغلال والظلم من حيث لا يشعرون والمؤمن بالله حقاً هو الإنسان الذي يتجاوز هذه الحواجز، ويتخطى هذه العقبات فلا تستعبده المصالح ولا تغريه المطامع، ولا ينخدع بوسائل الإعلام السلطوية، ويتسلح بالإقدام والشجاعة . . لمقاومة الظلم والطغيان . .
وهذا هو المؤمن الذي عناه الإمام الثائر الحسين بن علي عليهما السلام بقوله:
ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برم2.
أما الذي يتوانى عن اختراق هذه الحجب، وينهار أمام عوامل الخنوع والاستسلام، فقد خان إيمانه وأضاع دنياه وآخرته . . وإليه يتجه تهديد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول:
من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهده مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباده بالإثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل أو قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله3.
ولكن المؤسف إن هذه الفئة التي تتوفر فيها مواصفات الثورة ضد أعداء الرسالة والشعب، المتسلطين بالباطل والظلم هي فئة قليلة . . ولذلك وجد الظلمة مجالاً كبيراً للسيطرة والحكم عبر تاريخنا الإسلامي بشكل خاص وطوال تاريخ البشرية بشكل عام.
والمرأة . .
ما هو المطلوب منها تجاه سلطات الظلم والجور؟
هل تعفى هي من مسؤولية ما يحدث، ويكتفى منها بأداء واجبات المنـزل بينما يتحمل الرجل وحده مسؤولية الموقف من أوضاع الطغيان والاستبداد؟
أم ماذا تستطيع أن تفعل؟
لو كان الإسلام ينظر إلى المرأة كمخلوق تابع للرجل، خلقها الله لتقوم بخدمة الرجل وتعمل على امتاعه كما كانت ترى الحضارات الجاهلية السابقة . . أو لو كان الإسلام يعتبر المرأة وجوداً هامشياً لا دخل له في شؤون المجتمع كما هو وضعها في المجتمعات السابقة . .
لو كان كذلك وضعها في الإسلام، ونظرته إليها، لأمكن إعفاء المرأة وإراحتها من مهمات الثورة والنضال ضد الظلمة المتسلطين.
أما ما دامت المرأة في الإسلام جزءاً أساسياً من المجتمع، ووجوداً مستقلاً، كوضع الرجل تماماً، فلا يمكن أن يسمح لها الإسلام بالسكوت على الظلم والرضى بالانحراف، والخضوع للطغيان.
بل هي مسؤولة مع الرجل عن مكافحة الظلم وهو أكبر المنكرات، وعن إقامة العدل، وهو أهم معروف، هكذا يقرر القرآن الحكيم وتأمر الشريعة الإسلامية.
يقول تعالى:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر...﴾4. .
وتستطيع المرأة في مجال العمل الثوري أن تقدم الكثير لخدمة الثورة ومن أجل إنجاحها وانتصارها، ففضح جرائم السلطة، وإثارة الجماهير ضدها وإزكاء روح الشجاعة والمقاومة في نفوس الناس . . .كل ذلك تستطيع أن تعمله المرأة لخدمة الثورة حسب اختلاف الاوضاع والظروف.
وكمثال واضح على ما نقول نذكر ثورة كربلاء العظيمة التي فجرها الإمام الحسين بن علي عليه السلام فقد كان للمرأة دور رئيسي في الثورة ومساهمة في تحقيق أهدافها.
وأمامنا الآن بعض المواقف الثورية التي وقفتها المرأة المؤمنة في ثورة الإمام الحسين عليه السلام: أبيْنَ إلا أن يشتركن في الجهاد
ليست الثورة رحلة سياسية، أو عملاً ترفيهياً، أو رياضة ممتعة، حتى يتسابق الناس إليها، ويبادروا إلى الإشتراك فيها.
إن الثورة تضحية وعطاء: تضحية بكل المصالح الشخصية والارتباطات المادية، وعطاء يأتي على كل ما يمتلك الإنسان من مال وجهد وحياة.
فلا يلحق بركاب الثورة إلا من وطّن نفسه على التضحية، ربّى ذاته على البذل والعطاء.
قال معلم الثوار وسيد الشهداء أبو عبد الله الحسين عليه السلام:
ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته موطنّاً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ...5
من هنا كان الثائرون قلة، وكان كل واحد من الناس يتلمس لنفسه الأعذار ويختلق الحجج، ويتشبث بالظروف، ليريح نفسه من مصاعب الثورة، وما تتطلبه من تضحية وعطاء.
ويتحدث القرآن الحكيم عن جماعة من هذا النوع لم تتوفر في نفوسهم كفاءة التضحية وجدارة العطاء، فصاروا يفتشون عن عذر ملفّق يبررون به تقاعسهم وتخاذلهم عن إحدى معارك الثورة الإسلامية وكان العذر الذي عثروا عليه وقدموه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أن بيوتهم ستصبح بعدهم عرضة لهجمات العدو واعتداءاته، فلا بد وأن يتخلفوا عن المعركة لحماية منازلهم وللحفاظ على عائلاتهم! . . ويرفض القرآن هذا الإعتذار ويفضح نفسياتهم الإنهزامية، بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾6
إن هذا هو موقف الجبناء المتخاذلين، الذين لم يتفاعل الإيمان مع نفوسهم حتى يدفعهم إلى التضحية والعطاء. أما المؤمنون المخلصون الذين أعدّوا أنفسهم وربوها على البذل والتضحية، فإنهم يتمنون أن تُتاح لهم فرصة النضال في سبيل الله، ويتشوقون للقاء الله مضمخين بدماء الشهادة . . ويرفعون أيديهم بالدعاء إلى الله هاتفين:
وقتلاً في سبيلك فوفِّق لنا، اللّهم اجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري أحد7
ويرجع القرآن الكريم سبب اختلاف موقفي الثائرين والمتخاذلين إلى مستوى الإيمان عند الفرد، ومدى إعداد النفس للتضحية والعطاء، فالثائر يدفعه إيمان عميق، وتربية نفسية مسبقة، بينما المتخاذل لا يمتلك إيماناً، أو لا يمتلك قوة في الإيمان، ولم يهيء نفسه أو يدربها على البذل والتضحية. يقول تعالى: ﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ *إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾8
وحينما فجَّر الإمام الحسين عليه السلام ثورته المقدسة، خذله أكثر الناس، لأن نفوسهم كانت تعاني ضعف الإيمان، وينقصها الاستعداد للعطاء والتضحية.
وسار في ركاب ثورته مَن عمر الإيمان قلبه، وتوفر الاستعداد في نفسه . . وكانت النساء يشكلن نسبة كبيرة في قافلة الثورة الحسينية.
وهؤلاء النسوة اللاتي شاركن في ثورة الإمام الحسين عليه السلام لم يكنّ غافلات ولا جاهلات بنتائج الثورة، وما ستجرّه عليهن من مصائب ومتاعب وعناء . . . بل كنَّ يعرفنَ كل ذلك، وكان الحسين عليه السلام يذكرهن بما سيصيبهن عدة مرات.
وما كنَّ مجبرات ولا كان الخروج مفروضاً عليهن، بل كان بإمكان أية واحدة منهن أن تعتذر بارتباطها العائلي، وبأعمالها البيتية، ومسؤوليتها التربوية . . وتبقى في راحة من مصاعب الثورة ومشاكلها.
كان ذلك ممكناً ووارداً، ولكنهن أبينَ إلا أن يشتركنَ في الثورة! . . بدافع من إيمانهن العميق ورؤيتهن الواضحة واستعداد نفوسهن للتضحية والعطاء.
فهذه العقيلة البطلة زينب ابنة علي عليها السلام كان زوجها عبدالله بن جعفر الطيار مكفوفاً، وكان بإمكانها أن تجعل ارتباطها بهذا الزوج المكفوف مبرراً لها في التخلف عن الثورة ولكنها لم تكن تبحث عن مجال للتضحية وفرصة للعطاء في سبيل الله، ومن أجل إنقاذ هذه الأمة المبتلاة بسلطات الجور والانحراف إستأذنت زوجها عبدالله بن جعفر لمرافعة أخيها الإمام الحسين عليه السلام في سفر الثورة . . ولأنه هو الآخر كان واعياً مخلصاً معطاءً، فقد أذن لها وشجعها على ذلك.
ويحدثنا التاريخ: أن عبدالله بن العباس عندما جاء يودّع الإمام الحسين عليه السلام بعد تصميمه على مغادرة مكة إلى العراق لتفجير الثورة، قال له: جعلت فداك يا حسين، إن كان لا بد من المسير إلى الكوفة فلا تسِرْ بأهلك ونسائك!. .
فأجابه الإمام الحسين عليه السلام وهو يتنبأ بدور هؤلاء النسوة في إكمال ثورته المباركة قائلاً: شاء الله أن يراهن سبايا! . .
وسمع ابن عباس بكاءً من ورائه وقائلة تقول يا ابن عباس، تشير على سيدنا وشيخنا أن يخلفنا ها هنا ويمضي وحده؟! لا والله بل نحيا معه ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره؟!
والتفت ابن عباس فإذا المتكلمة زينب ابنة علي9.
إنها تعبر عن رأي نسوة أهل البيت اللاتي أبين إلا أن يشتركنَ في الثورة.
والثورة تضحية وعطاء يسارع إليها صادق الإيمان ويتهرب منها سطحي التدين ضعيف الإيمان.
...وبعد أن قتل جميع انصار الحسين وافراد عشيرته بقي الحسين وحيداً فريداً يستعد لملاقاة الله ويهيء نفسه للفوز بالشهادة التي يعلم إنها المسك الذي يختم به حياته في ذلك اليوم . .
عند ذلك استدعى اخته العقيلة زينب فهي وحدها المؤهلة لتكون وصية الحسين على قافلة الثورة . . . والجديرة بمواصلة النضال لاكمال المسيرة التي بدأها الحسين عليه السلام وحمّلها الحسين مسؤولية حفظ العيال، وتوعية الجماهير باهداف الثورة والصمود في وجه الطغاة والظلمة لزرع الثقة وبث الشجاعة في نفوس الناس . .
وقد كانت العقيلة في مستوى المسؤولية، وقامت بدورها خير قيام، والتاريخ الذي سجل مواقفها الثورية بروعة وإكبار خير شاهد على ذلك .
في وجه الطغاة
وجيء بعائلة الحسين أسارى، يدار بهم في البلدان كنموذج لبطش السلطة بمن يحاول مقاومة سيطرتها ولكي لا يحدث أحد نفسه بتكرار صنيعة الحسين من الرفض والمناوءة للسلطة الحاكمة . .
وكادت الأوضاع المؤلمة التي تلف موكب الاسارى المثكولين أن تدخل الهيبة والرهبة والخوف في جميع النفوس لولا صوت البطلة الثائرة وخطاباتها اللاهبة التي كشفت بها حقارة الحاكم وسخرت من بطش السلطة وأعادت للناس ثقتهم بأنفسهم في مقابل قوة البطش والاستبداد . .
فقد وقفت العقيلة الاسيرة المفجوعة بمصارع أهلها وعشيرتها المنهكة في سير العنف والقسر المتألمة من شماتة الاعداء وتماديهم وقفت رغم كل ذلك أمام الحاكم المستبد والطاغية الجائر يزيد بن معاية لتقول له في مجلس خيلائه وتجبره بلهجة الصمود والتحدي ولسان الثقة والاطمئنان:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله كذلك يقول:﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون﴾10
اظننت يا يزيد حيث اخذت علينا اقطار الارض وافاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء ان بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة.
وإن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلانا حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة وحين صفى لك ملكنا وسلطاننا . . فمهلاً لا تطش جهلاً أنسيت قول الله تعالى:﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾11
أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن . .
اللهم خذ بحقنا وانتقم لنا ممن ظلمنا واحلل غضبك على من سفك دمائنا، وقتل حماتنا.
فوالله ما فريت إلا جلدك، ولا حززت إلا لحمك ولترون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما تحملت من سفك دماء ذريته وهتكت من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم . .
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾12
وحسبك بالله حاكماً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم خصماً وبجبرائيل ظهيراً، وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾13 وأيكم شر مكاناً واضعف جنداً . .
ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك إني: لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك لكنّ العيون عبرى والصدور حرى!!
فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك . . فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا ولا تدرك أمرنا ولا تدحض عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد؟ يوم ينادي المنادي ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾14 والحمد لله رب العالمين الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل"15
وهكذا تثبت العقيلة زينب بطلة كربلاء للتاريخ وللأجيال البشرية: ان المرأة تستطيع أن تعطي الكثير وأن تصنع المعاجز في خدمة قضايا الأمة والرسالة إذا أرادت ذلك . .
والسؤال: هل تريد بناتنا ونساؤنا أن يخدمن قضايا الأمة والرسالة؟
إذا كن يردن ذلك فلهن زينب أسوة حسنة.
*مسؤولية المرأة،الشيخ حسن الصفار...ص29-35.
1- العلق:6-7 .
2- من خطبته عليه السلام لأصحابه في كربلاء، راجع تاريخ لبن عساكر ج13 ص74 .
3- الطبري 4/304 والكامل 3/280 .
4- التوبة:71 .
5- من خطبته عليه السلام عند خروجه من مكة، راجع الحدائق الوردية 1/117 ، كشف الغمة 2/241 .
6- الأحزاب:13 .
7- من دعاء الافتتاح.
8- التوبة:44-46 .
9- حياة الإمام الحسين للقرشي 2/297 .
10- الروم:10 .
11- آل عمران:178 .
12- آل عمران:169 .
13- الكهف:50 .
14- هود:18 .
15- وسيلة الدارين للسيد ابراهيم الزنجاني ص389 .