يتم التحميل...

أفضل المؤمنين

رجب

أفضل المؤمنين

عدد الزوار: 189

أفضل المؤمنين

عن أميرِ المؤمنينَ (ع): «وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَإِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْر يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ، وَمَا تُؤخِّرْهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ».

الناسُ درجاتُ متفاضلاتٌ، ومنازلُ متفاوتاتٌ في الدنيا والآخرة، ومعاييرُ التفاضلِ بين الناسِ تعودُ في الحقيقةِ إلى الرؤيةِ التي يمتلكونَها عن الدنيا، فمَن يرى الدنيا معياراً سوف ينطقُ بما نطقَ به من رأى قارونَ ومالَه، قال تعالى مبيّناً منطقَ هؤلاء: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.

ومَنْ يرى الآخرةَ معياراً يرى أنّ ما عندَ اللهِ أفضلُ، قالَ تعالى مبيّناً منطقَ أهلِ الإيمانِ والعلمِ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ .

وهذا ما يؤكّدُ عليه الإمامُ (ع) في حديثهِ، فالأفضليةُ لمنْ يكونُ أكثرَ بذلاً للنفسِ والمالِ والولدِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْراً﴾، فما تبذلُه في هذه الدنيا تجعلُه ذخراً لك في الآخرةِ.

وأمّا ما تحتفظُ به في هذه الدنيا ولا تنفقُه في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ فإنّ مآلَه سوفَ يكونُ لأحدِ اثنينِ، إمّا إنسانٌ آخرُ غيرُك كالوارثِ يرثُه، أو حوادثُ تعرضُ عليه فيذهبُ منك، وقد وردَ عنه (ع): «لِكُلِّ امْرِئٍ فِي مَالِهِ شَريِكَانِ، الْوَارِثُ وَالْحَوَادِثُ».

بل لو تدبَّرَ الإنسانُ في مصلحةِ نفسهِ ونظرَ إلى خلاصِها وكان ناصحاً لها لأقدمَ بالفعلِ على تقديمِ ما يُمكنُه ولم يخزنْه؛ لأنَّ ما يقدّمُه في سبيلِ الخيرِ سوف يُسجَّلُ في صحيفةِ عملهِ ويلقاه في آخرتهِ، وما يتركُه إنْ كانَ فيه الخيرُ فسيكونُ تعبُه عليه وفائدتُه لغيرِه وإنْ كان فيه الشرُّ فسيحملُ إثمَه، قال (ع): «لاَ تُخَلِّفَنَّ وَرَاءَكَ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّكَ تُخَلِّفُهُ لأحَدِ رَجُلَيْنِ، إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللهِ، فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِهِ، وَإِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ، فَكُنْتَ عَوْناً لَهُ عَلى مَعْصِيَتِهِ، وَلَيْسَ أَحَدُ هذَيْنِ حَقِيقاً أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ».

ومن العاداتِ الجاريةِ لدى بعضِ الناسِ أنّه يحتفظُ بالمالِ ولا ينفقُه في سبيلِ اللهِ في حياتِهِ ولكنّه يبحثُ عن وصيٍّ يقومُ بإنفاقِهِ في سبيلِ الخيرِ بعد وفاتِه، والإمامُ يعظُ هذا الصنفَ من الناسِ بأنْ يبادرَ إلى الإنفاقِ بدلَ أن يتركَ الخيارَ في ذلك لغيرِه، يقولُ (ع): «يَا ابْنَ آدَمَ، كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ - فِي مَالِكَ وَاعْمَلْ فِيهِ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ».

إنَّ من يحملُ هذا الاعتقادَ في الإنفاقِ سوف يكونُ سرورُه بما يبذلُه في سبيلِ اللهِ، وأسفُه على ما يعجزُ عن تقديمِه ويُبقيه لغيرِه، يقولُ (ع): «فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا نِلْتَ مِنْ آخِرَتِكَ، وَلْيَكُنْ أسَفُكَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا».

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

2019-03-27