الإسلام وتغيير وضع المرأة
المرأة في القرآن والسنة
لقد ولت عصور الجهل، واندحرت عهود الظلام التي سلبت فيها حرية المرأة، وهدرت كرامتها وكانت إنسانيتها محل بحث ونقاش.. وتخلصت البشرية من تلك القرون التي كان الفلاسفة والعلماء فيها يتجادلون حول المرأة: هل إنها روح أم لا ؟؟...
عدد الزوار: 107
الإسلام والمرأة
لقد ولت عصور الجهل، واندحرت عهود الظلام التي سلبت فيها حرية المرأة، وهدرت كرامتها وكانت إنسانيتها محل بحث ونقاش..
وتخلصت البشرية من تلك القرون التي كان الفلاسفة والعلماء فيها يتجادلون حول المرأة: هل إنها روح أم لا ؟؟. وإذا كانت لها روح فهل هي إنسانية أم حيوانية؟ وعلى فرض إن روحها إنسانية فهل وضع المرأة في القيمة والاعتبار بالنسبة للرجل هو وضع الرقيق أو شيء ارفع منه قليلاً؟..
فقد كان اليونانيون ينظرون إلى المرأة وكأنها مجرد رجس من عمل الشيطان وكانت عندهم من سقط المتاع، تباع وتشترى في الأسواق.
وكان الرومان يعدون المرأة أداة إغواء يستخدمها الشيطان لإفساد القلوب ومن أجل ذلك كانت تنـزل بها العقوبات البدنية القاسية وفي أحد الفترات عقدوا مجمعاً علمياً كبيراً للبحث في شؤون المرأة. فانتهوا إلى النتيجة التالية:
ان المرأة كائن لا نفس له وانها من أجل ذلك لن ترث الحياة الأخروية، فأنها رجس !!.
واما الشرائع الهندية، فقد كانت المرأة عندهم تعتبر حطاماً تحرق بقيد الحياة على قبر زوجها إلى وقت قريب.. ويشار إلى إحراق النساء مع أزواجهن المتوفيّن بلفظ السوتي.
ففي ولاية مارت كان لأحد أمراء الهند 17 زوجة وكان لأمير آخر هناك أيضاً 13 زوجة وبعد موت الأميرين قدمت الزوجات البالغات 30 امرأة للنار، عدا واحدة كانت حاملاً فأجل حرقها حتى تلد !!.
وقد تذمر البرهميون الهنود اشد التذمر حيث أمرت الحكومة إلغاء السوتي. فحين صدر الأمر بإلغائه في سنة 1829م يعني قبل 152 سنة هبت عاصفة من الاعتراض والاحتجاج على الحكومة وأمطرها البرهميون شكايات يلتمسون فيها إلغاء ذلك القرار!!
وعند الفرس كانت حياة المرأة تتعلق بإرادة الرجل فإذا ما أراد إعدامها أو سجنها أبدياً في البيت فله الحق في ذلك..
و قبيل البعثة النبوية وبالضبط في سنة 586 عقد في فرنسا مؤتمر دار النقاش فيه حول: استحقاق المرأة أن تعتبر إنساناً أم لا تستحق ذلك؟ وكانت النتيجة أن اعتبرت المرأة إنساناً ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب 1..
وكلنا يعرف مدى المعاناة البشعة التي عاشتها المرأة في القبائل قبل الإسلام فقد كانوا يرونها عاراً وعيباً وحقارةً كما يتحدث عنهم القرآن الحكيم حيث يقول ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾2..
نعم كان كل ذلك في الماضي أما الآن فالمرأة تعيش كإنسان يحترم مثلها مثل الرجل لا أحد في العالم يشك في إنسانيتها أو يناقش في لون روحها أو يتحدث عن هدف آخر لخلقها بل أصبحت هذه الأمور ذكريات يتندر الإنسان ويسخر بها من عهود جهله وحماقته فهي كالرجل تماماً في الروح والقيمة الإنسانية والاعتبار..
كيف حدث ذلك؟
وكان السبب الأساسي في إنقاذ المرأة وتغيير وضعها الاجتماعي هو انبثاق فجر الإسلام العظيم. الذي نسف التقاليد البالية وحارب العادات السخيفة، وأعلن ثورته العارمة على وضع المرأة المهين في العالم آنذاك..
لقد أكد القرآن الكريم إنسانية المرأة وأنها كالرجل تماماً خلقها الله كما خلق الرجل ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾3.. والرجل والمرأة خلقا من مصدر واحد، لا تختلف طينة أحدهما عن الآخر ولا يتفوق معدن أحدهما على الآخر ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾4 وعملية الخلق والتكوين واحدة فالجنين الذكر يمر بنفس الأطوار التي يمر بها الجنين الأنثى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى *ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾5.
وضمن الإسلام للمرأة حياة السعادة والتقدم إن هي التزمت خط الإيمان، وسلكت طريق العمل الصالح كالرجل تماماً ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾6.
وأي عمل تقوم به المرأة لله تعالى فلا ينكر لها جزاؤه وثوابه فعمل المرأة محترم كعمل الرجل عند الله لأنهما من مصدرٍ واحد وعلى مستوىً واحد: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾7..
والمرأة شريكة الرجل في الجنة كما هي شريكته في دار الدنيا ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾8.
وإذا تتبعنا آيات القرآن الحكيم فسنجده يخاطب الإنسان بشقيه الذكر والأنثى ويتحدث للناس رجالاً ونساءً.. فنداءات القرآن كلها: "يا أيها الإنسان".. "يا أيها الناس يا بني آدم".. "يا أيها الذين أمنوا.. ".
وفي أي موضع يذكر فيه القرآن الكريم لفظ الذكر يردفه بكلمة الأنثى وكان ذلك في خمسة عشر موضعاً تقريباً..
وقد خاض رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم نضالاً اجتماعياً طويلاً لإثبات مكانة المرأة وتصحيح نظرة المجتمع إليها..
ففي ذلك المجتمع الجاهلي الذي يعتبر المرأة عاراً وعيباً وشيئاً حقيراً بالنسبة للرجل... في ذلك الوقت كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعلن بكل صراحة النساء شقائق الرجال9 أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطبائع كأنهن شققن منهم..
بل أكثر من ذلك كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعطي للمولودة البنت اهتماماً اكثر من المولود الصبي ويقول خير أولادكم البنات10.
وبشر صلى الله عليه وآله وسلم ببنت وهو جالس مع أصحابه فنظر إلى الكراهة بادية على وجوههم فقال:مالكم ريحانة أشمها ورزقها على الله11.
والرجل الذي يستهين بالمرأة أو يحتقرها يعتبره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لئيماً ساقط الأخلاق حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم12.
بمثل هذه الآيات والأحاديث والمواقف أعاد الإسلام للمرأة كرامتها المسلوبة ووفر لها حريتها المهدورة.
وثمة سبب آخر ساعد الإسلام على تحقيق هذا الهدف العظيم وهو نضال المرأة وجهادها من أجل إثبات وجودها وفرض شخصيتها واسترجاع حقوقها.
فقد كان لكثير من النساء دور مشرف استطعن به أن يثبتن جدارتهن وأن يحطمن حواجز الحقارة والذل التي تراكمت عبر التاريخ.
*مسؤولية المرأة، الشيخ حسن الصفار، ص5-7.
1- المرأة في ظل الإسلام ص26-32.
2- النحل: 58-59.
3- الحجرات: 13.
4- الأعراف: 189.
5- القيامة: 36-39.
6- النحل: 97.
7- آل عمران: 195.
8- النساء: 124.
9- المرأة في ظل الإسلام 63.
10- المصدر السابق 189.
11- المصدر السابق 188-69.
12- المصدر السابق 188-69.