إتّقوا الشّبهات
وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام):
« وإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ
شُبْهَةً لأَنَّهَا تُشْبِه الْحَقَّ، فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّه فَضِيَاؤُهُمْ
فِيهَا الْيَقِينُ، ودَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى، وأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّه
فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلَالُ، ودَلِيلُهُمُ الْعَمَى» (خطبة 38 ).
عندما تزلُّ قدمُ الإنسانِ فيقعُ في مهاوي الهلكةِ، ويبدأُ بلومِ نفسهِ باحثاً عمّا
أردَاه في ذلك، قد يجدُ في بعضِ الحالاتِ أنّه لم يكنْ عن سبقِ عزمٍ وتصميمٍ على
ارتكابِ المعصيةِ، بل لأنَّ شبهةً عرضتْ له فلم يعتنِ بالبحثِ والسؤالِ والتأنّي
وبهذا زلّتْ قدمُه.
ومن هنا وردَ في العديدِ من الرواياتِ الحثُّ على اجتنابِ الشبهاتِ لأنَّها من
أعظمِ أبوابِ الهلكاتِ، وفي هذه الرواياتِ نجدُ الإرشادَ الواضحَ والطريقَ البيّنَ
الذي لو سلكَه الإنسانُ لأمكنَه أن يحترزَ ويتحصّنَ من ساعةِ الغفلةِ:
أولاً، العلمُ والمعرفةُ واليقينُ، فكلّما ازدادَ الإنسانُ من العلمِ الذي يصلُ
نورُه إلى القلبِ كان الطريقُ بالنسبةِ إليه مضيئاً فلا يتخبّطُ في الظلامِ،
فالشبهاتُ تعترضُ سبيلَ أولياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ ولكنَّهم لما لديهم من ضياءِ
اليقينِ لا يقعونَ فيها.
ثانياً، النظرُ في أحوالِ من مضى قبلَه، سواءً من الأممِ السابقةِ أو من بعضِ الذين
يُحيطونَ به وقد خاضوا في الشبهاتِ حتى نالوا جزاءَ ذلك وبالاً في هذه الدنيا فإنّه
من تفكَّرَ واعتبرَ بهؤلاءِ اجتنبَ الوقوعَ فيما وقعوا فيه، وقد وردَ عن أميرِ
المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَه الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ
يَدَيْه مِنَ الْمَثُلَاتِ، حَجَزَتْه التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ»
(الخطبة 16 ) .
ثالثاً، إنّ للشبهاتِ مواطنَ تُقيمُ فيها، ومن وسائلِ التحرّزِ عنها الابتعادُ عن
تلك المواطنِ، فالشيطانُ يكمنُ فيها ليوقعَ الإنسانَ في شراكِه، ويصفُ ذلك أميرُ
المؤمنينَ (عليه السلام) في كلامٍ له فيقولُ: « ومَنْ تَرَدَّدَ فِي الرَّيْبِ
وَطِئَتْه سَنَابِكُ الشَّيَاطِينِ» (حكمة 31 ).
رابعاً، مخالفةُ الهوى، فإنّ الشبهاتِ تتزيّنُ بما ترغبُ به النفسُ وبما يميلُ إليه
الهوى، وطريقُ التحصّنِ منها أنّها متى عرضتْ له خالفَ فيها الهوى واختارَ ما لا
تميلُ إليه نفسُه، وقد وردَ عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام) في (وصفِ أخٍ له عليه
السّلام في الله): « وكَانَ إِذَا بَدَهَه أَمْرَانِ، يَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ
إِلَى الْهَوَى فَيُخَالِفُه» ( حكمة 289 ).
خامساً، التوقّفُ والامتناعُ عن القيامِ بالعملِ إذا احتملَ أنّ فيه شبهةَ الوقوعِ
في الإثمِ والحرامِ، فإنّ السلامةَ التي يصلُ إليها من خلالِ التوقّفِ أهمُّ من
المخاطرةِ بما يوجبُ خسارةَ الدينِ والعملِ الصالحِ لأنَّه ذخيرةُ الإنسانِ إلى
معادِه، فعن أميرِ المؤمنين (عليه السلام) في وصيةٍ له: « وأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ
إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَه، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ
رُكُوبِ الأَهْوَالِ» ( كتاب 31 ) .
ولأهميةِ هذا التوقّفِ والإحجامِ وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): « ولَا
وَرَعَ كَالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ» (حكمة 113).
إنّ من سلكَ هذه الطرقَ كُتبتْ له النجاةُ والتي وردَ في النصوصِ أنّه مصداقُ من
سبقتْ له الحسنى في قولهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا
الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي
مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ
وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
(سورة الأنبياء 101-103)
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
2018-12-11