بحسب الآيات والرويات فإن الدين مركوز في فطرة الإنسان، وأن الإنسان ينزع نحو الله
تعالى بشكل طبيعي، وهذا يحتاج إلى بعض التوضيح، فنقول:
إن جميع مخلوقات الكون تنشد كمالاتها، لا يشذ منها شيء، وكمال كل شيء بحسبه، فمن
خصائص الحديد أن يكون صلبا وذات ميزات معينة، مثل إيصاله التيار الكهربائي، وغير
قابل للاحتراق وقابل للذوبان مثلا، ومن خصائص الخشب أنه أقل صلابة، وعازل للتيار
الكهربائي، وقابل للاحتراق دون الذوبان، وهكذا في غيرهما من الموجودات، فعدم اتصاف
الحديد والخشب بإحدى خصائصه يعتبر نقصا فيه، يحتاج إلى معالجة لاصلاحه.
ومن كمال النبات مثلا أن ينتج ما يناسب طبيعته ونوعه من الثمار، وهكذا الأمر في
الحيوان، وهي كائنات تحقق كمالها من أول نشوئها، وتظهر حقائقها النوعية، لأنها
تتحرك وفق ما أودعه الله تعالى فيها.
والإنسان من ضمن هذه المخلوقات، ينشد كماله ويسعى إلى تحقيق ذاته، والفرق بينه وبين
سائر الكائنات أنه ينشد كماله الانساني بسعيه الاختياري وملاحظاته العقلية،
بالاضافة إلى الكمال الطبيعي، الذي يشارك سائر الكائنات فيه، وقد أشار القرآن
الكريم إلى كلا الخصوصيتين فيه، حيث قال تعالى في بيان الخصوصية الأولى: ﴿إنا
هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفور﴾[1]، وقال تعالى: ﴿لا إكراه في الدين قد تبين
الرشد من الغي﴾[2]، وقال تعالى: ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾[3]،
ولهذا نزّل الذين لا يعملون بمقتضيات عقولهم أفهامهم، حتى كأنهم لا يرون الحق، ولا
يبالون به، نزّلهم منزلة الأنعام بل هم أضل منها،، قال تعالى: ﴿ولقد ذرأنا لجهنم
كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا
يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون﴾[4].
والسبب في هذا التنزيل، والله أعلم، أنهم جروا على خلاف ما تقتضيه فطرتهم، وما
توصلهم إليه قلوبهم، وأسماعهم، وأبصارهم، إن هم أحسنوا في استخدام هذه القوى، التي
منحهم الله إياها، فكانوا بذلك أحط من الأنعام وأضل.
كما بيّن القرآن الكريم الخصوصية الثانية للإنسان، أعني سعيه الطبيعي نحو كماله،
والذي يشارك فيه سائر المخلوقات، غاية الأمر أن كمال الإنسان الحقيقي في اتصاله
بالله تعالى، في كثير من الآيات المباركة، قال تعالى: ﴿يا أيها الإنسان إنك كادح
إلى ربك كدحا فملاقيه﴾[5].
فإذا انسجم الإنسان مع فطرته، واستجاب لما تدعوه إليه، وصل إلى أصول الإيمان، رغم
العوائق التي تواجهه بطريق طبيعي، ذلك أنه يبحث عن الله تعالى بفطرته وجبلته، من
خلال بحثه عن الكمالات التي تحقق ذاته، وتوصله إلى مطلوبه ومبتغاه، وإلى هذا المعنى
يشير الحديث الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله) (من عرف نفسه فقد عرف ربه).
سماحة الشيخ حاتم إسماعيل
[1] سورة الدهر، آية
[2] سورة البقرة، آية
[3] سورة، آية:
[4] سورة الأعراف، الآية، 179
[5] سورة الانشقاق، آية: 6