خطاب الإمام الخامنئي بمناسبة ميلاد نبي الرحمة محمد (ص)
2018
خطاب قائد الثورة الإسلاميّة الإمام الخامنئي بمناسبة ميلاد نبي الرحمة محمد (ص) وحفيده الإمام الصادق (ع) وأسبوع الوحدة الإسلاميّة
عدد الزوار: 347
خطاب قائد
الثورة الإسلاميّة الإمام الخامنئي بمناسبة ميلاد نبي الرحمة محمد (ص) وحفيده
الإمام الصادق (ع) وأسبوع الوحدة الإسلاميّة بتاريخ 25/11/2018
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى
محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أباركُ لكم جميعاً أيها الحضور المحترمون، ولضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية الأعزاء،
والسفراء الحاضرين في هذه الجلسة ذكرى الميلاد المبارك لنبي الرحمة سيدنا خاتم
الأنبياء محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) وذكرى ولادة الإمام العظيم سيدنا
جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) السعيدة. كما أبارك لكل الشعب الإيراني ولكل
مسلمي العالم بل لكل الأحرار في العالم ـ من مسلمين وغير مسلمين ـ ولادة الرسول
الأكرم؛ الشمس الوضّاءة التي أشرقت في زمن الجهل والخداع الجاهلي وأنارت العالم،
وعلى حدّ تعبير الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام): «وَالدُّنيا كاسِفَةُ
النّورِ ظاهِرَةُ الغُرور» (2). وهذه هي حقيقة القضية، فقد كان العالم غارقاً في
ظلمة الجهل والسوء في ذلك الزمن الذي أهدى ووهب فيه ربّ العالمين هذا النور للبشرية.
إنّ جسد الرسول المبارك غير موجود بيننا اليوم ولكن «أرسَلَهُ بِالهُدىٰ وَدينِ
الحَقّ» (3) دينه وهدايته مرافقةٌ لنا وموجودةٌ بيننا. إذا اتبعنا هذا النور وإذا
كنا مشمولين بهذا التعبير القرآني «وَاتَّبَعُوا النّورَ الَّذي أُنزِلَ مَعَهُ»
فستكون النتيجة «أولئك هُمُ المُفلِحون» (4) اتباع هذه الهداية الإلهية وهذا النور
الذي جاء به ـ وهذا النور هو القرآن [الكريم] والقرآن كتاب هداية ونور ـ واتباع هذه
الهدية الإلهية التي مُنحت للبشرية عن طريق الرسول الأكرم، سيؤدي بالبشرية إلى
الفلاح والخلاص.
مشكلة البشريّة: انعدام الرحمة والعدالة
إنّ البشرية تصبو إلى الفلاح. ومشكلة البشرية منذ انطلاقتها إلى اليوم
تتمثل في انعدام العدالة وانعدام الرحمة وانعدام الهداية. الضلالات المتنوعة التي
تعاني منها البشرية جعلت الحياة عسيرة عليها. وهي [البشرية] اليوم بحاجة لينبوع
النور ذاك، ومحتاجة كذلك للاستجابة لدعوة النبي الأكرم وهي دعوة الحق والصدق
والرحمة. إذا بلغت البشرية هذه المرحلة من النضج الفكري بأنْ تستجيب لدعوة نبي
الإسلام المُكَّرم فسوف تزول مشكلاتها. واليوم أيضاً إنَّ وجود القوى [الكبرى]
والظلم الناجم عن تعسّفها في ممارسة الأعمال الإجرامية أدى إلى أن يكون العالم مثل
ذلك اليوم «كاسِفَةُ النّور» و«ظاهِرَةُ الغُرور». فالبشريّة اليوم ، وللأسف، تعاني
أيضاً. وهذه المعاناة لا تختصُّ بالعالم الإسلامي الذي ابتعد عن الإسلام، إنما
بالبشرية كلها. وتلك البلدان التي تتمتع في الظاهر بالتقدم الحضاري والبهارج
الدنيوية تعاني هي الأخرى بشدة، وهذه المعاناة ناتجةٌ عن الجهل والخداع وعن انعدام
العدالة، والإسلام لديه الحلّ لكلّ هذه الأمور ويضمن الفلاح والسعادة للشعوب؛
وعلينا نحن المسلمين أن نتعلم هذا الدرس ونتقنه.
تيّار المقاومة.. باسم الإسلام
طبعاً يجب أن لا ننسى أنه بتوفيق الله وفضله يوجد في العالم اليوم تيار
مقاومةٍ في مقابل الظلم والجور، وهو تيارٌ يقوم على اسم الله والإسلام. ومنطقتنا
مثال على ذلك. في منطقتنا اليوم تسود روح الصحوة الإسلامية الكثير من الشعوب
والبلدان. وما ترونه [اليوم] من أنَّ الأقوياء المستكبرين في العالم وعلى رأسهم
أمريكا المجرمة ـ الشيطان الأكبر ـ حساسون تجاه هذه المنطقة فسببه أنَّ هذه المنطقة
تشهد بوضوح روح النزوع نحو الإسلام والإقبال على الإسلام والصحوة الإسلامية. إنهم
يعارضون صحوة الشعوب الإسلامية ويخافونها. لقد تلقى الاستكبار صفعةً في كلِّ مكان
استطاع الإسلام فيه النفوذ إلى قلوب الناس وعقولهم، ونحن نؤمن حقّاً، بأنَّ
الاستكبار سيتلقى، مجدّداً، صفعة من الصحوة الإسلامية في هذه المنطقة.
وصيّتنا: تقوية الصحوة وتعزيز المقاومة
وهذه هي توصيتنا لإخواننا المسلمين وللشعوب المسلمة، وللمثقفين في
العالم الإسلامي، ولعلماء الدين المحترمين في البلدان الإسلامية، أن قوّوا هذه
الحركة الإسلامية ما استطعتم، فسبيل إنقاذ هذه المنطقة هو تقوية الصحوة الإسلامية
وتعزيز حركة المقاومة الإسلامية. هذا واجبٌ يقع على عاتق الشعوب المسلمة كافّة،
وخاصّة علماء الدين، والمثقفين، والكُتَّاب والشعراء والعلماء والفنانين والنُخب
السياسية، إنّه واجب هؤلاء [جميعاً] وهم المخاطبون بخطاب دعوة الرسول الأكرم
والهداية الإسلامية. لقد توافرت اليوم أرضية الصحوة هذه وظهرت في العالم الإسلامي،
وخاصّة في منطقة غرب آسيا. وعلى الجميع أن يمدّوا يد العون لتثمر هذه الصحوة
الإسلامية.
ونصيحتنا لحكّام البلدان الإسلامية هي أن يعودوا إلى ولاية الإسلام وينضووا تحت
ولاية الله، فولاية أمريكا وولاية الطاغوت لن تجديهم نفعاً. وللأسف فإنَّ بعض
البلدان الإسلامية في منطقتنا اليوم، تنشط تحت راية ولاية الطاغوت بدل ولاية الله،
وتتبع أمريكا بدل اتباع الإسلام ونور القرآن. وأمريكا من منطلق طبعها الاستكباري
تُهينهم، وقد سمعتم وسمع الجميع أنَّ رئيس أمريكا الثرثار شبّه الحُكام السعوديين
بالبقرة الحلوب، وهذا تحقير وإهانة؛ إنَّها إهانةٌ لشعوب تلك المنطقة ولشعب ذلك
البلد. إذا كان آل سعود لا يسوؤهم التعرض للإهانة فليذهبوا إلى الجحيم، وليتعرضوا
للإهانة، لكنَّ هذه إهانةٌ لشعوب المنطقة وإهانةٌ للشعوب المسلمة. لماذا يجب على
الحُكام الإسلاميّين اليوم أن يجاروا ويحالفوا أمريكا في حركتين إجراميتين جرحتا
الشعور العام في منطقتنا للأسف؛ إحداها الحركة الإجرامية التي تستهدف الشعب
الفلسطيني والقضية الفلسطينيّة المهمة، والثانية الحركة الإجرامية التي تستهدف
اليمن؟ وليكونوا على ثقة بأنَّ النصر في كلا القضيتين سيكون بالتأكيد حليف الشعبين؛
الفلسطيني واليمني، وأنّ أمريكا وأتباعها سيُمنون بالهزيمة.
أمريكا والكيان الغاصب: من ضعف إلى ضعف
من الواضح أنَّ أمريكا اليوم أضعف في هذه المنطقة مما كانت عليه قبل
عشرة أعوام وعشرين عاماً. ومن الواضح أنَّ الكيان الصهيوني الخبيث أضعف اليوم من
الماضي. قبل سنوات من الآن انهزم الكيان الصهيوني مقابل حزب الله في لبنان. استطاع
هذا الكيانُ المقاومة لثلاثة وثلاثين يوماً ثم انهزم. وبعد عامين استطاع المقاومةَ
مقابل الفلسطينيين مدة 22 يوماً ثم انكسر. وبعد سنوات استطاع المقاومةَ مقابل أهالي
غزة المظلومين ثمانية أيام ثم انهزم. وفي الأسبوع الماضي استطاعَ المقاومةَ ليومين
وانهزم. هذا يدلُّ على ضعف الكيان الصهيوني، الضعف المتفاقم والمطرّد الذي يعاني
منه الكيان الصهيوني.
شعوبٌ تتوكّل على الله.. النصر أمامها!
الشعوب التي لديها فكر، وهوية، ودافع، والمعتمدة والمتوكلة على الله
تصمد والله تعالى يُعينها. «وَلَو قاتَلَكمُ الَّذينَ كفَروا لَوَلَّوُا الأدبارَ
ثُمَّ لا يجِدونَ وَلِيًا وَلا نَصيرًا * سُنَّةَ اللهِ الَّتي قَد خَلَت مِن قَبلُ
وَلَن تَجِـدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبديلاً» (5). هذه سُنة الله، فإذا صمد المسلمون
وقاوموا فسوف ينتصرون على كل آلات القوى الطاغوتية والمستكبرة. الشعب اليمني اليوم
يعاني أشدّ العذابات التي تفرضها عليه الحكومة السعودية وأتباعها وأمريكا [التي
تساندها]، إنهم [الشعب اليمني] يصبرون ويتحمّلون، واعلموا أنَّ الشعب اليمني وأنصار
الله سوف ينتصرون بالتأكيد، فهم لا يُهزمون، والشعب الفلسطيني لا يُهزم، والسبيل
الوحيد هو المقاومة، وصمود الشعوب المسلمة هو الذي فرض التخبّط اليوم على أمريكا
وحلفائها فراحوا يلجأون للكلام الفارغ والأعمال المغلوطة، وهذا الصمود سوف يؤتي
ثماره.
إيران اليوم: شجرةٌ عملاقة
أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، الشعب الإيراني يقاوم منذ
أربعين سنة. لقد كنا في البداية كالغرسة الضعيفة الرقيقة معرَّضين للضربات والأضرار،
واستطعنا الصمود ببركة الاسم المبارك للرسول (ص) وببركة هداية الإمام الخميني
الجليل، وبالطبع قدَّمنا الشهداء وتحملنا الصعاب لكننا صمدنا وقاومنا.
إنّ الشعب الإيراني وإيران اليوم شجرةٌ عملاقة، ومن الحماقة أن تهدّد أمريكا
والكيان الصهيوني الشعبَ الإيراني. لقد كان الفشل إلى الآن حليف تهديداتهم
وتحركاتهم وخبثهم، وسوف يفشلون ويُهزمون فيما يأتي من الأيّام أيضاً، والحظر سيفشل،
وسياساتهم أيضاً ستفشل ببركة المقاومة.
المطلوب: حسن الظن بوعد الله تعالى بالنصر
والمقاومة بدورها غير ممكنة إلّا في ظل الإيمان بالله والتوكّل عليه
والثقة بالوعد الإلهي، فلقد وعد الله تعالى وعداً مؤكداً: «وَلَينصُرَنَّ اللهُ
مَن ينصُرُه» (6). لقد وعد الله بالنصر وعداً مؤكداً، وهذا الوعد سوف يتحقق. إذا
أصلحنا أنفسنا ونظرنا إلى الوعد الإلهي بحسن ظنّ، لا بسوء ظنّ فسوف ننتصر. إنّ سوء
الظن بالله من فعل الكفار: «الظّانّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوءِ عَلَيهِم دائِرَةُ
السَّوءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيهِم وَلَعَنَهُم» (7). ومن الواضح أنَّ الذين يسيئون
الظنَّ بالوعد الإلهي لن ينالوا شيئاً من [هذا] الوعد الإلهي. وقد أثبت الشعب
الإيراني حسن ظنه بالوعد الإلهي، وقاوم وصمد. لقد تعرضنا لهجوم عسكري، وتعرضنا
للحظر، وتعرضنا لتغلغل الجواسيس، وقدَّمنا الشهداء، لكنّ الشعب الإيراني قاوم
كالجبل واستطاع أن يقوّي ويثبت نفسه.
الجمهوريّة الإسلاميّة: الشجرة الطيّبة
وهذه الشجرة اليوم ـ شجرة الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني ـ هي
شجرة طيّبة «أصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّماء» (8). لقد تقدمنا، بفضل الله
تعالى، يوماً بعد يوم، وازددنا قوّة، وهذا ما سيكون عليه الأمر فيما يأتي من
الأيّام أيضاً، وهذه هي الوصفة لحركة المسلمين [الحركات الإسلاميّة] والوصفة لتقدم
المسلمين في العالم الإسلامي. رحمة الله على إمامنا الخميني الجليل الذي فتح هذا
الطريق أمامنا، ورحمة الله على شهدائنا الأبرار فهم الذين قدَّموا أرواحهم في هذا
السبيل وحققوا النجاحات للشعب الإيراني، وهذا ما سيكون في المستقبل أيضاً إن شاء
الله. إذا أخذ الإخوة المسلمون الوحدة والاتّحاد، ووحدة الكلمة ووحدة القلوب في كل
المنطقة الإسلامية بعين النظر، فسوف يتغلّبون بفضل الله على كلّ هذه المؤامرات إن
شاء الله.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- في بداية هذا اللقاء تحدَّث رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة حجة الإسلام
والمسلمين حسن روحاني. وكان مؤتمر الوحدة - الإسلامية الثاني والثلاثون قد أقيم في
طهران من الرابع والعشرين إلى السادس والعشرين من تشرين الثاني 2018 تحت شعار «القدس
محور وحدة الأمة».
2- نهج البلاغة، الخطبة رقم 89.
3- الكافي، ج 3، ص 423.
4- سورة الأعراف، شطر من الآية 157.
5- سورة الفتح، الآيتان 22 و 23.
6- سورة الحج، شطر من الآية 40.
7- سورة الفتح، الآية 6.
8- سورة إبراهيم، شطر من الآية 24.