يعتقد كثير من الناس أنّ العبادات الدينية تقتصر آثارها على الدار الآخرة فحسب، من
ثواب واستحقاق دخول الجنة والرضا من الله عز وجل.
وفي الحقيقة انّ هذا التّصور لا يعكس حقيقة الآثار المترتبة على العبادات بصورة
عامة، فللعبادات آثار واقعية مترتّبة عليها في حياة الإنسان الدنيوية بالإضافة إلى
آثارها الأًخروية.
وهذا ما تظافرت واستفاضت النصوص الدينية لتأكيده وبيانه، فقد أشارت أنّ للحجّ –
كأحد العبادات الدينية المهمّة – آثار دنيوية كثيرة ومتعددة، ومن أهمّ تلك الآثار
أنّه يطيل العمر ويوسّع الرزق ويصحّ البدن.
ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: " من أراد دنياً وآخرة
فليؤم هذا البيت، ومَن رجع من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره، ومَن خرج
من مكّة وهو لايريد العود إليها اقترب أجله ودنا عذابه"[1].
وفي الحديث عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: " عليكم
بحجّ هذا البيت فأدمنوه، فإنّ في إدمانكم الحجّ دفع مكاره الدنيا عنكم، وأهوال يوم
القيامة"[2].
وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: "حُجُّوا
وَاعْتَمِرُوا تَصِحَّ أَبْدَانُكُمْ، وَتَتَّسِعْ أَرْزَاقُكُمْ، وَتُكْفَوْنَ
مَئُونَاتِ عِيَالِاتكم"[3].
وعنه عليه السلام، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"وحجّوا
تستغنوا"[4].
ومن آثار الحجّ المهمّة أنّه ينفي الفقر والإملاق الذي هو أشدّ من الفقر، فعن إسحاق
بن عمّار، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "الحاج لا يملق أبدا قال: قلت: وما
الاملاق؟ قال: الافلاس ثم قال: ﴿ولا تقتلوا أولادكم من إملاق﴾"[5].
وعن الإمام الرضا عليه السلام، قال: "إنّ الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب، كما
ينفي الكير خبث الحديد"[6].
وعن الإمام الباقر عليه السلام، قال: " ثلاث ثوابهن في الآخرة: الحجّ ينفي الفقر،
والصدقة تدفع البلية، والبر يزيد في العمر"[7].
النفقة المضمونة
وحتى يحفز الإنسان ويطمئنّ إلى أن ما سوف ينفقه في أداء هذه العبادة العظيمة سوف لا
يكون هدراً، بل سيعوّض أضعافاً مضاعفة.
قال الإمام الصادق عليه السلام: "الحاج والمعتمر وفد اللَّه؛ إن سألوه أعطاهم، وإن
دعوه أجابهم، وإن شفعوا شفعهم، وإن سكتوا ابتدأهم، ويعوّضون بالدرهم ألف درهم"[8].
وروى هذا الحديث الشيخ الطوسي (رحمه الله) بإسناده عن الشيخ الكليني إلاّ أنه أضاف:
ويعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم.[9]
ولا عجب من ذلك، فإنّ الله تبارك وتعالى تعهّد لعباده المؤمنين الذين ينفقون
أموالهم في سبيل مرضاته أن يخلفهم ويعوّضهم ما أنفقوه وبذلوه، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ
رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا
أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[10].
خصوصية إدمان الحجّ
وهنا خصوصية لمدمن الحجّ هي أنّه لا يصاب بفقر ويعمّ حياته الخير والبركة.
وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "من حجّ ثلاث حجج لم يصبه فقر أبداً"[11].
وفي حديث آخر عنه عليه السلام: "من حجّ حجّتين، لم يزل في خير حتى يموت"[12].
"وعن إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إنّي وطّنت نفسي على لزوم
الحجّ كلّ عام بنفسي أو برجل من أهل بيتي بمالي، فقال: وقد عزمت على ذلك؟ قال: فقلت:
نعم، قال: فإنّ فعلت فأيقن بكثرة المال، أو أبشر بكثرة المال والبنين"[13].
وفي حديث آخر عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا وربّ هذه البنية لا يحالف مدمن
الحجّ هذا البيت حمى ولا فقر أبداً"[14].
أثر نيّة العودة للحجّ
وهنا أثر آخر، قال: " من أراد دنياً وآخرة فليؤم هذا البيت، ومَن رجع من مكّة وهو
ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره، ومَن خرج من مكّة وهو لايريد العود إليها اقترب
أجله ودنا عذابه"[15].
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من خرج من مكّة وهو لا يريد العود إليها فقد اقترب
أجله، ودنا عذابه"[16].
وقد حملت هاتان الروايتان على الكراهة المشددة في نيّة عدم العودة للحجّ مرة أخرى،
أو على المستخفّ بالحجّ وببيت الله الحرام.
وعن أبي حذيفة قال: كنا مع أبي عبد الله عليه السلام ونزلنا الطريق، فقال: ترون هذا
الجبل ثافلاً؟ إنّ يزيد بن معاوية لما رجع من حجّة مرتحلاً إلى الشام أنشأ يقول:
إذا تركنا ثافلاً يمينا فلن نعود بعده سنينا للحجّ والعمرة ما بقينا فأماته الله
قبل أجله"[17].
وفي حديث آخر عنه عليه السلام: "فنقص الله عمره وأماته قبل أجله"[18].
"وهكذا، فلا يمكن للحجّ أن يكون مجرّد عمل عادي وعبادة بسيطة، وشعيرة ضاهرية بحتة.
إنّ سبر أغوار ما ذكر من الأمور السابقة يجسّد لنا هذه الحقيقة وهي: إنّ الحجّ
يمتلك روحاً وعقلاً وفلسفة عميقة وراقية، وله أسرار وحكم ولطائف قيّمة جمّة، وأهداف
وفوائد ونتائج حياتية كبيرة، ألقت بظلالها على حياة الإنسان في البعدين المادي
والمعنوي، وبالنفوذ ببصيرة إلى أعماق تلك الأعمال الظاهرية. وبالوصول إلى باطن
الأعمال يمكننا تفهّم إشاراتها والمشار إليه فيها على السواء"[19].
المصدر: من فوائد الحج – بتصرف يسير
[1] الوسائل:8: 107.
[2] بحار الأنوار96: 14.
[3] الوسائل:8:5.
[4] الوسائل 8: 7.
[5] الحجّ في السّنة:75.
[6] المصدر السابق.
[7] المصدر السابق.
[8] الوسائل :ج8:ص 68.
[9] الوسائل: ج8 ص 68.
[10] سبأ: 39.
[11] الوسائل: 8: 91.
[12] الوسائل 8: 91.
[13] الوسائل 8: 94.
[14] الوسائل:8 : 95.
[15] الوسائل 8 : 107.
[16] الوسائل: 8: 107.
[17] الوسائل :8: 108.
[18] المصدر السابق.
[19] مجلة ميقات الحج" عدد/7 ص 14 (عباس الزنجاني) بحث بعنوان فلسفة الحجّ وأسرار
مناسكه.