يتم التحميل...

الجماعة الصّالحة

شوال

الجماعة الصّالحة

عدد الزوار: 238

الجماعة الصّالحة


قالَ الإمامُ الصّادقُ عليه السلام لجميل بنِ درّاج: «خيارُكم سمحاؤُكم وشرارُكم بخلاؤُكم، ومِنْ صالحِ الأعمالِ البرُّ بالإخوانِ والسعيُ في حوائجِهم، وذلك مرغَمةٌ للشيطانِ وتزحزحٌ عن النيران، ودخولٌ في الجنان، يا جميلُ أخبِرْ بهذا الحديثِ غُرَرَ أصحابِك قالَ: فقلتُ له: جُعِلتُ فداك ومَن غُررُ أصحابي؟ قال عليه السلام: هُم البارُّونَ بالإخوانِ في العُسرِ واليُسرِ».

قال: يا جميلُ أما إنّ صاحبَ الجميلِ يهونُ عليه ذلك، وقد مدحَ اللّهُ عزَّ وجلَّ صاحبَ القليلِ فقالَ: «ويؤثرونَ على أنفسِهم ولو كان بهم خصاصةٌ ومَن يوقَ شحَّ نفسِهِ فأولئكَ هُم المفلحون».

لقد اعتنى الإمامُ الصادقُ عليه السلام ببناءِ جماعةٍ صالحةٍ تكونُ علَماً ومناراً يهتدي به الناسُ، ولأجلِ الوصولِ إلى ذلك كان الاهتمامُ بأمرينِ في شخصيةِ هؤلاءِ الأصحابِ والأتباعِ: التعليمُ والتربيةُ.

أمّا التعليمُ، فمدرسةُ الإمامِ الصادقِ عليه السلام خرَجَ منها الآلافُ من تلامذتِه الذين انتشروا في البلادِ يبثُّونَ علومَ آلِ محمَّدٍ، وقد سُئِلَ الإمامُ الصادقُ عليه السلام عن قولهِ تعالى: ﴿فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، فقالَ: «إنَّ اللهَ تعالى يقولُ للعبدِ يومَ القيامةِ: أكُنتَ عالماً؟ فإنْ قالَ: نعم، قال: أفلا عَمِلتَ بما عَلِمتَ؟ وإنْ قالَ: كُنتُ جاهلًا، قال: أفلا تَعلَّمتَ حتى تعملَ؟ فيخصمَه، وتلك الحجّةُ البالغةُ».

وأمّا في التربيةُ، فكانتْ توجيهاتُ الإمامِ الصادقِ عليه السلام لأصحابهِ في تفاصيلِ سلوكِهم وتصرُّفاتِهم، ولذا كان يوجِّهُهم إلى معرفةِ معنى أنهم ينتسبونَ إليه حيث يُقالُ لهم (الجعفريةَ) أو أصحابَ (جعفر)، تقولُ الروايةُ عنه عليه السلام: «فإنَّ الرجلَ منكم إذا وَرِعَ في دينهِ وصدقَ الحديثَ وأدَّى الأمانةَ وحسَّنَ خُلُقَه مع الناسِ قيلَ "هذا جعفريٌّ" ويَسرُّني ذلك. وإذا كان غيرَ ذلك دخلَ عليَّ بلاؤُه وعارُه. وقيلَ هذا أدبُ "جعفر" !»
فواللهِ إنَّ الرجلَ كان يكونُ في القبيلةِ من "شيعةِ عليٍّ" فيكونُ زينَها. آدَّاهُم للأمانةِ. وأقضاهم للحقوقِ. وأصدقَهم. يُحملُ إليه وصاياهم وودائِعُهم».


ومن مصاديقِ ذلك وصيّتُه في المبادرةِ إلى قضاءِ حوائجِ بعضِهم بعضاً، والمبادرةُ لذلك تَصدُقُ إذا كان قبلَ السؤالِ، فإذا علمتَ حاجةً لدى أخٍ لك لم تنتظرْ منه السؤالَ، يقولُ الإمامُ الصادقُ عليه السلام: «إنما المعروفُ ابتداءً. فأمّا ما أعطيتَ بعدَ ما سأل فإنما هو مكافأةٌ لما بذلَ من ماءِ وجهِهِ».

فالتكافُل الذي كان يسعى إليه الإمامُ بين أفرادِ المجتمعِ الشيعيِّ هو الذي يجعلُهم جسداً واحداً، تتآلفُ مكوِّناتُه في العنايةِ بعضِها ببعض، ففي الروايةِ عنه عليه السلام: «كنتُ عند أبي عبدِ اللهِ فدخلَ رجلٌ فسألَه الإمامُ: كيف خلفتَ إخوانَك؟ فأحسنَ الثناءَ عليهم. فسألَه: كيف عيادةُ أغنيائِهم على فقرائِهم؟ قال الرجلُ: قليلةٌ. قالَ الإمامُ: كيف مساعدةُ أغنيائِهم لفقرائِهم؟ قالَ: قليلةٌ. قالَ الإمامُ عليه السلام: فكيف يزعمُ هؤلاءِ أنّهم "شيعتُنا"؟».

هذا وكانت شهادةُ الإمامِ جعفرٍ بنِ محمدٍ الصادقِ عليه السلام في 25 (خمسٍ وعشرين) من شوال عامَ 148 (مئةٍ وثمانيةٍ وأربعين) للهجرة مسموماً بما دسّه المنصورُ العباسيُّ، ودُفنَ عليه السلامُ في البقيعِ مع جدِّه لأُمّه الحسن وجدِّه لأبيه زينِ العابدينَ، وأبيه الباقرِ عليهم جميعاً صلواتُ اللّهِ، وهو آخِرُ منْ دُفِنَ من الأئمةِ في البقيع.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

2018-07-03