سبيل الصّلاح
قالَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام :
"مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَ
دُنْيَاهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ
حَافِظٌ".
للوصولِ إلى بعضِ الغاياتِ والأهدافِ طرق ينبغي للإنسانِ أن يعتمدَها وإلا فمنْ
أخطأَ الطريقَ لن يصلَ إلى حيثُ يريد، ويبيّنُ الإمامُ عليه السلام في هذه الحكمةِ
طرقَ الوصولِ إلى أهدافٍ ثلاثة هي: العلاقةُ الحسنةُ مع الناسِ، صلاحُ الدنيا،
الأمنُ من المخاطر:
أولاً، العلاقةُ الحسنةُ مع الناسِ: يرغبُ
الإنسانُ بفطرتِه في أن يكونَ محلَ تقديرِ واحترامٍ لدى الناسِ، ويتوهّمُ بعضُ
الناسِ أنّ الطريقَ للوصولِ إلى ذلك يكونُ من خلال مداهنةِ الناسِ ومسايرتِهم
وموافقةِ رغباتِهم وعدمِ القيامِ بما لا يرضَونَه، ولكنّ الإمامَ عليه السلام
يؤكِّد في كلامِه على أنَّ من يلتزمْ بما يريدُه اللهُ فيؤدي حقوقَه كاملةً ينعكسْ
هذا الأمرُ على نفسِ الشخصِ صلاحاً في علاقتِه مع سائرِ الناسِ، وذلك لأنّ من
يُصلِح ما بينَه وبينَ اللهِ أي يلتزمُ بأوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ ونواهيه فهو بذلك
يُعطي الناسَ ما لها من حقوقٍ ولا يعتدي عليها بقولٍ ولا بفعلٍ، وبذلك ينالُ رضى
الناسِ، ويصفُ أميرُ المؤمنينَ هذا الإنسانَ في كلامٍ آخرَ له عليه السلام فيقول:
"فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ ..مكظُوماً غَيْظُه، الْخَيْرُ مِنْه مَأْمُولٌ
والشَّرُّ مِنْه مَأْمُونٌ ... يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَه ويُعْطِي مَنْ حَرَمَه،
ويَصِلُ مَنْ قَطَعَه، بَعِيداً فُحْشُه، لَيِّناً قَوْلُه غَائِباً مُنْكَرُه
حَاضِراً مَعْرُوفُه، مُقْبِلًا خَيْرُه مُدْبِراً شَرُّه ... لَا يَحِيفُ [يعتديٍ]
عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، ولَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ ...ولَا يُنَابِزُ
بِالأَلْقَابِ ولَا يُضَارُّ بِالْجَارِ، ولَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ ولَا
يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ، ولَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ".
ثانياً، صلاحُ الدنيا: يُخطِئُ من يظنُّ أنّ
صلاحَ هذه الدنيا يكونُ من خلالِ السعيَّ إليها بأيِّ وسيلةٍ كانت، وعدمِ المبالاةِ
بكونِ الطريقِ من حلالٍ أو حرامٍ، بل إنّ الطريقَ الصحيحَ لنيلِ هذه الدنيا هي رضى
اللهِ عزَّ وجلَّ من خلالِ التفكيرِ بما فيه الفوزُ والنجاةُ في الآخرةِ، واللهُ عزَّ
وجلَّ يكفلُ لهذا الإنسانِ أنْ يصلَه من هذه الدنيا ما يحتاجُ إليه مما فيه خيرُه،
ويجعلَه يعيشُ الرضى والقناعةَ والكفافَ، ويرزقَه من حيثُ لا يحتسب.
ثالثاً، الأمنُ من المخاطرِ: الطريقُ الذي
يُبيّنهُ الإمامُ لهذه الغايةِ هي أن يكونَ للإنسانِ واعظٌ داخليٌ في نفسِه، فيفكرُ
في عواقبِ الأمورِ التي يقومُ بها أو يُقدِمُ عليها، فهل تكونُ خيراً أو شراً؟
وحينئذٍ لن يُقدِمَ على ما لاخيرَ فيه، وبهذا يحفظُ نفسَه من الخطأِ، ويجعلُ اللهُ
له حافظاً يحفظُه ويسدِّدُه. وهذا الرادعُ الداخليُّ هو بابُ استقامةِ الإنسانِ في
هذه الدنيا، يقولُ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام : "واعلمْ أنّكَ إنْ لم تردعَ
نفسَك عن كثيرٍ ممّا تحبُّ مخافةَ مكروهٍ، سمتْ بك الأهواءُ إلى كثيرٍ من الضّرر"ِ.
نسألُ اللهَ المعافاةَ في الدينِ والدنيا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
2018-06-26