علي بن ابي طالب (عليه السلام): الإمام المظلوم والمنتصر
شهيد المحراب
علي بن ابي طالب (عليه السلام): الإمام المظلوم والمنتصر
عدد الزوار: 1222
مظلومية أمير المؤمنين (عليه السلام):
يعتبر أمير المؤمنين (عليه السلام) من أبرز الشّخصيّات المظلومة في التّاريخ. وقد
كانت مظلوميّته في كلّ جوانب حياته. لقد ظُلم في أيّام شبابه، حيث تعرّض للظّلم
آنذاك من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وظُلِم في سنوات كهولته وفي عهد
خلافته، واستُشهد مظلومًا، وظلّ من بعد استشهاده يُسبّ على المنابر على مدى سنوات
طوال، وتُنسب إليه شتّى الأكاذيب.
وورد في التّاريخ الإسلاميّ اسما شخصيّتين، وليّ دمهما الله، فهو الّذي يطلب
بثأرهما، أحدهما الإمام الحسين عليه السلام، والآخر هو أبوه أمير المؤمنين عليه
السلام، "يا ثار الله وابن ثاره"([1])، أي أنّ المطالب بدم أبيه هو الله تعالى
أيضًا.
أمير المؤمنين (عليه السلام) منتصر دائماً:
الأمر الآخر الّذي طبع حياة الإمام عليّ عليه السلام هو النّصر، حيث تغلّب في حياته
على جميع التّجارب العصيبة الّتي فُرضت عليه، ولم تستطع جميع الجبهات الّتي فتحها
ضدّه أعداؤه، أن تنال منه، وإنّما هُزِمت كلّها أمامه. ومن بعد استشهاده أخذت
حقيقته الناصعة تتجلّى وتتفتّح يومًا بعد آخر أكثر ممّا كانت عليه في أيّام حياته.
ففي عالم اليوم، ليس في العالم الإسلاميّ وحده، وإنّما في العالم كلّه، هناك أناس
كثيرون لا يؤمنون حتّى بالإسلام، إلا أنّهم يؤمنون بعليّ بن أبي طالب عليه السلام
كشخصيّة تاريخيّة لامعة. وهذا هو جلاء ذلك الجوهر الوهّاج، وكأنّ الله يُكافئه على
ما لحق به من ظلم. فلا بدّ أن يكون لتلك المظلوميّة ولذلك الكبت والضّغط والتعتيم،
ولتلك الحقيقة السّاطعة مع تلك التّهم العجيبة التي واجهها بالصّبر، ثواب عند الله،
وثوابها هو أنّك لا تجد على مدى التاريخ، شخصيّة على هذه الدرجة من التألّق، وقد
نالت القبول بكلّ هذا الإجماع. ولعلّ أفضل الكتب الّتي سُطّرت حتّى اليوم بحقّ أمير
المؤمنين عليه السلام، وأكثرها ولهًا وحبًّا، هي تلك الّتي كتبها أشخاص غير مسلمين،
كالكتّاب المسيحيّين الذين كتبوا بوَلهٍ حول أمير المؤمنين عليه السلام كتبًا جديرة
بالثناء حقًّا.
وكان هذا الحبّ قد نشأ منذ اليوم الأوّل، أي من بعد استشهاده، رغم تكالب الجميع على
الإساءة إليه والانتقاص منه، الفئة الّتي كانت تحكم الشام ومن كان يدور في فلكها،
وممّن امتلأ غيظًا من سيف أمير المؤمنين ومن عدله. فكانت هذه القضيّة واضحة منذ ذلك
الوقت. ونذكر مثالًا واحدًا على ذلك: انتقص ابن عبد الله بن عروة بن الزبير من أمير
المؤمنين عليه السلام ذات يوم، أمام أبيه عبد الله بن عروة بن الزبير. وكان آل
الزبير كلّهم ضدّ عليّ، إلا واحدًا منهم، وهو مصعب بن الزبير الّذي كان رجلًا
شجاعًا وكريمًا، وهو الّذي دخل لاحقًا في صراعٍ مع المختار الثقفيّ في الكوفة، ومن
بعده مع عبد الملك بن مروان، وهو زوج سكينة، أي إنّه أوّل صهر للإمام الحسين عليه
السلام، فكان آل الزبير كلّهم خصومًا لأمير المؤمنين عليه السلام أبًا عن جدّ،
باستثنائه هو. وهذا ما يدركه الإنسان من خلال دراسته للتاريخ. وبعدما سمع عبد الله
ذلك الانتقاص على لسان ابنه، قال جملة ليست حيادية كثيرًا، إلا أنهّا تنطوي على
نقطة مهمّة وهي: "والله يا بُنيّ، ما بنى النّاس شيئًا قطّ إلّا هدمه الدّين، ولا
بنى الدّين شيئًا فاستطاعت الدنيا هدمه"، أي إنّهم يحاولون عبثًا هدم اسم أمير
المؤمنين عليه السلام القائم على أساس الدّين والإيمان، "ألم ترَ إلى عليّ كيف
تُظهر بنو مروان من عيبه وذمّه؟ والله لكأنّهم يأخذون بناصيته رفعًا إلى السّماء.
وأما ترى ما يندبون به موتاهم من التّأبين والمديح؟ والله لكأنّما يكشفون به عن
الجيف"([2]). لعلّ هذه الكلمة قيلت بعد نحو ثلاثين سنة من شهادة أمير المؤمنين عليه
السلام، أي أنّه عليه السلام، وعلى الرغم من فداحة الظّلم الّذي نزل به، أضحى هو
المنتصر في حياته وفي التاريخ وفي ذاكرة الإنسانيّة.
* جمعية المعارف الإسلامية - بتصرّف
[1] الشيخ الكليني،
الكافي، ج 4، ص 576.
[2] راجع: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج39، ص 314.