وفي سنة تسع وثلاثين حج ناس من الخوارج، فلما انقضى الحج أقام النفر من الخوارج بجوار مكة، وتوافقوا على قتل علي (عليه السلام) ومعاوية وعمرو بن العاص، وقال لهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي: أنا كفيلكم أمر علي، وانتدب آخران لقتل معاوية وعمرو بن العاص، واتفقوا على يوم واحد يتم فيه قتل الجميع، ثم سار كل منهم في طريقه.
وقدم ابن ملجم الكوفة لعشر بقين من شعبان سنة أربعين، ومكث سرا وتزوج امرأة خارجية يقال لها قطام بنت علقمة، وشرطت عليه أن يقتل علياً (عليه السلام)، وبحسب رواية اليعقوبي أنه مكث شهرا عند الأشعث بن قيس يستحد سيفه، حتى إذا كانت ليلة التاسع عشر من شهر رمضان خرج إلى المسجد ينتظر علياً (عليه السلام)، فلما دخل إلى المسجد لصلاة الصبح وشرع بها، وثب عليه ابن ملجم، وقال: الحكم لله لا لك يا علي، وضربه على رأسه بالسيف.
فقال علي (عليه السلام): فزت ورب الكعبة.
ثم قال لا يفوتنكم الرجل، فشد الناس عليه فأخذوه، وقال ابن ملجم بعد قتله علياً (عليه السلام): لقد أحددت سيفي بكذا وكذا، وسممته بكذا، وضربت به عليا ضربة لو كانت بأهل المصر لأتت عليهم.
ولما جيء به إلى بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) بكت أم كلثوم وقالت له: يا عدو الله، قتلت أمير المؤمنين، قال: ما قتلت أمير المؤمنين بل قتلت أباك. قالت: والله إني لأرجو أن لا يكون عليه بأس، قال: ولم تبكين إذن، والله لقد أرهفت السيف، ونفيت الخوف، وجبت الرجل، وقطعت الأمل، وضربت ضربة لو كانت بأهل المشرق لأتت عليهم([1]).
وكان لما خرج أمير المؤمنين من البيت إلى المسجد، تبعه إوز كن في الدار، فتعلقن بثوبه، فقال: صوائح تتبعها نوائح، وأقام بعد ضربة ابن ملجم له يومين واستشهد ليلة الجمعة ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان من سنة أربعين للهجرة([2]).
وقد اعترف ابن ملجم أخيرا بموقع علي (عليه السلام) ومكانته، وذلك عندما استدعاه الإمام الحسن (عليه السلام)، فقال له عبد الرحمن: ما الذي أمرك به أبوك؟ قال أمرني ألا أقتل غير قاتله، وأن أشبع بطنك، فإن عاش اقتص أو أعفو، وإن مات ألحقنك به.
فقال ابن ملجم: إن كان أبوك ليقول الحق ويقضي به في حال الغضب والرضا، ثم قتله الإمام الحسن (عليه السلام)([3]).
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
([1]) الإمامة والسياسة، ج1، ص160 ـ 161.
([2]) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص212.
([3]) نفس المصدر السابق، ج2، ص214.