لقائه أعضاء اللجنة المنظّمة للمؤتمر الوطني لإحياء ذكرى شهداء سيستان وبلوشستان
2018
كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء اللجنة المنظّمة للمؤتمر الوطني لإحياء ذكرى شهداء سيستان وبلوشستان.
عدد الزوار: 87
كلمة
الإمام الخامنئي في لقائه أعضاء اللجنة المنظّمة للمؤتمر الوطني لإحياء ذكرى شهداء
سيستان وبلوشستان.12/2/2018
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
إيماننا وتضحيات شهدائنا حفظا الجمهورية الإسلامية من عدوانية نظام الجاهلية
الحديثة
إحياء ذكرى شهداء المحافظات عمل حسن
إنّ الاحتفاء بذكرى شهدائنا الأعزّاء والمضحّين هو من الأعمال الحسنة
التي راجت ـ بحمد الله ـ في هذه الفترة من الزمن. فأنْ يُذكر شهداء كل محافظة
بتعظيم وإجلال وأنْ تحيى ذكراهم في المحافظات المختلفة لهو عملٌ مفيد جدّاً ولازم.
لكن ثمة خصوصية في بعض مراكز البلاد ومحافظاتها تجعل هذا العمل الحسن الصالح في تلك
المراكز وكأنه حسنة مضاعفة. ومن هذه المراكز والمناطق محافظة سيستان وبلوشستان. إنه
لأمر جذاب جداً بالنسبة لي أن أشاهد مجموعة من الشخصيات البارزة من الشرائح
المختلفة في محافظة سيستان وبلوشستان والمسؤولين المحترمين في هذه المحافظة يجتمعون
حول بعضهم البعض ليقيموا مراسم تكريمية لشهداء هذه المحافظة ـ وهي محافظة مظلومة ـ
ويذكروهم ويُحيوا ذكراهم.
أنسي بأهل محافظتكم جعلني أوصي بدفني فيها
إنجذابي لمحافظة سيستان وبلوشستان لأنسي بأهلها يوم مكوثي فيها
وهذا أمر لافت ومحبب جداً بالنسبة لي. جاذبية هذا الأمر بالنسبة لي ناجمة عن عدة
عوامل. أحد العوامل محبتي الشخصيّة لهذه المحافظة. لقد مكثت لفترة من الزمن في
محافظة سيستان وبلوشستان ولم تكن بالفترة الطويلة. لكن الله تعالى هيّأ الظروف بحيث
يكون أنسي بهذه المحافظة وبأهاليها وكأنه أنسٌ يمتد لسنين عديدة. لقد كان هذا من
فعل الله، وإلّا لم أمكث هناك فترة طويلة. لقد كانت مدينة إيرانشهر جذابة بالنسبة
لي في تلك الفترة إلى درجة أنني أوصيت بأنّني إذا ما متُّ في هذا السفر [النفي
والإبعاد إلى إيرانشهر] وخلال هذه المدة، أن أُدفن حتماً في مدينة إيرانشهر نفسها،
وبألّا يخرجوني منها. ولقد ذهبت وشاهدت المقبرة هناك ـ مقبرة مدينة إيرانشهر ـ لكن
لم يكن ذلك مقسوماً لنا.
هذه المحافظة وأهلها عانوا الإهمال طويلا في عهود ما قبل
الثورة
إنّ الأهالي البلوش أناسٌ محبّون وودودون كثيراً. أناسٌ حميميون أنقياء
وموهوبون طبعاً. والاستعدادات في تلك المحافظة كثيرة جداً. لكن حصل على مرّ التاريخ
ـ سواء في العهد القاجاري أو في العهد البهلوي ـ وعلى امتداد هذه الأعوام الطويلة
جفاءٌ وإهمالٌ لهذه المنطقة وأهاليها.
في تلك الفترة التي كنا فيها هناك، أنسنا بالأهالي فكنّا نخالطهم ونتحدث إليهم،
إلّا أنّه لم يكن حتى مأمور حكومي بسيط قد دخل مدينة مثل إيرانشهر التي كانت في
الواقع مركزاً سياسياً وجغرافياً لبلوشستان، أو إلى سراوان التي كانت تُعدّ المركز
العلمي والمعنوي لها. لم يدخلها حتى مأمور واحد كأن يكون محافظاً مثلاً. وبعد
الثورة، ذهب رؤساء الجمهورية والمسؤولون جميعاً إلى كل هذه المدن، حتّى أنّهم ذهبوا
إلى القرى؛ والمسافات بعيدة جدّاً. في تلك الفترة [قبل الثورة] أُهمل الناس وأُهملت
قضايا بلوشستان، ولم تظهر مواهب واستعدادات هؤلاء الأهالي ولم يُفسح المجال أمامها.
وكذا كان الحال بالنسبة لسيستان. فأهالي سيستان نادرو النظير بين كل الشعوب
والأعراق الإيرانية من حيث الماضي التاريخي. ماضي سيستان ماض استثنائي ومشرق ومميز
للغاية. هكذا كان الحال هناك أيضاً، حيث عانت المنطقة من الإهمال وعدم الاهتمام.
وقد رافقت عدم الاهتمام هذا حوادث طبيعية.
محافظتكم تحتاج إلى المزيد من الإنجازات
ما كان يشعر به المرء عند تعامله مع هؤلاء الأهالي هو أنهم بحاجة إلى
المحبة، وقد أودع الله تعالى محبتهم في قلوبنا، وأودعها في قلوب المسؤولين أيضاً.
وقد تم إنجاز الكثير من الأعمال لسيستان وبلوشستان. وكل هذه الأعمال التي ذكرها
السيد المحافظ (2) الآن هي أعمالٌ ضرورية، لكنني أوصيه بأن لا يكتفي بأن يقول لي [ويعرض
أمامي المشكلات] في هذه الجلسة؛ فليس من صلاحيتي القيام بهذه الأعمال. من لديه
صلاحية إنجاز هذه الأعمال هم المسؤولون الحكوميون؛ فسواء سكك الحديد، أو تحلية
المياه، أو الكثير من الأمور الأخرى [هي من مهمّات المسؤولين الحكوميّين]، اذهبوا
وتابعوا، اذهبوا واطلبوا بجدّ من المسؤولين الأعلى منكم في الحكومة أن يتابعوا
الأمور. وهم يعرفون السُّبل إلى ذلك. إذا كان هناك حقاً من سبيل -وهو [حتماً] موجود-
فهم يعرفونه. أنظروا الأعمال الواجبة على مستوى المحافظة. في مدينة إيرانشهر مثلاً،
وقد كنت مطّلعًا على قضاياها أكثر قليلاً من الأماكن الأخرى في المحافظة، لماذا يجب
أن يُعطَّل [معمل] «بافت بلوش» (3) ويقفل؟ لماذا؟ وهذا من الأمور التي تابعتها في
تلك الفترة منذ البداية، وانطلق واصبح ناشطاً، ثم تعرض لحالة من الإهمال. اذهبوا
وعالجوا هذه الأمور، اذهبوا واقصدوا القطاع الخاص ليأتوا ويتكفلوا بهذه الأمور
وينجزوا هذه الأعمال. ثم ليستفيدوا من صندوق التنمية ـ وصندوق التنمية تابع للقطاع
الخاص ـ ليذهبوا وليستفيدوا منه، فلا إشكال في ذلك أبداً. أي اذهبوا وتابعوا هذه
القضايا. إذاً، من أسباب فرحتي وارتياحي لاجتماعكم هذا من أجل الشهداء هو محبتي
لتلك المحافظة وأهاليها. وهذه المحبة ليست من دون منطق، بل هي محبة قائمة على
المنطق والدليل، لا أنه مجرد أنسٌ بسيط كان لنا بالأهالي، بل لأنّهم واقعاً جديرون
بالمحبّة.
محافظة سيستان وبلوشستان أحد مظاهر الوحدة الإسلامية في
البلاد
ثانياً هذه المحافظة مظهرٌ لشعار الوحدة الإسلامية الذي نرفعه. هناك عدة
مناطق في البلاد. هناك محافظة كردستان، وهناك منطقة تركمن صحرا في محافظة گلستان،
ومحافظة سيستان وبلوشستان، يعيش فيها السنة والشيعة جنباً إلى جنب. إننا نريد أن
نُعلِّم العالم هذا الأمر ونقول ليأت الإخوة المسلمون ويتعاونوا فيما بينهم ويعيشوا
إلى جانب بعضهم البعض. ونموذج ذلك موجود هنا في محافظة سيستان وبلوشستان. بل إن
العدو يشدد على هذه النقطة بالتحديد. إنه يضع يده على هذه النقطة ويريد إيجاد
التفرقة. وعندما تقولون إن طفلاً سنياً في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره
استشهد في شلمجه دفاعاً عن الجمهورية الإسلامية (4) فهذا أكبر خبر عن الوحدة
والتعاطف بين الشيعة والسنة في سيستان وبلوشستان. وهذه ليست مسألة بسيطة، إنها
مسألة مهمة جداً! وعندما يتعرض المولوي السني الفلاني لهجوم الأعداء في دفاعه عن
الجمهورية الإسلامية ويستشهد على يد أعداء الثورة (5) فيجب أن تسلطوا الأضواء على
ذلك بشكل كبير وتبرّزوه وتظهروه. كانت لدينا مثل هذه النماذج في سيستان وبلوشستان.
أعرضوا وحدتكم على الناس عبر مختلف الأعمال الثقافية
من المهم جداً أن تبيّنوا هذه الوحدة الحقيقية الواقعية في هذه المحافظة،
وتعرضوها على الناس. والسبيل إلى ذلك هو ما قاله هذا القائد المحترم (6). أي هذه
الأعمال الثقافية المتنوعة من إعداد الكتب والقصص والنتاجات الثقافية سواء المتعلق
منها بالفنون التصويرية أو المتعلق منها بالفنون الصوتية، وما إلى ذلك. استفيدوا من
كل ذلك وجسّدوا هذه الحقيقة وأوضحوها ليرى الجميع بأن الإخوة الشيعة والسنة
يتواجدون في الجمهورية الإسلامية بعضهم إلى جانب بعض في أصعب الساحات. لقد زرت
بلوشستان عدة مرّات وتنقّلت هناك في زاهدان وإيرانشهر وخاش وسراوان وتشابهار وفي
زابل نفسها وفي أماكن مختلفة من المحافظة. عندما يدخل المرء هذه المدن يشعر أن
الناس يمتلكون وداً ومحبةً للجمهورية الإسلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة. هذا ما
يشعر به الإنسان بوضوح هناك. حسنٌ، هذا ما يعبر عن نفسه في ساحة الحرب وفي ساحة
التضحية أكثر من المواطن الأخرى.
نظام الجاهلية الحديثة واجهنا بكل وسائل عدوانه ولم يستطع
هزيمتنا
ينبغي إحياء ذكرى الشهداء. لا يزال هذا البلد وهذا النظام بحاجة إلى ذكر
شهدائنا الأبرار وذكراهم. كلنا بحاجة لهذا. باسم الشهداء وذكراهم تُعبِّر الأمجاد
التي حققتها الجمهورية الإسلامية عن نفسها. الجمهورية الإسلامية نظامٌ وقف وقاوم
على مرّ هذه السنين الطويلة بوجه نظام الجاهلية الحديثة. لذلك تقوم الجاهلية
الحديثة بمعاداته بكل أدواتها ووسائلها؛ بالأسلحة العسكرية، والأسلحة الثقافية،
والوسائل الحديثة والجديدة، بالحظر الاقتصادي. لقد استخدمت هذه الجاهلية الحديثة
نفسها -هذا الباطل المستقر والذي يعمّ العالم كلّه للأسف- مختلف أنواع الأدوات
والوسائل ضد الجمهورية الإسلامية. فلقد قام الجميع ضد الجمهورية الإسلامية ولم
يستطيعوا هزيمتها، وإجبارها على التراجع، ولم يستطيعوا ثنيها عن كل أقوالها بحيث
تقول مثلاً «إنني تراجعت عن كلامي هذا، وتراجعت عن إرادتي هذه». لم يستطيعوا.
صمودنا كان بإيماننا المتجلي بأسمى صوره في الشهداء
لماذا لم يستطيعوا؟ لأن الجمهورية الإسلامية قوية جداً. ما هو سبب قوتها؟
إنها قوة الإيمان والصمود. عندما نصل إلى هنا، ترون أن آخر هذه السلسلة البالغة
الأهمية ينتهي إلى الشهداء والجرحى والمضحّين. [نعم] السلسة تنتهي إلى هؤلاء. إنّ
الشيء الذي أدى إلى أن تحافظ هذه الجمهورية الإسلامية -والحمد لله- على هيبتها
وعظمتها في العالم، بل وتتجلى أكثر في العالم يوماً بعد يوم، فلا تستطيع كل هذه
المؤامرات أن تؤثر عليها هو تضحيات الناس. السبب هو هذا الإيمان الراسخ الذي يتجلى
مظهره الكامل الرفيع في الشهداء. وأنتم تعملون على تكريم الشهداء وإحياء ذكراهم
وأسمائهم. نحن بحاجة لهذا، الجمهورية الإسلامية بحاجة إلى تعظيم الشهداء وتكريمهم
هذا. وعليه، فإنّ عملكم عملٌ حسنٌ جداً، عملٌ صحيحٌ ولازمٌ تماماً.
وليتعاون الجميع، فليس في الأمر شيعةٌ وسنةٌ وعالمٌ وجاهلٌ، على الشرائح المختلفة،
وكل الذين يستطيعون، أن يتعاونوا في هذه القضية وليحافظوا على ذكرى هؤلاء الأعزاء
الأبرار، وليعظموها وليبرّزوا ذكرى هؤلاء الشهداء. إنّي بالطبع أعرف بعض الشهداء
المعروفين من سيستان وبلوشستان عن قرب، وقرأتُ عن سير بعضهم في الذكريات والكتب
والمؤلّفات. لكن مع ذلك عرّفوا عن كل هؤلاء الشهداء وكل تلك الشخصيات البارزة
وخصوصاً حديثي السنّ منهم ـ نحن لا نعرف شيئاً عن اليافع ذي الثانية عشرة من العمر،
وذي الرابعة عشرة من العمر ـ ليتعرف الجميع عليهم وليعلموا بهم. وفّقكم الله جميعاً
إن شاء الله.
والسّلام عليكم ورحمة اللّه.
1 ـ في بداية هذا اللقاء ـ الذي أقيم
ضمن اللقاءات الجماعية ـ تحدث حجة الإسلام والمسلمين عباس علي سليماني (ممثل الولي
الفقيه في محافظة سيستان وبلوشستان وإمام جمعة زاهدان) والسيد دانيال محبّي (محافظ
سيستان وبلوشستان) والقائد اللواء ثاني في الحرس الثوري حسين معروفي (قائد الحرس
الثوري في سيستان وبلوشستان). يُذكر أن هذا المؤتمر سيُعقد في تاريخ 13/02/2018 م.
2 ـ ذكر محافظ سيستان وبلوشستان في كلمته أنّ المشكلات الرئيسية للمحافظة هي: مشكلة
شحّة المياه التي يمكن معالجتها بتمويل من صندوق التنمية الوطنية واعتماد تحلية
المياه، وإنشاء خط سكك حديد تشابهار ـ مشهد، وتوسيع وزيادة المدارس.
3 ـ يقع معمل النسيج هذا في إيرانشهر، وهو عاطل عن العمل الآن بسبب بعض المشكلات.
4 ـ إشارة إلى ما ذكره ممثل الولي الفقيه وكذلك قائد الحرس في المحافظة عن الشهيد
اليافع "سبيل أخلاقي".
5 ـ إشارة إلى ما ذكره قائد الحرس الثوري في المحافظة عن الشهيد المولوي مصطفى جنكي
زهي.
6 ـ إشارة إلى ما ذكره قائد الحرس الثوري في المحافظة حول الخطوات الثقافية لهذا
المؤتمر من قبيل: إنشاء بنك معلومات شامل للمؤتمر، وإنتاج الكتب، وإنتاج الأفلام
القصصية والوثائقية والكليبات المصورة وأفلام الرسوم المتحركة، وإنتاج أناشيد
باللهجات البلوشية والسيستانية والفارسية، وإصدار مجلات شهرية وخاصة، وبناء نصب
تذكارية، وإقامة معارض، وإقامة مراسم تذكارية، وإقامة ملتقيات جانبية (محليّة)،
وإقامة مراسم الأدعية، وتكريم عوائل الجرحى واللقاء بهم، وإقامة أمسيات شعرية
وقصصيّة تتناول ذكريات عن الشهداء، ورواية سير شهداء الدفاع المقدس في الجامعات
والمدارس، ودعم أيتام المحافظة بالنيابة عن الشهداء.