يتم التحميل...

القناعة والرضى

جمادى الأولى

القناعة والرضى

عدد الزوار: 208

القناعة والرضى


عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"مَنْ رَضِيَ بِرِزْقِ اللَّه لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَه... ومَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ - رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ".

للعيش في هذه الحياة مستلزمات وقد كفل الله عز وجل الرزق لهذا الإنسان، فلم يتركه سدى، قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.

ولكن أعظم ما يبتلى به الإنسان عدم الرضى بما يصل إليه من رزق الله، فتجده دائم الطلب للمزيد وبهذا يتوقع دائما أن يصله من نعم هذه الدنيا الكثير، وكلما رأى نعمة أنزلها الله على أحد من خلقه يعيش القلق لأنه لم يحصل على ذلك، بل اذا توقع شيئا من الرزق ولم يصل إليه يحزن لفقده وعدم الوصول إليه.

إن السبب في ذلك هو التعلّق بهذه الدنيا الناشئ من النظر إليها على أنها هي الغاية، وأما من كان تعلّقه بالآخرة وكان حاضرا لديه على الدوام أن كل ما في هذه الدنيا سوف يزول وينقطع بالموت فإنه سوف يقنع بما يصل إليه من الرزق القليل.

إن تحقق القناعة لدى الإنسان بما رزقه الله سيؤدي إلى آثار إيجابية على المستوى النفسي فيعيش الإنسان في راحة، يقول الإمام (عليه السلام) :"ولَا كَنْزَ أَغْنَى مِنَ الْقَنَاعَةِ، ولَا مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مِنَ الرِّضَى بِالْقُوتِ، ومَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ الْكَفَافِ، فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ".

فالرضى بالرزق الإلهي يزيل من الإنسان الشعور بالفقر وهو بهذا يمتلك روح الغنى، بل يعبّر الإمام عن القناعة بأنها كنز، ومن امتلك هذا الكنز كان من أهل الغنى لا الفقر، وهذه القناعة تتمثل بأن يقنع بما يكفيه للعيش فلا يطلب الرفاهية التي يسعى إليها سائر الناس.

ومن أهم ما يساعد الإنسان على الوصول إلى الرضى والقناعة أن يعلم أن الأمر بيد الله يعطيه كما يشاء, ولذا يقول الإمام (عليه السلام):"ولَنْ يَسْبِقَكَ إِلَى رِزْقِكَ طَالِبٌ، ولَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيْه غَالِبٌ، ولَنْ يُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدْ قُدِّرَ لَكَ".

وفي كلام الإمام بيان واضح بأن أحداً لن يأخذ المقسوم لك كما إن لكل رزق أوانه ووقته، فلن يتأخر رزقٌ أراده الله لك عن الوصول إليك إذا حان وقته.

ولذا فإن من الأمور التي يقع بها من لا يقنع بالرزق هو أن يبدأ بالطلب من الناس وسؤالهم وهو ما يحذّر منه الإمام مؤكداً على ضرورة أن يتعلق الإنسان بالله سبحانه وييأس من الناس، يقول (عليه السلام):"الْغِنَى الأَكْبَرُ الْيَأْسُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ".

فالمؤمن الواثق بأن الرزق بيد الله يتجه إلى الله عز وجل مباشرة فيخاطبه بحاجته ويسأله أن يقضيها له، ولا يجعل واسطة بينه وبين ربه، قال (عليه السلام):"وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَكَ وبَيْنَ اللَّه ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ وآخِذٌ سَهْمَكَ، وإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّه سُبْحَانَه أَعْظَمُ وأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِه، وإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْه".

ومن دعاء الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في اللجوء إلى الله بما يغني الإنسان عن الحاجة إلى الناس:"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَصُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ، وَلَا تَبْتَذِلْ جَاهِي بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ أَهْلَ رِزْقِكَ، وَأَسْتَعْطِيَ شِرَارَ خَلْقِكَ، فَأَفْتَتِنَ بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي، وأُبْتَلَى بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي، وَأَنْتَ مِنْ دُونِهِمْ وَلِيُّ الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ".

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

2018-02-06