إحدى العوامل التي تنشىء ظاهرة التعقيد والشعور بالنقص لدى الانسان هي الضغوط
الاقتصادية والهموم الكاذبة وتحطيم الغرائز وعدم اشباعها على الوجه الصحيح والمحدد
لها.
بلا شك يجب على الانسان ان يشبع غرائزه على وجه متوازن، لأن الافراط والتفريط هنا
يتسببان في طفح الكيل في الغرائز او خمولها فتكون عنده أرضية مناسبة لاقتراف الذنوب
في كلتا الحالتين.
فمثلاً الضغط على شيء حلزوني الشكل ـ كالرفاس ـ يحدث رد فعل قوي. كالذي لم يأكل مدة
من الزمن فعند رؤيته للأكل يأكل بشراهة.
قال الامام الخميني (قدس سره) ناصحاً لطلبته نقلاً عن آية الله المحمدي الگيلاني: "ليكن
عيشكم طبيعياً، ولا تحملوا انفسكم اكثر من طاقتها. لان التحمل للطلبة لايخلو من
مخاطرٍ، ولربما تتوقعون من الناس اكثر من الممكن".
وعلى أية حال، فلابد ان تسير الحياة بشكل طبيعي، وان لا تكبح جماح الغرائز
الانسانية المشروعة.
فمثلاً: من وجهة نظر الاسلام إن القاضي بالشريعة يجب ان يعيش عيشة طبيعية يؤمنها من
أموال بيت المال؛ لئلا يحس بالحاجة فيتبع الرشوة ويتلوث بأكل الحرام.
في الآية 32 من سورة الاعراف نقرأ:
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ
أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾.
"بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله بن العباس الى ابن الكواء وأصحابه وعليه
قميص رقيق وحلّة فلمّا نظروا إليه قالوا: يا ابن عباس أنت خيرنا في أنفسنا وأنت
تلبس هذا اللباس؟ فقال: وهذا أول ما أخاصمكم فيه قال تعالى:
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ
زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾،
وقال تعالى:
﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾" (الاعراف / 31). (1)
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): "إن الله جميل يحب الجمال ويحبّ أن يرى أثر
النعمة على عبده" (2).
قراءة في روايات أخرى:
1 ـ قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "ليس منا من وُسّع عليه ثم فتّر
على عياله". (3)
2 ـ. وقال الامام الرضا (عليه السلام): "ينبغي للرجل أن يوسع على عيالة لئلا
يتمنّوا موته" (4).
وقال الامام الصادق (عليه السلام): "ينبغي ان يكون للعاقل أربع ساعات.... ساعة
مناجاته مع ربه، وساعة يحاسب بها نفسه، وساعة التفكر في مخلوقات الله سبحانه، وساعة
يصرفها في تهيئة المأكل والملبس له ولعياله" (5).
4 ـ وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام): "إن هذه القلوب تمل كما تمل الابدان
فابتغوا لها طرائف الحكم" (6).
إجمالا يمكن القول بضرورة إشباع متطلبات الروح الانسانية بشكل مشروع، وإعادة النظر
في الكثير من التعقيدات المهيمنة على جوانب الحياة كالمأكل والملبس وتعديلها، وعدم
سلوك سبيل الجهلة (سبيل الافراط والتفريط)، لان تعطيل الغرائز يتسب في فتورها
ويالتالي تظهر العقد والانحراف النفسية.
* الشيخ محسن قراءتي - بتصرف
(1) فروع الكافي ج 6 ص 442.
(2) فروع الكافي ج 6 ص 438.
(3) وسائل الشيعة ج 5 ص 135.
(4) نفس المصدر السابق ص 135.
(5) اخلاق شبر ص 285.
(6) غرر الحكم ج 1 ص 234.