يتم التحميل...

إيّـاكـم وطـول الأمـل

ربيع الثاني

إيّـاكـم وطـول الأمـل

عدد الزوار: 236

إيّـاكـم وطـول الأمـل


عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ تَقْوَى اللَّهِ حَمَتْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ مَحَارِمَهُ، وأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ، حَتَّى أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ، وأَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ، والرِّيَّ بِالظَّمَأِ، واسْتَقْرَبُوا الأَجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ، وكَذَّبُوا الأَمَلَ فَلَاحَظُوا الأَجَلَ".

يطوي الإنسان عمره، وفي كل لحظة يدنو منه أجله، ولكن الإنسان يتعامل معه على أنه بعيد عنه بل في غاية البعد، فلا تحكي تصرفاته وسلوكياته عن أنه يجعل لتلك اللحظة التي سوف تحل عليه حسابا، وما نشهده بوضوح في حياة الناس من حولنا أنه كلما تقدّم العمر بالإنسان فأصبح يشعر بدنو لحظة الموت منه يكون أشد حرصاً على الاستعداد لها، ولذا يحث الإمام (عليه السلام) الناس مخاطباً إياهم (بعباد الله) على أن يعيشوا دوما هذا الشعور بقرب لحظة الموت فإن ذلك ما يجعل الحرص في نفوسهم على المسارعة فوراً للاستعداد للآخرة وعدم تأخير ذلك، قال (عليه السلام): "واسْتَقْرَبُوا الأَجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ".

وأما الخطر الذي يحول دون ذلك فهو طول الأمل، حيث يرسم الإنسان مخططات مستقبلية وكأنه سوف يعمِّر في هذه الدنيا أبداً، وأما صاحب التقوى فإنه يتعامل مع هذا الأمل بأنه غير صحيح وغير مطابق للواقع لأنه يعرف أن الحياة مهما طالت فإن لها نهاية تتحقق بلحظة الموت فلا يغتر بالأمل أبداً، وفي حديث آخر يوضح الإمام (عليه السلام) كيف أن طول الأمل يجعل الآخرة في صفحة النسيان قال (عليه السلام): "أيّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى، وطُولُ الأَمَلِ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآْخِرَةَ".

ومن الأسباب التي تجعل الإنسان يعيش طول الأمل وهو ما يراه من نعيم الدنيا يتنزّل على بعض الناس فيوجب ذلك له الغرور، وهذا ما يحذر منه الإمام (عليه السلام) حيث يقول: "فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيه أَهْلُ الْغُرُورِ, فَإِنَّمَا هُوَ ظِلٌّ مَمْدُودٌ إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودٍ".

كما إن من أخطر ما يقع فيه الإنسان بسبب طول الأمل أنه يؤخر التوبة على أساس التسويف دوماً بأنه سوف يتوب غداً، قال (عليه السلام): "لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ، ويُرَجِّي التَّوْبَةَ بِطُولِ الأَمَلِ".

فلو سُئل الإنسان المتقدم في العمر حيث يبلغ السبعين أو ما يزيد عن حياته لوصفها بأنها ليست إلا ساعات أو لحظات مرت، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "فَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ، مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ، وأَسْرَعَ الأَيَّامَ فِي الشَّهْرِ، وأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ، وأَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ". إن هلاك من سبق من الأمم يعود فعلاً إلى ما عاشوه من الأمل الواسع المتعلق بهذه الدنيا، مع نسيان الآخرة وأن لهذه الدنيا نهاية ولذا يقول (عليه السلام): "وإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وتَغَيُّبِ آجَالِهِمْ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْه الْمَعْذِرَةُ، وتُرْفَعُ عَنْه التَّوْبَةُ وتَحُلُّ مَعَه الْقَارِعَةُ والنِّقْمَةُ".

وأعظم صورة يصورها أمير المؤمنين (عليه السلام) لهذا المتعلِّق بالدنيا الذي يسعى إليها هي صورة إنسان يركض مسرعاً نحو آمال هذه الدنيا فيتعثر بأمر يوجب سقوطه في حفرة وهذا الأمر هو الموت يحل به فيسقطه في قبره قال (عليه السلام): "مَنْ جَرَى فِي عِنَان أَمَلِه عَثَرَ بِأَجَلِه".

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

2018-01-16